نشر المحبة، بشكليها الوطني والإجتماعي، كفيل بتقويض دعائم الفساد؛ حين يحاصر محبو الوطن، المفسدين، ويشكل المجتمع حاضنة طيبة، تقصي الخارجين على سياقات الصلاح، نبذا من بين ظهرانيه، حتى يتوارى الخطاؤون، ويتجلى موقف المخلصين لله والعراق والناس، ولا يبقى سوى التسامح لغة تشيع الأريحية، إزاء خير الخطائين، الا وهم التوابون توبة نصوح.
هذا كلام إنشائي، لا يحمل آليات تطبيقه واقعيا، يشكل خيطا واصلا بين الوجبات الثلاث، من الإصلاحات، التي أعلنها رئيس الوزراء د. حيدر العبادي، من دون أن يطلقها من عقال الورق، الذي قيدت عليه، حبرا... ولم تعدُ المرحلة الحبرية، بينما صبر الناس ينفد وإقتصاد العراق ينهار، ولا تلوح نية لتفعيلها ميدانيا.
تفاءل الجميع.. المرجعية الدينية وقطاعات الشعب، بالإصلاحات، ولما طال الوقت، ولم يُرَ إنعكاس لها على الدوائر الحكومية والأسواق وحياة الناس،؛ يأسوا.
زمن مفتوح
إمتداد الزمن المفتوح، منح المتفائلين فرصة التأمل بالإصلاحات؛ فإنكشف زخم التشاؤم المتدفق منها، أدركه المتظاهرون والمتفرجون على التظاهرات، بإنتظار النتائج التي يسفر عنها، يستثمرونها، مثلما إستغل البعض خراب 9 نيسان 2003، حين خبطت أمريكا العراق، تحت هاجس "الفوضى الخلاقة" وشرب المنتفعون "صافيها".
من بين الفقرات المطروحة "تبسيط الإجراءات في روتين الدوائر" وهو يعد إقرارا من الدولة، بفساد دوائرها، التي يتعمد مدراؤها العامون، بتأليب من الوزراء، تعقيد إنجاز المعاملات؛ إبتزازا للمراجع؛ كي تمول الوزارة حزبها، الذي تدخل ضمن حصته، في التشكيلة الوزارية، بموجب توافقية المحاصصة، غير الدستورية، التي باتت أشد تحكما بسياسة البلد، من الدستور ذاته.
تسهيلات متواطئة
صدور قرار يدعو الدوائر لتسهيل شؤون المواطنين، عند مراجعتها، يدل على تواطئ مسبق، مع المفسدين، وهو إمتداد للقرارات الإنتخابية، التي أصدرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، داعيا الدوائر الى تسيير المعاملات، قبل الإنتخابات بشهرين، وهو ما يشبه صرف صدام حسين، حصتين إثنين للمواطنين، عند إقتراب الجيش الأمريكي من الإجهاز عليه، حين أرسله بوش الإبن الى قطر عازما على إسقاط الطاغية.. بل وأفرغ السجون، و... "جر عدل" ولو كان كذلك منذ تسلم الحكم، لما سقط، بل لتمسك به الشعب، وما طلب من أمريكا تحريره.
دعوتان.. الأولى إنتخابية، من المالكي لتمشية المعاملات، قبل الإنتخابات الأخيرة، والثانية إصلاحية.. نسبة الى إصلاحات العبادي التي سفه بها التظاهرات، بذكاء خارق.. تأملي ومدروس ومبرمج، لكن كلاهما لم تحدا من إبتزاز الدولة لمواطنها.
الحب والأمل
قالت العرب: "لا تحدث جائعا ولا خائفا" والعراق الآن مسغبة (شدة الجوع والخوف.. جاك السبع جاك الذيب) هبط النفط، حتى كبس على أنفاس العراقيين، إختناقا لا تفريج له، بل يزداد الظرف تعقيدا؛ لكون الساسة والنواب والمتنفذين، يجبرون الشعب، على التقشف، من دون المساس بمميزاتهم.
إذن لا حب نستهل به، قافلة الأمل، التي تسري في صحراء الفساد، القاحلة ترمض قوة الشعب وتعرق عظمه، موفرة واحة غناء لقاطني المنطقة الخضراء..
الواقع يئد التنظيرات، محبطا تطلعات المتفائلين، الذين إنكشف لهم مستوى فساد غائر ومتجذر في عمق الإنتماءات الحزبية المتدرعة بالدين وقاء الإصلاحات!
تكريس السلطة
إذن لا حب يخلق الأمل ولا سبيل لأن تأخذ التطلعات الإيجابية سبيلها الى تكاتف الشعب مع الحكومة، لمحاصرة المفسدين بالنزاهة، فالخداع لغة نابضة، في البقعة التي تعاقبت عليها حكومات ما بعد 2003 خلفا لصدام حسين، في محيط حي التشريع، يقيمون في قصوره التي كانت ترمز للجبروت البعثي.. الصدامي.. الطاغي، أسماها "قصور الشعب" شكليا، لكن الذين حلوا بها، لم يحافظوا حتى على العلاقة الشكلية، للقصور بالشعب، إنما حولوها الى دهاليز رعب فاغرة أفواها بركانية، تتفجر ذعرا، مثل تسانومي لا يدري الشعب، في أية لحظة تكتسحه.
ما أثبت أن القادمين من أصقاع العالم، وكانوا يدّعون معارضة النظام السابق، إنما هم طامعون بالرفاه الذي يتمتع به صدام وجوق المحيطين به، حرمانا للشعب؛ إذ كرسوا ذلك بمجرد تسلمهم السلطة!
فوضى خلاقة
نحن الآن بحاجة لخطوات إجرائية، تعالج الفساد المتفشي نزولا من الكتل السياسية، الى دوائر الدولة، بحكم التبعية التي اوجدتها المحاصصة، وإلغاء المحاصصة، التي جرت علينا خرابا؛ من دون ان تنص عليها فقرات الدستور.
ونحتاج تصحيح المسارات التي إنعطفت بها "الفوضى الخلاقة" التي إتبعتها أمريكا، مطلع دخولها العراق، الذي لم تبقَ منه سوى إصلاحات شفهية، غير قابلة للتحول من الورق الى أرض الواقع ميدانيا.
مقالات اخرى للكاتب