تتصاعد شدة الخلافات سواء فيما بين الكتل السياسية (على اختلاف توجهاتها السياسية او المذهبية ) , او بين الكتلة الواحدة نفسها , و هو امراً من الممكن ان ينعكس سلباً على سرعة تشكيل الحكومة المقبلة , التي لا تشير المعطيات الاولية على انها ستختلف عن الحكومات السابقة بشئ , خصوصا ان الكتل التي كانت جزءاً منها (الحكومات السابقة) , هي نفسها التي تتصارع اليوم من اجل تقاسم المناصب و الامتيازات في الحكومة الجديدة , و بالتالي بقاء اليات العمل السياسي المتبعة منذ عام 2010 ( و هو تأريخ تشكيل اول حكومة بعد الاحتلال الامريكي) على حالها دون تغيير , و هو امراً لطالما اشرنا اليه و الى اثاره الخطيرة على مستقبل العراق المجهول , ذلك ان تغيير الاشخاص لا نفع فيه ان لم تتغير العقلية التي يحكم بها العراق منذ اكثر من عشرة اعوام , و التي ساهمت بشكلاً كبير جداً في توسيع الهوة بين مكونات الشعب العراقي , من خلال تقسيم المناصب في الدولة على اسس مذهبية و قومية , و هو امراً حدث بشكل ملفت للنظر في الانتخابات التي جرت في 30/4 , فالمناطق السنية لم تتنتخب سوى السنة , و الشيعية لم تنتخب سوى الشيعة , و الكرد لم ينتخبوا سوى الكرد , دون النظر الى منجزات او تأريخ هؤلاء المرشحين , لسبب واحد هو ان هذا المرشح ينتمي الى طائفة او قومية الناخب , و هو ما يعني تشبع الناخب بسموم الكتل السياسية , التي تتخذ من الطوائف و المسميات الاخرى ستاراً تخفي ورائه اهدافها الحقيقية , التي لا يمكن ان تكون لمصلحة العراق بأي حال من الاحوال.
و لعل ابرز هذه الصراعات هو معرفة شكل الحكومة القادمة فهل ستكون حكومة اغلبية سياسية ؟ ام حكومة شراكة وطنية ؟ و بالطبع لكلاً من اصحاب هذه المسميات حججة و اسبابه , فمن يريد حكومة الاغلبية السياسية و ابرز انصارها و دعاتها هم ائتلاف دولة القانون بحجة ان الحكومات السابقة كانت تدار من قبل الاحزاب التي اشتركت فيها و لم تنجز تلك الحكومات شيئاً يذكر على الرغم من ان هذا الائتلاف هو نفسة الذي اخرج رئيس الوزراء في الحكومتين السابقتين , و هو ما يمكن ان نسميه بالصحوة المتأخرة , بعد ثمان سنوات لم ينتج عنها شئ , و هو ما دل عليه مطلب ائتلاف دولة القانون في تشكيل حكومة الاغلبية السياسية , مع بقاء منصب رئاسة الوزراء على حاله دون تغيير و هو ما يعني بقاء ذات السياسية التي اتبعتها الحكومتين السابقتيين , دون تغيير يذكر , و مما يأخذ على مثل هكذا حكومة هو صعوبة الحصول على الاغلبية التي تجعل الحكومة القادمة تتشكل من كتلة واحدة بصرف النظر عن توجة هذه الكتلة او تسميتها , و هو ما يعني الجوء الى الكتل الاخرى لتكوين تحالفاً , أي لا وجود للاغلبية بمفهومها العام , ناهيك عن الصراعات السياسية بين مكونات التحالف الوطني نفسه , و الذي ينتمي اليه ائتلاف دولة القانون سواء قبل الانتخابات او بعدها.
اما المطلب الثاني للكتل السياسية بضمنها اركان التحالف الوطني كأئتلاف المواطن و تيار الاحرار , فهو حكومة الشراكة الوطنية دون زيادة او نقصان , بحجة ان هذا النوع من الحكومات يتلائم من الوضع الذي يمر به العراق في هذه الفترة , و لعل الانتقاد الابرز لمثل هكذا نوع من الحكومات , هو غياب المعارضة التي يفترض ان تكون في مجلس النواب لكي تراقب عمل الحكومة , خصوصاً ان جميع الكتل ستكون جزءاً من الحكومة , و هو ما لاحظاه في الحكومتين السابقتين , لكنه في الوقت نفسه اقرب الى نص المادة 76 من الدستور التي اشارت الى ان الكتلة النيابية الاكبر هي التي تشكل الحكومة شرط ان تكون هذه الكتلة قد تشكلت بعد الانتخابات حسب تفسير المحكمة الاتحادية التي حسم بها نزاع تشكيل الحكمة في عام 2010.
و هو ما يعني ان هذا الخلاف لا طائلة منه , و هو صراعاً سياسياً بصورة واضحة , بل ان سبب وجوده هو تغافل الكتل السياسية عن النص الدستوري , الذي اصبح واضحا بصورة لا بأس بها بعد تفسيره في عام 2010 , و المفترض ان يعمل به بمجرد اعلان نتائج الانتخابات دون وجود صراعات سياسية , و ان يقتصر العمل على تشكيل الكتلة النيابية الاكبر عدداً , و لكن في الوقت نفسه ان يراعى في هذه الكتلة رغبات و مطالب الشعب الذي يطمح الى تغيير حقيقي و جذري في الحكومة القادمة , و ايضاً الثقة التي اودعتها المرجعية في الكتل السياسية التي اتخذت من التغيير شعاراً لها , ابان الانتخابات و تعهدت بطي صفحة الماضي بما فيها من فساد , و ارهاب , و بطالة , و فقر , الذي سيطال الغالبية العظمى من الشعب ان بقى الحال على ما هو عليه.
مقالات اخرى للكاتب