ظاهرة إحتفالات حشود الجماهير بالمناسبة العامة الوطنية تقع ضمن نطاق حقل علم الإجتماع السياسي عند دراسة التنشئة السياسية وتجلياتها، وأحد مقاييس معرفة درجة مشاعر الإنتماء الوطني للأفراد والجماعة يكمن فرزها من خلال نوعية المناسبات المحتفى بها ، وطبيعة المحتفين من حيث المستوى الطبقي والفئوي والتعليمي والثقافي .
ومايحدث من مشاعر الفرح والإحتفالات الجماهيرية عند فوز الفريق العراقي لكرة القدم .. هو تعبير خادع ومزيف عن المشاعر الوطنية ، فهذه مجرد مشاعر بدائية حماسية تحرك حشود القطيع الذين تتملكهم حالة من الهياج الهيستيري المجرد من العقل والمنطق والوعي ، ومن الخطأ النظر الى هذه الظواهر الخادعة على انها تجسد الوحدة الوطنية التي مزقتها الأحزاب والساسة ، فما من سلوك سياسي منحرف إلا وهو نتيجة للتخلف الإجتماعي وتشوه التنشئة السياسية ، والأحزاب والنخب السياسية نتيجة وليسوا سببا.
ثم من الخطأ الفظيع ربط كرامة وسمعة الوطن بكرة القدم وأقدام اللاعبين ، والتي هي مجرد لعبة ترفيهية لاتمثل أية قيمة ، وسمعة الأوطان عادة تربط بالمنجزات الحضارية والعلمية والمواقف النبيلة .
تعرف مشاعر الإنتماء الوطني الحقيقية من خلال تجليات وحدة الأمة وتفضيلها لمصلحة البلد على مصالحها الشخصية والحزبية والطائفية والقومية ، فهل الشعب العراقي وصل من النضج السياسي الى مرتبة الأمة ، وهل الذين خرجوا فرحين بفوز المنتخب العراقي يمتلكون هذه المشاعر الوطنية الحقيقية ؟
للأسف أحد أكبر أزمات الشعب العراقي الدائمة.. ضعف مشاعر الإنتماء الوطني الذي أدى الى حدوث هذه الكوارث وإستشراء الفساد وسرقة المال العام ، وتآمر الأحزاب والساسة على بلدهم منذ قيام العراق الحديث سنة 1921، زائدا حالة اللامبالاة والصمت الجماهيري وعدم الشعور بالمسؤولية والمطالبة بالحقوق ، مضافا اليها أزمة كارثية أخرى هي فشل العراقيين في النشاط المؤسساتي الجماعي ونزعتهم الفردية التدميرية ، وإخفاقهم في قيادة أنفسهم!
ليس لدينا تنشئة سياسية سليمة .. وبالتالي من الطبيعي ان تكون حياتنا السياسية متخلفة والأحزاب والساسة والكثير من الجماهير تعمل ضد مصالح الوطن !
مقالات اخرى للكاتب