براحة اجتاز رجل الدين الإيراني المعتدل حسن روحاني عتبة الخمسين في المئة في انتخابات الرئاسة الأخيرة ليكون الرئيس الذي يخلف الرئيس المحافظ المتشدد المنصرف أحمدي نجاد. وهذا يُعدّ فوزاً مؤزراً لروحاني، فهو لم يخسر أمام المرشحين المحافظين الذين يُحكم تيارهم سيطرته على الجمهورية الإسلامية، بل انه لم يحتج حتى إلى خوض مرحلة ثانية في الانتخابات.
هذا الفوز عكس مزاج الشعب الإيراني المنصرف عن المحافظين والميّال إلى الإصلاحيين، وهو مزاج ليس بالجديد، بل ظهر جليّاً في انتخابات 2009 التي جرى تزوير نتائجها لتمكين الرئيس المنصرف احمدي نجاد من البقاء في السلطة فترة ثانية والحؤول دون توليتها للمرشح الإصلاحي حسين مير موسوي ذي الشعبية الطاغية. وهذا بالذات ما يؤكد أن تزوير نتائج تلك الانتخابات كان حقيقة وليس ادعاءً، وانه كان للإيرانيين كل الحق بالنزول الى الشوارع في حركة احتجاجية سلمية واجهتها سلطة خامنئي – نجاد بقسوة مفرطة ووحشية سافرة.
احمدي نجاد وداعموه في قمة السلطة الإيرانية عدّوا تلك الحركة "مؤامرة من قوى الاستكبار العالمي" لمنع احمدي نجاد من إنجاز برنامجه "الواعد" برفع مستوى الطبقات الشعبية وتحقيق التنمية، لكن ولاية احمدي نجاد الثانية لم تبرر ذلك، بل هي جلبت لشعوب ايران المزيد من المصاعب والمحن.
يخرج احمدي نجاد من الحكم في غضون شهرين من الآن ويتولاه من بعده حسن روحاني فما يرث هذا عن ذاك وما يترك الأول لخليفته؟
ايران تعيش الآن عزلة إقليمية ودولية لا تناظرها إلا عزلة نظام صدام بعد غزوه الكويت. وبينما كان الإنجاز الوحيد لأحمدي نجاد في ولايته الثانية هو التقدم بثبات في البرنامج النووي، السبب الأساس في العزلة الدولية وفي العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا، فان الرئيس المنصرف يترك لخليفته اقتصاداً منهاراً.. النفط في أدنى مستويات الإنتاج والتصدير، والتضخم السنوي تتجاوز نسبته 30 في المئة بحسب البيانات الرسمية التي تشكك فيها المصادر المعتبرة، والعملة الوطنية تفقد أكثر من ثلثي قيمته في غضون سنة ونصف السنة فحسب، فيما تتفاقم مشكلات الفقر والبطالة (20 في المئة) والسكن وتلوث البيئة وتفشّي المخدرات والدعارة، علاوة على التراجع المتواصل في الحقوق والحريات العامة والخاصة.
ويخلّف احمدي نجاد لروحاني وقوف ايران على حافة الحرب بسبب برنامجها النووي والغرق في المستنقع السوري.
ما كان من المُقدّر أن تواجه ايران مصيراً كهذا لو حِيل دون التزوير المتعمد في نتائج انتخابات 2009، وجرى تمكين المرشح المعتدل الفائز مير حسين موسوي من ترؤس البلاد. بل كان مقدراً لها ان تكون الآن في حال مختلفة. وهذا بالتأكيد هو ما أدركه المرشد الأعلى علي خامنئي متأخراً ليعطي الضوء الأخضر من أجل تمرير فوز روحاني مثلما أعطى قبل أربع سنوات الضوء الأحمر لمنع فوز موسوي.
مقالات اخرى للكاتب