أعور، ينظر بعين واحدة. لكن هذه ليست هي المشكلة، فهناك الكثيرون ممن حرموا من عين واحدة لكنهم يعرفون كيف يكوّنون صورةً عن الواقع، فالامر لا يحتاج الى اكثر من حركة بسيطة للرأس تـُظهر ما خفي على العين الثانية ليرى الحقيقة كاملة، وقد قاد الأعور موشيه دايان الجيش الاسرائيلي الى نصر حاسم على كافة الجيوش العربية التي كانت يقودها من لهم اعين لا يبصرون بها. العَوَر يمكن تعويضه بحركة بسيطة اذا أراد الانسان ان يعرف الحقيقة، بل ان الاعمى يستطيع ايضا ان يعرفها، فهو يعوّض عن العينين بالسمع؛ وعن الرؤية بالعقل؛ وعن البصر بالبصيرة، ليصبح اديبا وكاتبا ومفكرا مثل طه حسين او غيره من العباقرة الذين لم يروا الدنيا منذ ان اخرجهم الله من بطون امهاتهم لا يعلمون شيئا. المشكلة ليست في العين بل في الارادة، هل يريد الانسان –اعور ام اعمى ام بصيرا - ان يعرف الحقيقة ام لا؟ الاعور الدجال لا يريد ان يعرف الحقيقة، او أنه يعرفها لكنه لا يعترف بها، وبين المعرفة والاعتراف مسافة هي المسافة بين الشرك والتوحيد؛ والكفر والايمان، والقران يقول عن الكافرين غير المستضعفين انهم لا يريدون ان يعرفوا الحقيقة فهم :" جحدوا بها واستيقنتها انفسهم". مشركو قريش كانوا يعرفون ان اصنامهم لا تسمع ولا تبصر؛ وانهم يعبدونها لتقربهم الى الله زلفى -في زعمهم- لكنهم اذا قيل لا اله الله يستكبرون، ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون؟ وهم يعلمون انه ماهو بشاعر ولا بمجنون. لهذا يريد الاسلام ان يحول المعرفة الى اعتراف وذلك بأن يعترف المسلم ويشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله؛ فاذا شهد فقد اعترف، واذا اعترف ألزمه الاعتراف موقفا. ليس الاعور الدجال ملوماً بسبب عـَوَره؛ بل بسبب دَجَله هذا الاعور يرى ثورةً في تونس وليبيا ومصر وسورية لكنه لا يرى ثورة في البحرين ولا في الحجاز ويرى في البحرين منشورات وصور تدين ايران بالتدخل ولا يرى في ليبيا وتونس ومصر برنارد لويس ولا الناتو ولا السفير الامريكي ولا اصدقاء سورية من كافة ا لدول الاستعمارية التي ذاق العالم الاسلامي -ولازال- كل انواع القهر والذل منها ومن اصدقائها وعملائها وبيادقها. الاعور الدجال يرى تدخلا ايرانيا واضحا في لبنان ولا يرى فيه اي تدخل اميركي وفرنسي وسعودي وقطري. يرى السفيرالايراني يتحرك ويصدر تعليمات الى حزب الله ولا يرى السفيرة الامريكية تتدخل في كل شان وتصدر التعليمات الى سياسيي 14 آذار. يرى هذا الاعور دكتاتورية تحكم في سورية ولا يرى دكتاتورية في جميع دول الخليج الامريكي. يرى حكما وراثيا في سورية ولا يرى حكما وراثيا في جميع دول الخليج الامريكي يرى انتخابات مزورة في محور المقاومة ولا يرى غياب الانتخابات من القاموس السياسي لدول الخليج الامريكي. يرى دستور صوريا وبرلمانا صوريا وحرية صورية ومعارضة صورية في بعض الدول، ولا يرى غياب الدستور والبرلمان والحرية والمعارضة في الخليج الامريكي. يرى ويستنكر حكومة الحزب الواحد في سورية، ولا يرى ولا يستنكر حكومة العائلة الواحدة في الخليج الامريكي يرى انتهاكا لحقوق الانسان وسجناء في دول عديدة ولا يرى ذلك في الخليج الامريكي. يرى الاعور الدجال أقليات محرومة من