العراق تايمز: تعريب عادل حبه..
عقد مؤتمر عالمي للجراحين في مدينة لوبليكس. وقد احتضن هذا المؤتمر العالمي العاشر كبار جراحي العالم. وحاز باهتمام محافل العلوم الطبية في العالم، إضافة إلى جذب اهتمام الرأي العام العالمي. شارك في المؤتمر عدد كبير من جراحي العالم من المتميزين بالفرادة والمهارة والنبوغ في مهنتهم، إضافة إلى حضور عدد كبير من المراسلين من شتى بقاع العالم. وراح المراسلون يؤدون واجبهم على غرار ما يؤدونه أثناء مسابقات كرة القدم أو في اللقاءات الصحفية مع الشخصيات السياسية ونجوم السينما الذين يسعون إلى إبراز محاسنهم وجمال أزيائهم. وتقرر في المؤتمر أن يلقي جراحون معروفون من ثلاث وعشرين دولة محاضرات حول أحدث ما توصل إليه علم الجراحة. وكان من بين المشاركين جراحين يستطيعون بمنتهى البساطة فصل أعضاء من الجسم ثم ربطها من جديد. ونشرت الصحافة العالمية بضع سطور عن هذا المؤتمر العالمي، إلى جانب آخر الأخبار حول أزياء ألبسة السباحة ونتائج مسابقات كرة القدم.
جرت في حفلة الافتتاح المراسيم التقليدية التي تجري عادة في حفلات الافتتاح، وألقيت كلمات معتادة في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر. وبدأت في اليوم الثالث المحاضرات حول آخر منجزات العمليات الجراحية. كان المتحدث الأول الدكتور كليزمان الجراح الأمريكي المعروف، حيث توجه مع مساعده نحو منصة الخطابة وبدأ بإلقاء خطابه.
وضع الحاضرون السماعات الخاصة على آذانهم، واستعد المراسلون على عجل لمتابعة الخطابات وهم يحملون أوراقهم وأقلامهم. وبادر كل مشارك بوضع السماعة الخاصة تبعاً للغة التي يتقنها. وبدأ كليزمان محاضرته على النحو التالي:
أيها الزملاء المحترمون! لي الفخر وبعد 35 سنة من تراكم الخبرة الثمينة في علم الجراحة أن أعرّف الزملاء الأعزاء بآخر اكتشافاتي. أنكم على علم بأنه لم يتمكن أي من الجراحين من تغيير بصمات أصابع الإنسان. ولم يحرز الطب والجراحة أي تقدم في هذا الميدان، ولم يكتب العلماء أي سطر حول هذا الموضوع. فعند أية عملية جرت لإزالة حلد الأصابع، سرعان ما ينمو جلد آخر بنفس المواصفات، وتحتفظ الخطوط بالمواصفات السابقة. ولهذا أصبح من السهولة بمكان على البوليس كشف رجال العصابات والسراق وأقطاب الجريمة واعتقالهم. ولكن لي الفخر أن أعلن لكم وبعد سنوات من الجهد والمطالعة والتجارب إنني استطعت تغيير خطوط أصابع الإنسان. إن الشخص الذي يقف إلى جواري هو من الرأسماليين المعروفين في الولايات المتحدة الأمريكية، وصاحب أكبر مصانع عصائر الفواكه فيها. أسم سعادته هو مستر توماس، ولكن الشرطة تعرفه باسم "جاك"، وتُحفظ اضبارته في دوائر الشرطة بهذا الاسم. لقد بذلت الشرطة جهوداً كبيرة ولمدة 10 سنوات لاعتقال هذا الشخص الذي اعتبر من أخطر رجال العصابات. ولكن ولحسن الحظ لم يحالف الشرطة الحظ بالقبض عليه.
الآن تحول توماس إلى ملياردير، ولم تستطع الشرطة أن تثبت أنه كان من أهل السوابق ومن أقطاب الجريمة المنظمة. ينبغي عليكم أيها الزملاء الأعزاء أن تدركوا بأن جراحة تجميل الأصابع لا تعتبر من أشق العمليات الجراحية فحسب، بل من أكثرها ربحية وإيراداً. أستميحكم العذر كي تشاهدوا تفاصيل هذه العملية الجراحية من خلال الفلم الذي سنعرضه عليكم.
