بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تحية بعطر القرنفل والياسمين التونسي أنثرها على أرض العراق .
من بلد صغير في الجغرافيا كبير في التاريخ ، رحب صدره ، محب قلبه ، مؤنس لضيفه، من بلد عليسة وحنبعل وعقبة بن نافع والعبادلة الإثني عشر ، من بلد الثوار والدماء الزكية التي أرادت الحياة فاستجاب لها القدر ....
إن منعتني الظروف أن اكون بينكم بجسدي فكفى بروحي ان تكون عندكم أعزة أحبة ..فلست أرى بعيني بل بقلبي سوى حبا للعراق الصامد..
جئتكم بكلماتي هذه ، أنحني إجلالا لعظمة حضارة خطت بأول قلم تاريخ أمة ، ورقي شعب عهدناه مكابرا عصيا على الماكرين والكائدين والطغاة..ليست لي سوى الكلمات أقولها وعهدي بكم رجالا ونساء تهبون فيالق كريح عاتية على كل من يريد بالعراق سوءا ونسائم بحر عليلة على كل من اتاها بغصن زيتون وحمام...
وجداني يطوي المسافات طيا في هذا الحفل البهيج ليرى عيونا تحمل الأمل لغد أفضل وتحمل باقات من الأماني تنثرها على طريقنا ليزهو العراق وتشرق شمس هذه الأمة من جديد ...
أنا تونسية قرطاجنية عربية مسلمة لي مع العراق ألف حكاية ، وإني اليوم وفي هذه اللحظات بالذات هنا لأدون الحكاية بعد الألف ، لا تقل جمالا وتشويقا ومتعة عن تلك عن تلك روتها شهرزاد في أبلطة الملوك والسلاطين لأنها بكل بساطة حكايتي معكم ، حكايتي مع أطفال العراق ...منذ الأزل ..ومنذ محرقة الدجيل والعامرية ...مع هذه البراعم الحاضرة البريئة التي طالتها يد القدر لتبتلى بسقم من رب العالمين ، هم لا يعترضون نعم ...ولكن يسالون اللطف فيه ...يسألون بسمة صادقة يرونها على محيانا لهم وحسا عميقا بمأساتهم ويدا حنونا تربت على رؤوسهم وإرادة قوية تقتلع الألم من مشاعرهم إذا اشتد الوجع بأجسامهم الصغيرة...
لست على بعد آلاف الأميال أريد إعطاء دروس لأصحاب الكراسي واصحاب المقام العالي في المواطنة والإنسانية حاشى لله أن أكون كذلك ولكنه القدر الذي وضع حبكم في طريقي والقدر الذي جعل مني ومنكم أمة واحدة ...أمة قال عنها الحبيب المصطفى " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى " هذا القدر يفرض علي أن أطلق صرختي إلى عنان السماء وأسألكم بالله أن تكفوا عن العراق الأذى بما استطعتم من قوة فإن لم تقدروا فبكلمة طيبة فإن لم تستطيعوا فبترك الصالحين والشرفاء يعملون لوجه الله فهم لا يبتغون سوى مرضاته .
أستحلفكم بالله أن تضخوا الدم في عروق عراق ضاق ضرعا بما يصل إلى مسامعنا من أنباء توجع قلوبنا وتشنج أعصابنا : وقع رفض تلك البادرة ...تم تعطيل مهرجان انساني ....أجل حفل خيري ....دون أن نجد تفسيرا مقنعا لكل هذا أو سببا منطقيا لأن تقوم بعض النفوس المريضة وعقول نخرها مرض الزهايمر تناست أن ما تفعله من خلال إطفاء شمعة امل في حياة طفل بريئ لا يقل بشاعة لما حدث لأطفال العامرية والدجيل ...وغيرهم كثيرووون.
أذنبي انا أنني طفل عراقي لا تمثل حياتي من أهمية سوى أن تكون ملفا يتزايد عليه الساسة الكرام وتتدافع شعاراتهم من حولي رياء...أذنبي أنني طفل عراقي جئت في عصر تقدس فيه السياسة وتدنس فيه الكرامة ؟
انا تونسية بعيدة عن كل الخلفيات ولا أنتمي إلى اي تيار ولا أي طيف سياسي بالعراق فهذا ليس شأني ولكنها كرامة طفل ، إنها كرامة شعب ، إنها كرامة وطن ، إنها كرامة أمة بأسرها وإن مست كرامة الأمة فأنا منها فكيف أسمح بأن تمس كرامتي.
أنا تونسية عربية لا يمكن لي أن افسر ما حدث الأسبوع الماضي سوى ان الغاية من هذه الحركات التي يندى لها الجبين هو كسر لظهر الشرفاء بالعراق واجتثاث الأمل من عيون الأبرياء وهذا والله لأشد من عند الله من سفك الدماء.
أنا لا ألوم عدوا جاءني طاغيا حقودا من الخارج بل أجلد ذاتي ألف جلدة حين تأتيني الضربة من نفسي ومن أبناء وطني ، هذا الوطن الذي نشرب فيه من الماء نفسه ، ونتنفس فيه الهواء نفسه ونعشق فيه الحياة نفسها فحيثما أمطرت خيرها يأتينا ..فرفقا بالعراق ، رفقا بدجلاه وبفراته أمازال الحبر فيهما يخفي صفاء السلسبيل ؟؟
رفقا بنخيله وزوارقه ونوارسه فحين يبكي طفل العراق فإن كل الطفولة تبكي فينا ...ويبكي فينا علاء الدين وتبكي فينا بدر البدور.. وتبكي الحياة ....فهل تبكي حياة وعراق فيها موجود؟ أتبكي حياة ورجال بالعراق عاهدوا الله على الصدق والإخلاص ..
إيه يا محمود درويش ما أصدقك حين قلت :
أتذكر السيّاب... لم نحلم بما لا يستحق
النَّحل من قُوت، ولم نحلم بأكثر من
يدين صغيرتين تصافحان غيابنا..
أتذكر السيّاب... حدّادون موتَى ينهضون
من القبور ويصنعون قيودنا!
أتذكر السيّاب... إنّ الشعر تجربة ومنفى،
توأمان ونحن لم نحلم بأكثر من حياة
كالحياة، وان نموت على طريقتنا:
عراقُ، عراقُ، ليس سوى العراق
أختكم في الله الاعلاميه التونسيه سنيا الوقاوي
مقالات اخرى للكاتب