حقوقها – في زعمهم - تحت حكم اكثرية في ايران والعراق ولا يرى حرمان الاقليات الحقيقي من حقوقها في الخليج الامريكي وفي السعودية بالذات. ويرى الاعور الدجال هذا اقليةً تحكم اكثرية في سورية، لكن هذا الاعور لا يرى ذلك في البحرين. يرى الاعور الدجال ان الدولة الدينية لامعنى لها في القاموس السياسي الحديث حيث الدين يتراجع لصالح الدولة المدنية، ولذلك يقرف الأعور الدجال من الدولة الدينية في الاسلام، لكنه لا يصيبه القرف من دولة يهودية تضع الاعتراف بيهوديتها شرطا مسبقا لأي "مفاوضات سلام" مع اصحاب الارض الاصليين. الاعور الدجال يرى التدخل في النزاعات الاقليمية حلالاً على امريكا وعملائها؛ حراماً على ايران و"عملائها". ويرى الاعور الدجال دخول مقاتلين من قوات درع الجزيرة الى البحرين لقمع ثورة شعب اعزل حلالاً لكن دخول قوات حزب الله لتخليص المدنيين السوريين وا للبنانيين من الذباحين وأكلة لحوم البشر حراما في شريعة الناتو ومليشياته. الاعور الدجال يرى ان التعاون مع اميركا في العراق عمالة تـُسقط فاعلها دينياً ووطنياً واخلاقياً؛ لكنها ترى الاستعانة باميركا واوربا في سورية موقفاً وطنياً مشرّفا. كيف نعرف الاعور الدجال؟ لكي نعرف من هو الاعور الدجال يكفي ان نسأل كل من يدفع عن نفسه هذه التهمة: هل سبق لك ان ادنت الدكتاتوريات الخليجية في الصحافة او على الفضائيات؟ و هل سبق لك ان أدنت الحكم العائلي للدول الخليجية في الصحافة او على الفضائيات؟ و هل سبق لك ان ادنت الحكم الوراثي في الدول الخليجية في الصحافة او على الفضائيات؟ وهل سبق لك ان ادنت الطائفية الخليجية في الصحافة او على الفضائيات؟ وهل....وهل...وهل.....؟ واذا لم تكن فعلت سابقا فهل انت مستعد لفعل ذلك ؟ اما من هو هذا الاعور الدجال؟ فهو كل صحافي مشتـرى؛ ومثقف مشترى؛ ومعارضة مشتراة؛ وعمائم مشتراة؛ وفضائيات مشتراة (اضافة الى فضائيات البترودولار)...فالمال يشتري كل رخيص، والاعور الدجال رخيص، ولكل اعور سعر. ما دام البترودولار متدفقا على كل رخيص فلن يبقى شخصٌ غيرَ قابل للشراء الا من عزّت عليه نفسه فهانت عليه شهواته. ايها الرخيصون اعيدوا الثمن وتعالوا الى ادانة الدكتاتوريات، والى رفض الحكم العائلي، والى الدعوة الى انتخابات حرة وبرلمانات وتداول سلمي للسلطة ومؤسسات دستورية، والى حرية صحافة وحرية راي، والى رفض حكم الاقلية، والى رفض التدخل الاجنبي في شؤون دول المنطقة، والى رفض التمييز بين الناس على اساس المذهب والطائفة...تعالوا الى الادانة العلنية ورفض كل هذه الحالات في الخليج الامريكي وخارجه تعالوا الى كلمة سواء ومقياس سواء نقيس به كل انظمة المنطقة وافسخوا عقد البيع الذي بعتم به انفسكم، فوالله انه ثمن بخس لا يساوي شيئا في حساب الضمير والتاريخ والله والاخرة صدقوني سوف لن تموتوا جوعا، فو الذي نفسي بيده لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، اما اذا بقيتم مشترين لأميي الخليج الامريكي الذين تستنكفون ان يكونوا تلاميذكم لولا النفط والغاز، فسوف ياتي اليوم الذي تتخلى فيه عنكم اميركا كما تخلت عن كبار عملائها عندما انتهى دورهم فلاذوا بالفرار او وقعوا بايدي الثوار. وستذكرون ما أقول لكم.
مقالات اخرى للكاتب