جميع شعوب العالم, تحدد هوية انتمائها, الأرض والحدود ودولة ذات سيادة, لون البشرة والبيئة واللغة واللهجات الشعبية والفلكلور والثقافات المجتمعية ومنظومة معتقدات, ثم علم ونشيد وطنيين اكتسبا مضمونيهما عبر تاريخ حضاري, من ولد عراقي مثلاً, لا يمكن لجذوره ان تجد لها امتداداً راسخاً من خارج الأرضية الماسكة بجذع الأنتماء, قد يكون المرء عربياً او كردياً وتركمانياً وكلدو اشوري, وقد يكون مسلماً مسيحياً ايزيدياً صابئي مندائي او يهودياً, وقد يعتنق مذهباً شيعياً او سنياً, او فكراً ومبدأً وايديولوجية, فبدون الأنتماء الأول يصبح مقطوعاً لا قيمة له, فريسة سهلة لتقلبات فصول الأقدار, وفي افضل حالاته, ليس اكثر من وقود يوقده الآخر او يشعل فيه حريقاً للكراهية والبغضاء والفتن, يُحرق فيه ويحترق, فقط لأنه انفصل عن اصله وتقطعت جذور انتماءه .
ما فوق الجذع, ليس الا مجرد اطراف اذا انقطعت عن اصلها سقطت في هوة النهاية, ما نشاهده في الحالة العراقية , حالة سقوط في حضيض اقلمة الجغرافية والدولة والمجتمع والثروات, انه الأنقطاع المآساوي الذي لا يريده الوطن لمواطنيه, عندما تسقط الأطراف (هويات فرعية متأقلمة) يسقط معها مصيرها في عفن الهاوية, حيث تتشكل من تحللها وتفسخها ديدان تتطفل على ذاتها التي تعفنت, حالة التجزئة والتقسيم (الأقلمة) وبدعة الهويات الفرعية التي تفترس الآن الهوية الأم, كردية كانت ام شيعية سنية اوهويات اخرى مزدحمة, انه بداية غيث الخراب الذي ينتظره العراق الواحد .
الحشد الشعبي, الظاهرة وردة الفعل لحالة سقوط اغلب اطراف العملية السياسية عن شجرتها (الوطن), يجب وبالضرورة ان تبدأ عراقية, في هذه الحالة ستستعيد الهوية المشتركة عافيتها عبر الأرتباط بالكيان الواحد, الأطراف ـــ الهويات الفرعية ـــ الساقطة في حضيض الأقلمة, لا تنقل للجسد السليم غير عدوى عفنها, ثم التحلل والتفكك والتهالك والضياع, ان الأنقطاع عن الهوية الوطنية المشتركة, لا ينتهي الا بالسقوط في عفن الهويات الفرعية المتفسخة .
نريده حشداً, هويته الأنتماء الأول للأرض والأنسان, فمن داخل هوية الأنتماء الوطني تستطيع الهويات الفرعية ان تجد سكينتها وتستمد بقائها وجماليتها وعطائها المثمر, ثم ضمان انتمائها للحياة وحصولها على القبول المجتمعي بعيداً عن عفن السقوط, لهذا نرى ديدان التطفل على اقلمة وتحاصص الجسد العراقي, مذعورة من ظاهرة وردة فعل الحشد الشعبي, التي تتسع الآن لوحدة مكونات المجتمع العراقي مندمجة ببعضها في ميادين المواجهات مع اعداء الأمة العراقية, انها الآن تهدد بغلق بالوعات الفساد في المنطقة الخضراء .
نثمن الأستجابة الوطنية للكثير من المثقفين والسياسيين, كتاب وباحثين واعلاميين, يصب عطائهم في روح الظاهرة الوطنية للحشد الشعبي, بعكسه نرى سياسيي ومستثقفي التطفل على عفن الهويات الفرعية للتقسيم, ترتفع درجة حرارة تخريفاتها من تحت موائد الأرتزاق, وبشكل خاص, ذلك القطيع الذي دجنته وافرغت ذاكرته المكرمات ولم تترك خيطاً من الأيجابية في نسيجه السلبي اصلاً .
عندما يصبح التضامن مع ظاهرة الحشد الشعبي واجباً وطنياً, يجب وبالضرورة ان يكون واعياً لا يعتمد العواطف الملتهبة حتى لا يحترق المضمون الوطني لتلك الظاهرة, الحثالات التي اتخذت من التطرف الطائفي والتعنصر القومي سلماً للصعود على ظهر الحراك الجماهيري وتصدر موجات الخوف المفتعل من الشقيق الآخر, ثم الأحتيال على الوعي المجتمعي والأستئثار بالسلطات والثروات والجاه والعبث بأرزاق الملايين, يجب اعادة النظر فيها, ارتباطاتها سلوكها مسروقاتها, انها لم تعد تصلح لأدوار لا تستحقها ويجب انهاء نفوذها المدمر لحاضر العراقيين ومستقبل اجيالهم .
ظاهرة ايجابية ملفتة للنظر, ان يصبح الحشد الشعبي تجمعأ وطنياً منسجماً متفانياً من شباب عابر للطائفية ممثلاً لمكونات المجتمع, حالة انسلاخ عن ثقافة الأستقطابات الطائفية العرقية, بالتضحيات وحدها يمكن ان تكتسب الأنتصارات نكهتها الوطنية وتستعيد الهوية المشتركة نسيجها التاريخي للعراق الواحد, هنا سيفقد ممتهني الشعوذات وموروثات الأحتيال على الحقيقة ادوارهم في التلاعب على نبل العواطف المجتمعية بعد ان اسقط الفساد تاريخ اقنعتهم .
لا مععتقد لمن لا وطن له, ولا ايمان لمن لا انتماء له, ومن خذل العراق وشعبه, لا يمكن له ان يكون الا سمساراً, ومن سرق وهرب ثروات الوطن, لا يمكن له ان يكون الا لقيط نفط لا اصل ولا فصل له, هولاء الأراذل, ومهما كان الجرف الذي يقفون عليه, فقدوا انتسابهم و ولائهم لحاضر العراق ومستقبله .
حشد عراقي لردة فعل وطنية يصرخها الآن حيف عراقيي الجنوب والوسط, وجدت صداها في ضمائر بعض الأشقاء في المحافظات الغربية, مصالحة بفصاحة وصراحة لغة الدم والتضحيات المشتركة, ستخلع عن جسدها الوطني اسمال الطائفية وبلادة التطرف, وتنتف من قاموسها مفردات الأقلمة والتقسيم, ان كان هناك فلان عاق, فهنا نسخته, سيجمعهم الشرفاء من ابناء العراق من هنا وهناك في اكياس الخيانة والخذلان ليرميهم على قارعة عفن الفتنة .
مقالات اخرى للكاتب