ربع قرن مرّعلى غياب المفكر الأديب الكاتب السياسي الصحفي عزيز السيد جاسم، غاب في وقت كان فيه العراق بأمس الحاجة لحضور ذاكرة نقية متوهجة بالغة العبقرية في علاج أحواله ، نعم غاب في واحدة من صولات الحماقة للنظام السابق وطفح أخطائه . غياب مفكر بمواصفات أبي خولة يعني حدوث جُرح بليغ في روح الأمة ، لكن إنّا ل(عبد حمود) أو رتل كتاب التقارير والوشاة وثقافة القطيع أن تعالج إنحرافها سوى بالجريمة ، ذلك ديدن أعداء الحرية الذاتية سابقا ً ولاحقا ً، ولسنا بمعرض نقد الأشخاص ،وإنما منهج النظام السياسي وطابعه التربوي والأخلاقي الذي أورثنا هذه القطعان من الثعالب والذئاب التي تنهش بالوطن الآن ، وتشرب من دمائه في بانوراما كابوسية ،كثيرا ً ماحذر منها الراحل الكبير عزيز السيد جاسم . لم يكن عزيز متآمرا ً سوى على حياته الباحثة عن الجمال في أينع ثماره الوطنية ، كان عميلا ً للروح الشعبية والإنتماء الخالص لمجتمع أجاد في إنتاج نخب من المبدعين الوطنيين الأحرار في نطاق الفكر والأدب ، لكن الأنظمة البائسة المتهرئة فرطت بها ...! فهل يمكن لدولة عاقلة ان تخسر بملئ قراراتها عناوين عملاقة وممتلئة مثل أنهار التاريخ.. المفكرعزيز السيد جاسم والشاعر محمد مهدي الجواهري وشفيق الكمالي ومظفر النواب وآخرين، أنه الجنون والغطرسة والقرار الرجعي القذر الذي يجعل الدولة تقتل روحها، ويعجل بموت الأمة أو شللها ، وإلا... كيف لدولة ان تضيق بحرية المبدع وشجاعته ...؟ استقرار منهج الدولة العراقية ونظامها السياسي، في العهدين القديم والجديد، حافظ على أدائه المميز في تغييب وهروب وتهجير أسراب المفكرين وصناع الجمال من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والسياسيين الوطنيين، كما أعطى نتائجه في مايحدث اليوم في العراق من فيضان السوء والفساد في الأدب والفن، تهافت الأفكار والمعاني ورثاثة الحال السياسي، تصحر المنتوج الإبداعي وسطحية الحياة وسذاجة شخوصها في اغلب الميادين، إنقلاب مقاييس الجمال وتعميم ثقافة النفاق والتزوير ، كما أعطى أثره المأساوي بفقدان عذرية الصدق في الحياة الإجتماعية، وتعميم أوساخ الطائفية الطافحة من بلاليع تشوهات التاريخ .لم يعد استذكار مبدع عظيم من وزن عزيز السيد جاسم أو الجواهري أو السياب أو علي الوردي أو جواد سليم ،يشغل الكثير من العراقيين، لأن هؤلاء روح العراق وعبقه الأبدي ،ولايمكن اختصارهم في حقل طائفي أو تهريج سياسي كاذب . لم تزل وحشة المساء توشح شارع السعدون منذ غيابك عن رصيفه ، كنت تغمره بالروح والأمن والجمال ...من هنا مرّ عزيز السيد جاسم ، المجد لروحك الشاهقة . السؤال الأهم الآن، هل ستعيد الحياة الشعبية الباسلة في بغداد والبصرة والنجف والناصرية، إنتاج قمم إبداعية من طرازهم، لكي نسترجع العراق ..؟
مقالات اخرى للكاتب