بعد مشاهدة الفلم، صدّق الحاضرون كلام زميلهم الأمريكي واعتبروه أحد المكتشفين العظام في ميدان علم الجراحة. ولكن ما أن شرع ممثل الجراحين في انجلترة بالتحدث حتى غيّر الحاضرون رأيهم. وقف الجراح الانجليزي الدكتور ب. لينكس أمام الميكرفون وإلى جانبه أحد الأشخاص وقال:
أيها الزملاء الأعزاء! إنني سأتحدث لكم عن عملية جراحية استثنائية ومحيرة ليس لها نظير في علم الطب، والتي ستقدم خدمة كبرى إلى عالم البشر. أنتم ترون من يقف إلى جانبي، فهو أحد أبطال الحرب العالمية الثانية. لقد قام هذا الشخص لوحده في الاشتباك مع العدو وقام بإبادة 26 من جنوده، ولكن للأسف تعرض إلى انفجار قنبلة يدوية معادية أصابت خلفية رأسه مما أدى إلى انفصال الرأس عن الجسد. وسرعان ما تم نقله إلى المستشفى، وقمت فوراً بعملية جراحية ماهرة مستخدماً مرهم خاص، حيث تم لصق الرأس برقبته من جديد وأصبح أفضل من السابق بحيث لا تهزه حتى قنبلة ذرية. وها أنا الآن أشرح لكم سر هذا المرهم....
طغت علائم التعجب على وجوه الحاضرين، واعتقد الجميع أن علم الطب لم يشهد مثل هذا الاكتشاف الكبير في عالم الجراحة، وإن المحاضرة كانت مفيدة جداً ولم يجر الاستماع إلى مثيل لها من قبل. ولكن ما أن بدأ الجراح الفرنسي يإلقاء محاضرته حتى تغير رأي المشاركين. توجه الجراح الفرنسي نحو منصة الخطابة بمعية سيدة جميلة ارتدت لباس سباحة من قطعتين. وقف الجراح الفرنسي أمام الميكرفون، وتململ المشاركون في مقاعدهم وارتعشت أبدانهم عندما شاهدوا السيدة الشابة المرافقة للجراح. بدأ الجراح الفرنسي خطابه على النحو التالي:
زملاؤنا المحترمون! لقد توصلت إلى انجازات كبيرة جداً في ميدان جراحة التجميل. ولابد أن تعرفوا أن الفتاة الجميلة التي تقف أمامكم هي من صناعتي وصنعتها على ركام سيدة تبلغ من العمر 65 سنة. جرت همهمة في الصالة، وبعد صمت دام عدة لحظات، استمر الجراح الفرنسي في حديثه وقال: لقد أنجزت عملاً غير عادي في جراحة التجميل، حيث حولت أمرأة مسنة إلى فتاة جميلة كما ترون، إن جمالها بلغ حداً بحيث فتن حتى قلبي، ناهيك عن ألآخرين. استقبل خطاب الجراح الفرنسي يالتصفيق الحاد .
بعد ذلك توجه نحو منصة الخطابة جراح ألماني وقال: زملاؤنا الأعزاء، عليكم أن تعرفوا أن الموت لا يعني توقف جميع عمل أعضاء الجسم. فإذا ما توفرت ظروف مناسبة لأعضاء الجسم الأخرى فإنها تستمر بفعاليتها. فعند الإصابة بمرض السل يتوقف عمل الرئتين فقط. لقد برهنت عملياً على أن فشل القلب أو الرئتين لا يؤديان إلى الموت كلياً، فإنه من الممكن الحفاظ على حيوية الخلايا. لقد استطعت بعد سلسلة من البحوث أن أخلق أنساناً حياً من الأعضاء الحية للأموات. في هذه اللحظة، وبعد صمت قليل قام الجراح بلفت أنظار الحاضرين إلى شاب شبيه بـ"أﭘولون" ، قال الجراح: إن ساقي هذا الشخص تعودان إلى رياضي توفي على أثر عملية المصران الأعور، أما بدنه فيعود إلى مصارع توفي بعد تعرضه لضربة في رأسه أثناء ممارسة رياضة المصارعة. أما رأس هذا الشاب وقلبه فيتعلقان بأحد جلادي الغستابو الذي حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.
اعتبر جميع المشاركين في المؤتمر بأن ما قام به الجراح الألماني من إنجاز محير هو أكبر اكتشاف في عالم الجراحة. ولكن بسبب من عدم الاستماع إلى محاضرة الجراح الياباني، فقد أجل المشاركون في إبداء وجهة نظرهم إلى اليوم التالي.
في اليوم التالي استمر المؤتمر في أعماله.
وقف الدكتور الياباني" هيمي شياما" أمام الميكرفون، كما وقف إلى جانبه عجوز ياباني قصير القامة، وقال: هذا الشخص هو ياباني متعصب لم يستطع المشاركة في الحرب العالمية الثانية بسبب قصر قامته وأمّيته. ولم يتحمل هذا الشخص هذا التحقير الهائل وتحمل الصدمة النفسية، وقام بشق بطنه مما أدى إلى تساقط جميع أحشائه على الأرض.
