لم يقتصر الصراع على الصراع بين الحضارات بل شمل الاديان ، ولم يتوقف عند هذا الحد فوصل الصراع بين المذاهب ايضاً، ان الغاية من هذه الصراعات فرض الهيمنة والنفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري، والدافع غالباً هو عقدي وديني، وان كان بمظهر آخر قد لا يمت الى الدين بصلة. ولا يتصور احد ان من يمتلك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية يبقى يتفرج كيف تتبلور الاحداث، انما يحاول جاهداً ان يسهم في بلورتها وصناعتها، نعم هناك احداث ومواقف تأتي خلاف ما يريده صاحب القوة، الا انه يحاول ان يستفيد منها بالشكل الذي يلائم طموحه ومصالحه. ومن المؤكد ان اساليب الهيمنة والسيطرة باتت مختلفة عن السابق، فالاقتصاد والسياسة والدين هي المقدمة على الاسلوب العسكري، فاذا لم ينفع اسلوب الاقتصاد للهيمنة جاء اسلوب السياسة واذا لم ينفع هو الآخر جاء اسلوب الدين، واخر الاساليب هو الاسلوب العسكري. على هذا التأسيس ليس عيباً ان نؤمن بوجود المؤامرة، فالمؤامرات تتم حياكتها لأبسط القضايا وأدنى المناصب ما دام فيه شيء من النفوذ والسطوة. اكد سماحة المرجع اليعقوبي وجود مخططات تعدها قوى الظلام للمنطقة العربية بشكل عام وللعراق بشكل خاص، وما فتئ يحذر الامة من المخططات التي اعدت للمسلمين ويلفت انظارهم لقضايا لم ينتبه لها المسلمون. وهو فعلاً مصداق حصن الامة لأنه يحميها من الشرور الخارجية والعواصف العاتية التي لا تبقي ولا تذر. واذكر على سبيل المثال لا الحصر ان سماحة الشيخ اليعقوبي حذر الامة وحرم عليها بيع السلاح خصوصا في وسط وجنوب العراق في الوقت الذي كانت جهات مجهولة تقوم بشراء الاسلحة من المناطق الشيعية تحديداً وبأسعار باهضة، وهدفها افراغ المنطقة من السلاح تحسباً للأحداث المستقبلية التي ستكون هذه المناطق بأمس الحاجة للسلاح. وما ان مرت عدة اشهر حتى شعر الجميع بالخطر الذي حذر منه الشيخ اليعقوبي. وبعد ان تغلغل تنظيم داعش الارهابي في غرب العراق وتشكلت الحكومة، صرحت الحكومة الامريكية ان الحرب على داعش ستستمر طويلاً، وجه سماحة الشيخ اليعقوبي خطابا للامة بعنوان (بالمعارف القرآنية نواجه المخططات الشيطانية)، أكد فيه على وجود المخططات التي تُعد للعراق. فما هي المخططات الشيطانية التي يعنيها الشيخ؟ بالتأكيد كلٌ يأخذ منه بحسبه ويمكن فهم الخطاب بأكثر من مستوى، الا اننا نريد تسليط الضوء على بعض منها علّها تنفع البعض، هناك سلسلة احداث تجري على ارض الواقع، قد يتصور البعض أن لا إرتباط بينها، او انها قضية سياسية بحتة، لكن سياسة الولايات المتحدة لا تستثني اسلوباً اذا كان يحقق لها الغرض المطلوب. وليس من باب الضعف السياسي نسوق هذا الكلام انما هناك مؤشرات كثيرة كلها تشير الى ان امريكا تلعب بورقة الدين والعقائد اذا كانت تحقق الهدف. من الاحداث المهمة والرئيسة سيطرة تنظيم داعش على جزء من سوريا وتقريبا غرب العراق، والمجازر التي ارتكبوها تشير الى الحقد المزروع على اساس بغض اهل البيت (عليهم السلام ) وهم ائمة الشيعة الامامية، وقد قوت شوكة هذا التنظيم بعد ان نفخته امريكا بشكل كبير، مما جعل تنظيمات ارهابية اخرى تعلن ولاؤها له في مختلف الدول. والحدث الاخر هو سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء بشكل غريب، بعد ان كانت دول الخليج تتدخل سابقا اذا شعرت منه خطراً ما. والحدث الاخر هو وجود تنظيم او حركة تدعى الخراساني. ان هذه الاحداث مجتمعة وفي وقت واحد تعني شيئاً بالنسبة للشيعة، واجتماع اهل السنة او النواصب تحديداً على بعض الاراضي السورية يعني بالنسبة لهم شيء مهم على وفق روايات نقلت في كتبهم، مفادها