كان العراق في العهود الماضية يزهو باقتصاده المنتعش بفضل الخيرات الوفيرة التي وهبها الله تعالى لهذا البلد من خصوبة أرض ووجود نهرين عظيمين وروافدهما. فكان يعتمد كلياً على المنتوج الزراعي والحيواني في تلك الحقب ناهيك عن تصدير الفائض من تلك المنتوجات إلى البلدان الأخرى فكان هذا البلد محط أنظار الدول الاستعمارية الطامعة بخيراته ومائه. لذلك توالت عليه عهود وعقود من الاحتلال والاستعمار والدمار والخراب ونهب الخيرات. ومما زاد في الطين بلة هو اكتشاف البترول في أرض العراق في مطلع القرن العشرين فبدلاً من أن يكون هذا الاكتشاف رافداً آخر من روافد الانتعاش الاقتصادي لهذا البلد أصبح وبالاً ونقمة عليه.. فقد جرَّ عليه ذلك المؤامرات الخارجية والداخلية والحروب والويلات والقتل والتشريد.. وأخذَ الاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية يقلّ شيئاً فشيئاً من قبل الحكومات المتعاقبة وأصبح الاقتصاد العراقي يتسم بالريعية معتمداً كلياً على تصدير البترول في تمشية أمور البلاد والعباد باستثناء فترة الحكم الملكي وبداية الحكم الجمهوري حيث هناك نوع من الاهتمام بالجانب الزراعي. ولكن بعد ذلك أهمل هذا المصدر الحيوي وأصبح البلد من مصدر للمنتوجات الزراعية والحيوانية إلى مستورد رئيسي لتلك المنتجات وبالأخص من الدول المجاورة ولا سيما في الفترة الأخيرة بعد التغيير الذي حصل عام 2003م. فأصبح قلبك يعتصر ألماً وانت تشاهد في الأسواق والمحلات المنتوجات الإيرانية والتركية والسعودية والكويتية والسورية وغيرها في حين غاب المنتوج الوطني كلياً عن السوق العراقي. علماً بأن المواطن العراقي يعي جيداً أنّ من أهم أسباب غياب المنتوجات الوطنية واستيراد المتوجات الأجنبية هو بسبب صفقات تجارية واتفاقات يديرها أصحاب الأحزاب والكتل المتنفذة في الدولة إيغالاً منهم في إلحاق الضرر بالاقتصاد العراقي وتأميناً لمصالحه الشخصية وزيادة أرصدتهم من العملة الصعبة في البنوك الخارجية ولتمشية أمور أحزابهم وكتلهم السياسية.
واليوم وبعد انكشاف الغطاء عن الاقتصاد العراقي بسبب انهيار اسعار النفط إلى أدنى مستوياتها مما ألحق بالغ الضرر بالاقتصاد العراقي وأثَّرَ ذلك بشكل رئيسي على المواطن البسيط أصبح من المحتَّم على قادتنا وساستنا الكبار إن كان فيهم من يمتلك حساً وطنياً وحرصا على الشعب العراقي أن يشمِّر عن سواعده ويأخذ على عاتقه مهمة انتشال البلد من هذا المأزق الاقتصادي الذي وقع به وذلك من خلال القيام بثورة ونهضة زراعية تعيد البلد إلى سابق عهوده من الرخاء والازدهار والاكتفاء الذاتي ومنع الاستيراد والمحافظة على العملة الصعبة في خزينة الدولة.
فالأرض العراقية لا زالت خصبة وتنبض بالخيرات الوفيرة ولا زال النهران الخالدان دجلة والفرات يجريان من شمال الوطن إلى جنوبه لا عن طريق امتصاص ما في جيب المواطن الفقير من خلال فرض الرسوم والضرائب والجباية على الخدمات المتردية بالأساس كخدمات الصحة والكهرباء والماء وغيرها. كما نرى اليوم من إجراءات عرجاء اتخذتها حكومتنا الموقرة لرفد خزينة الدولة الخاوية المنهوبة!! فهل يُعقل أن تقوم الدولة باستقطاعات كبيرة من رواتب الموظفين والمتقاعدين البسيطة والمتواضعة أصلاً من أجل سدّ النقص الحاصل في خزينة الدولة. وترك (الكروش الكبيرة المتدلية) لأصحاب الكتل والأحزاب المتنفذة وأعوانهم ينهبون بالمال العام كيفما يشاءون دون وازع من ضمير أو دين أو أخلاق أو إنسانية..
فهل من سامع لهذا النداء ؟؟.. يجب القيام بثورة زراعية حقيقية تعيد لهذا البلد الحياة من جديد وتُنعش اقتصاده وتحيي آمال شعبه بالعيش الكريم.. وهل سيكفّر ساستنا وقادتنا الكبار عن سيئاتهم ويأخذون هذا النداء على محمل من الجد ويتناسون ويتركون التناحر والتنافس على المكاسب السياسية والحزبية والفئوية الضيقة ويضعوا اليد باليد للقيام بهذا العمل الكبير لإنقاذ البلد والشعب من السقوط في الهاوية..
فأرض العراق لا زالت معطاء وعامرة بالخيرات الوفيرة وسيكون الشعب كله خلفهم داعماً لهم بكل ما أوتي من قوة إن كانوا صادقين.. وليتقوا الله في هذا الشعب المظلوم.. فقد قال رسول الله محمد (ص):
((رأس الحكمة مخافة الله))
مقالات اخرى للكاتب