شكل العلم الستراتيجي تحول في المفاهيم والسلوكيات والاطر الحاكمة لرسم السياسات , وكذلك انتخاب وتحقيق الاهداف الستراتيجية المنبثقة من الستراتيجية الشاملة / العليا , وايضا تضمن القدرة على تحقيقها بأساليب مختلفة غير نمطية وذات طابع ابداعي يحقق الجودة في الاداء , ويرسم خارطة التمييز المؤسسي في كافة المجالات , ولابد الذكر ان اساس العلم الستراتيجي قد اشتق من العلم العسكري المعني بصياغة الستراتيجيات العسكرية المنتجة التي تلتزم بنظام مؤسسي محكم يحقق الاهداف عبر تطويع الموارد المتيسرة ومعالجة النقص بخطط بديلة تؤمن الوصول الى الاهداف باقل خسائر ممكنة , ومن هذا النمط انتقل التفكير الستراتيجي العسكري الي ميادين الحياة العملية الاخرى نظرا لنجاعة ونجاح المنظومة الستراتيجية المعتمدة على التفكير والتحليل والتخطيط والاستنتاج الستراتيجي , بل وتحولت الى التخصصات الافقية المستخدمة في المؤسسات المختلفة للدولة والشركات الخاصة , وبالرغم من شياع استخدام المصطلحات الستراتيجية وتبادل الخطط المعدة في هذا المجال الا ان الكثير من دوائر القرار والتخطيط لاتزال تغفل عاملين مهمين في البعد الستراتيجي وهما التحليل والاستنتاج الستراتيجي , ونظرا لأهميتهما وقلة تناولها علميا ومعرفيا فاجد من الضروري التنويه عنهما وبشكل سريع ومختصر في مقالتي الستراتيجية هذه المعنية بمجتمع الستراتيجية والقيادة وعالم التدريب وتنمية المهارات.
اهمية التحليل الستراتيجي
التحليل كلمة تتداول كثيرا وفي كافة المجالات وايضا نركز عليها في البرامج التدريبية , وتستحق الوقوف عندها لأنها الفاعل المحوري في العلمية الستراتيجية بكافة عناصرها , ولعل فلسفة التفكير الستراتيجي يعد العنصر الاساسي الذي تستند عليه المنظومة الستراتيجية بكافة افرعها .
وكما نعلم عند الشروع بالتفكير او التخطيط او رسم السياسات لابد ان تسبقها عملية التحليل الستراتيجي , وفحص البيئة التفاعلية مهما كان نوع واختلاف المؤسسات القائمة بذلك , لان التحليل هو المادة الاساسية التي تعتمد عليها بقية عناصر العملية الستراتيجية , وان اخطأ القائم بالتحليل في فحص البيئة الخارجية او اغفل احد عوامل القدرة والموارد فان الخلل سيصيب الاستنتاجات الستراتيجية التي على ضوئها يضع صانع القرار الخيارات والبدائل التي هي الاخرى ستكون عرضة للفشل , مما يستوجب اعادة تقييم المدخلات وبذلك نهدر الوقت والجهد والموارد التي خصصت في التخطيط الستراتيجي كما ويتطلب ان ترصد موارد اضافية تضع اعباء مادية ومالية ومعنوية على متخذ القرار, كون صانع القرار قد اعتمد المعطيات الخاطئة او الناقصة في موقع ما في عملية التحليل الستراتيجي , ولذلك يعد التحليل الستراتيجي من اهم العمليات في المنظومة الستراتيجية , وهنالك العديد من الأساليب والنماذج التي تستخدم في التحليل نذكرها وهي :
1.نموذج تحليل بيست
2.نموذج تحليل بيستل
3.نموذج تحليل ستير
4.نموذج تحليل سوات
5.تحليل الهندسة المعكوسة (تنظير واسلوب الكاتب)
فضاء الاستنتاج الستراتيجي