وفي اليوم الأخير من أيام المؤتمر، قام جميع الخطباء بتوضيح أكثر حول منجزاتهم واكتشافاتهم في عالم الجراحة من أجل إحراز المرتبة الأولى.
من بين أعضاء المؤتمر، التزم جراح واحد الصمت ولم ينبس بأي حرف، وكان غارقاً في التفكير. جلب هذا الجراح انتباه رئيس المؤتمر وقال له:
•هل لدى سعادتكم أية قضية تودون عرضها على المؤتمر؟
• لم لا! ولكنني لا أظن أنها ستثير اهتمام الحضور.
تعالى صوت من قاعة المؤتمر:
•نريد أن نستمع إليه.
- يجب على جميع أعضاء المؤتمر التحدث عن اكتشافاتهم.
- نرجو منه أن يتوجه نحو الميكرفون.
اضطر هذا الجراح الذي لم ينبس بأية كلمة خلال كل جلسات المؤتمر، إلى التوجه صوب الميكرفون. وبعد أن رشف جرعة من الماء، أدار وجهه نحو الحضور وقال:
- الآن أرجو من الزملاء أن ينشّطوا آذانهم لسماع محاضرتي، فإنني سوف أعرض عليكم بشكل مختصر عملية جراحة "اللوزتين" التي قمت بها.
تعالت أصوات غريبة وعجيبة في القاعة، مصحوبة بالسخرية والضحك.
- هذا السيد يريد الحديث عن عملية "اللوزتين" بعد كل الاكتشافات الكبرى التي تحدث عنها الزملاء الذين سبقوه.
أثار ذلك ضحك وسخرية الحضور في المؤتمر من المحاضر الجراح الذي قال:
- أيها السادة..باعتباري انساناً متواضعاً، ما كان بودي الحديث عن الأهمية الكبيرة لهذه العملية الجراحية، ولكنني لم أعد أتحمل هذا الضحك والسخرية. فليسن من حقكم أن تسخروا مني بسبب عملية جراحية لـ"اللوزتين".
اشتد ضحك وسخرية الحضور.
- عمليتك الجراحيةغبية جداً!
- من المخجل أن يشارك في المؤتمر جراح "اللوزتين".
- إنني لا أقوم بمثل هذه العمليات الجراحية البسيطة.
- جراحة "اللوزتين" من اختصاص الممرضين.
- من المخجل لأي جراح مشهور أن يتحدث مع جراح حول عملية "اللوزتين" في المؤتمر.
زادت كناية الحاضرين في الجلسة من نرفزة المحاضر، بحيث أخذ يرتجف من شدة غضبه وارتعدت فرائصه وصاح بأعلى صوته:
•هل تعرفون الشخص الذي أجريت له عملية "اللوزتين"؟
• بالنسبة لنا ..الشخص الذي أجريت له العملية ليس ذي أهمية حتى ولو كان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة.
•سيدي..ما علاقة شخصية الانسان بجراحة "اللوزتين".
صاح المحاضر بأعلى صوته وقد أحمر من شدة الغضب في أجواء صراخ الحضور:
•إن الشخص الذي أجريت له عملية نزع "اللوزتين" كان صحفياً.
تعالى ضحك المشاركين، وأنبرى أحدهم قائلاً:
هل هناك فرق في إزالة اللوزتين عند الصحفي أو التاجر أو الموظف أو الجندي..
ابتسم المحاضر وقال بصوت جهوري:
إنني أدرك بأن جراحة اللوزتين لا تختلف مع اختلاف الأفراد المنحدرين من طبقات مختلفة، فالفقير والغني متساويان تحت مشرط الجراحة. ولكن عليكم أن تدركوا قضية مهمة هي أنه عندما نزيل "اللوزتين" من هذا الصحفي، فإن ذلك يعني سريان قانون لا يحق للصحفيين في ظله فتح أفواههم على الإطلاق. وعلى هذا الأساس كنت مضطراً إلى إخراج "اللوزتين" من مخرج الصحفي!!.
تراجع الضحك والسخرية من على محيا الحاضرين، واستُقبلت محاضرة الجراح بالتصفيق المستمر. واعتبر جميع أعضاء المؤتمر العالمي للجراحين إن عملية جراحة "لوزتي" الصحفي وبإجماع الآراء باعتبارها أهم منجز في تاريخ الطب في العالم. ولهذا قام الجميع بتهنئة الجراح بإحرازه المرتبة الأولى، وغادر الجميع قاعة المؤتمر بطيبة خاطر