بالصدفة ألتقي مع الإمام في مقهى العمارات، فأحدثه عن زيارتي للمعرض الدولي للكتاب ونحن نرتشف فنجان قهوة.
يستغل صاحب الأسطر جلسته مع الإمام، فيضع على الطاولة جملة من الأسئلة والآراء، لعل الإمام يجد لها إجابة ويضيف مما منح من علم وأدب، فيقول له..
منذ صغري وأنا أحضر جمع التبرعات في المساجد لبناء المساجد ، وكانت يومها المساجد قليلة معدودة، واليوم إرتفعت نسبة التبرعات للمساجد بشكل كبير لتعدد المساجد في الحي الواحد، وللأموال الضخمة التي تتطلبها بمقاييس علمية جديدة مضادة للزلازل، وأدوات عصرية جميلة، ووسائل معاصرة لم تكن من قبل كالتدفئة، والمكيفات، والبلاط العصري.
ثم أتوجه بالسؤال.. لم أسمع في حياتي إماما واحدا يطلب من المصلين جمع التبرعات لشراء الكتب، واقتنائها وما يتعلق بعالم الكتب ، من شراء مكتبة، وأغلفة، ومقص، وغراء، وطاولة، وكرسي ، وما إلى ذلك مما تتطلبه القراءة والمطالعة.
إن مفهوم عمارة المساجد تسع الجميع ويقدر عليها الجميع في كل زمان ومكان ، وكل حسب قدرته ، وإيمانه، وصدقه، وإخلاصه .
فلتكن دعوة جمع التبرعات للكتب سنة حميدة يتبعها الأئمة وأهل الحي والقائمين على القطاع، ويخصص للكتب وقتا من الدرس، والخطبة، والزيارة، والتفقد، والمذاكرة.
ولتكن زيارة المعرض الدولي للكتاب من أعمال أهل المسجد الدائمة الثابتة، وكذا زيارة المكتبات المجاورة أو البعيدة.
ويخصص وقت لزيارة المكتبات العريقة التي تضم مخطوطات نادرة غالية، كالتي توجد في صحراء الجزائر، أو لدى بعض العائلات التي مازالت تحتفظ بما تركه الأجداد.
وعلى ذكر المخطوطات النادرة، فلتكن جمع التبرعات لشراء بعض ما يصلح هذه المخطوطات، وشراء بعض آلات التصوير الدقيقة المعاصرة، لتصويرها في انتظار إعادة إخراجها للحياة في ثوب محقق ، وجميل ، وجيد، ومتقن.
الاهتمام بالكتب لا ينحصر في المساجد فقط، فهو مسؤولية المجتمع بأفراده كلهم، وكل في مقامه وحسب إمكاناته. ويبقى المسجد إحدى عناصر المجتمع في الرفع من شأن الكتاب، فيما يتعلق بالشراء، والاعتناء، والقراءة، والاهتمام، وتوفير الجو المناسب للاستفادة من الكتاب.
أتذكر جيدا أني تربيت على كتاب "الرغيب والترهيب" من 4 أجزاء الذي كان يومها في مسجد الإمام حاج الشريف رحمة الله عليه، بحي بن سونة قبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980، لأن الكتب كانت نادرة جدا، وكنت أطالع يومها المجلات وكانت نادرة جدا.
وفي الأخير وافق الإمام صاحب الأسطر فيما طرحه وذهب إليه، لكنه لم يتحمس للموضوع، وأبدى برودة تجاه شراء الكتب واقتنائها وجمع التبرعات لأجلها.
المطلوب من المهتمين بعالم الكتب، أن يبقى الكتاب ما بقي المسجد، فكما أن المسجد يحتاج لصيانة دورية في مختلف جهاته وجوانبه، كتغيير المصباح، والبلاط، والفرش، والمنبر، ويحتاج إلى إعانة وتبرعات، كذلك يحتاج الكتاب إلى الاهتمام الدائم والثابت من قبل القائمين على المسجد ، وذلك مما يرفع المسجد ويزينه.
مقالات اخرى للكاتب