يعد الاستنتاج عملية فكرية ابداعية يستخدم فيها المخزون المعرفي الفردي والجمعي لطرح مخرجات تطبيقية , وفقا للمعطيات المستحصلة من التحليل ويتم ذلك عبر وضع تصور منطقي موضوعي يطرح على اثرها خيارات متعددة وبدائل مختلفة تحقق مرتكزات التطبيق الســـــــــتراتيجي الفعال , ولعل يبرز الابداع والتمييز في فريق العمل القائم بالعملية الستراتيجية من خلال التوغل عميقا بالمدخلات وشكل البيئة التفاعلية ومؤثراتها , ومدى نجاح تحقيق الاهداف الستراتيجية , ويذهب البعض الى استخدام الاستنتاج القياسي وفقا للحوادث المماثلة والتجارب السابقة والمعطيات المتشابه , وهو الاسلوب الاكثر سهولة وكثيرا ما يصيب واحيانا يفــــــشل لاختلاف البيئة والظروف , ولكن من الافضل استخدام الاستنتاج الابداعي الذي يعتمد على الابتكار الستراتيجي والابداع الفكري والتصور المسؤول والمجازفة المحسوبة , وبذلك يمكن ان يحقق نتــــــــائج مضمونة باقل كلفة واقتصاد بالجهد والوقت , ولا يمكن القفز على حقيقة اساسية مهما كانت العملية الستراتيجية بكافة عناصرها متقنة وحرفية وابداعية الا ان في التطبيق تبرز معــوقات متعددة قد تعرقل التنفيذ مما يستوجب وجود الخطط البديلة التي تعالج العراقيل او تتخطاه ولأجل ان نمارس الاستنتاج الابداعي لابد ان تجـــنب ما يلي:
1.تجنب المقارنة بالخصوم حيث ان المشاكل الستراتيجية تتعلق بمستقبل المؤسسة وطاقمها القيادي والاداري وسياسة البقاء والديمومة , خصـــــــــــوصا بما يتعلق بتحقيق الاهداف الستراتيجية وجودة الاداء والعـــــــلاقة التفـــــاعلية بين الجمــــــــهور .
2.نقل المعلومات بشكل روتيني والاعتماد على قاعدة البيانات المتوفرة دون التحديث او تحــــقق ميداني , وهذا قد يغفل حقائق معينة تجعل التحليل والمعطيات لا تتسق بالمنهجية الستراتيجية المعاصـــرة والتي تتطلب التعمق في الحقائق والمعلومات .
3.ابعاد عامل الخبرة ومن الضروري ان يقوم الخبراء بمهام العملية الستراتيجية بدء من التحليل وحتى اتمام الخطة والتطبيق, لان الخبرة ثروة وطنـــــية ومؤسسية تحقق التوازن الستراتيجي في صنع واتخــــــــاذ القرار وتقييم وتقويم المسار الستراتيجي .
4.تجنب استخدام الستراتيجيات النمطية والبحث عن استراتيجيات ابداعية مبتكرة توائم المتغيرات والمتطلبات العصرية في البيئة التفاعلية وبيئة التنافس المؤسسي .يبقى الفكر المتنور والبحث عن المهارات وحيازتها والأدراك والتفكير من ابرز عناصر القدرة الستراتيجية الفردية وكذلك العمل كفريق او خلية صناعة قرار تنتج الفكر الابداعي الجمعي , ولابد نذكر ان العملية الستراتيجية بكافة عناصرها وتعدد فروعها تعتمد على العقل والانسان والتفكير الابداعي , لان التفكير بمعناه العام هو نشاط ذهني أو عقلي يختلف عن الإحساس والادراك ويتجاوز الاثنين معاً إلى الأفكار المجردة.
وبمعناه الضيق والمحدد هو كل تدفق أو مجرى من الأفكار، تحركه أو تستثيره مشكلة أو مسألة تتطلب الحل كما انه يقود إلى دراسة المعطيات وتفحــــــصها بقصد التحقق من صحتها، ومعرفة القوانين التي تتحـــــكم بها والآليات التي تعمل بموجبها معتمدا الابداع الفكري والمعلومات الدقيقة والحديثة بغية مواكبة المتغيـــــــــرات ومعالجة الاخطار والازمات التي تعترض العمل المؤسسي والفردي .
{ خبير ستراتيجي
مقالات اخرى للكاتب