بشكل مختصر ان المؤمنين سيجتمعون على هذه البقعة وان الله سينصرهم على الجميع. والنتيجة ما على الولايات المتحدة الا ان تسهّل سيطرة هاتين الجهتين، هذا لا يعني اننا نتعامل مع الحوثيين بنفس طريقة التعامل مع داعش، فلسنا الان في صدد تقييم الحوثيين، وانما نريد التركيز على تعامل القوى المهيمنة مع الاحداث الجارية وكيف تسهم بتوجيهها بالاتجاه الذي ينفعهم في اضعاف القوة الشيعية بصرف الانظار عن الحقيقة الى اشياء وهمية. قال الشهيد الصدر الثاني في خطبة الجمعة التاسعة والعشرون : (يوجد من الاخبار ما يكفي من ان امريكا قد اسست منذ عدة سنوات، ربما عشرة سنين، ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام) وليس لشيء آخر. كما انها افتعلت حرب الخليج لأجل ان تملء بالبوارج الحربية، تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام)). وقال: (كما ان من الاكيد ان له في البنتاغون ملفا كاملا وضخما عن اخباره التي تستطيع امريكا جمعها، حتى قالوا انه يفتقر فقط الى الصورة الشخصية له، وطبعا هي مفقودة). لم يتحدث السيد بهذا الكلام اعتباطا انما اصاب بكلامه كبد الحقيقة، واراد ان يلفت النظر الى نمط جديد من التفكير. ويتأكد هذا الكلام من خلال اسلوب تشخيص الامريكان للشخصيات الدينية المؤثرة التي قد يجهلهم المسلمون انفسهم بل والشيعة خصوصا، فلاحظ معي هذه المعلومة التي سيستغرب الكثير عند سماعها، نقل احد السياسيين قول السفارة الامريكية له حيث قال السفير: (اننا نتابع وبدقة ما يصدر عن الشيخ اليعقوبي من خطابات وبيانات ونحللها ونستفيد منها) والمراقب يجد ان الخطابات خصوصا في الازمة العراقية الاخيرة كيف ان الادارة الامريكية تتبنى حلول الشيخ اليعقوبي دون ان تنسب الحلول له بطبيعة الحال، فالبرنامج العام لحكومة العبادي هو قائم على خطاب الشيخ اليعقوبي بعنوان (لا بديل عن الحوار والقبول بالتنازلات العادلة). فالإدارة الامريكية ليست بعيدة عن عقائد المسلمين فهم يحللون ويدرسون اي العقائد اكثر تأثيرا في حياة الناس ويولونها اهتماماً خاصاً. فالقضية المهدوية من اهم عقائد الشيعة الامامية، وهي على تماس مباشر مع الواقع المعاش. ومن جهة اخرى باتت الادارة الامريكية على دراية كاملة بالقيادة المؤثرة على مخططاتهم وفي المجتمع الدولي واعني به المرجع اليعقوبي، وهو في النجف الاشرف عاصمة الشيعة ودولة المهدي الموعود التي تجذب انظار العالم اجمع. فلا توجد قضية تصرف النظر عن هذه القيادة غير الفات نظر المسلمين والشيعة خصوصا الى مشهد يشابه الى حد ما ماسيكون عليه سيناريو ظهور الإمام المهدي . فتنظيم داعش يجسد السفياني والحوثيين يمثلون اليماني بالإضافة الى وجود الخراساني. لم يبق امامهم الا المهدي نفسه، وسينتظرونه يعلن عن نفسه في السعودية.. ولا يستبعد ان احدا سيدعيها كما فعل اخرون قبله. ولعل قوى الشر ستقوم بقتله لإضعاف عقيدة الناس بالمهدي، وقد يصل بعض الناس الى مصداق الروايات التي تشير الى مرحلة اليأس من وجوده فضلا عن ظهوره، ومفاد هذه الروايات: مات او هلك، اي واد سلك. وتحقق عندهم اكثر من فائدة: اولا : تشكيك المؤمنين بقضيتهم الرئيسة. ثانيا: ابعاد الناس عن قيادتهم الحقيقية، وتشتيت اذهانهم عن الحقائق. لذا فحري بالمؤمنين ان يعملوا بتوجيهات المرجع اليعقوبي لعدم الانجرار وراء مخططات شيطانية تهدف لإضعاف الخط الرسالي ثم القضاء عليه، واهمها : الاهتمام بالشرائط التي تكون علة لظهور الإمام المهدي، وعدم الجري خلف علامات لا يعلم مدى انطباقها للواقع. فالمجتمع المسلم الان معبئ تجاه تعقب العلامات وتشخيصها دون الالتفات الى ما يجب العمل عليه وهو التكليف الواجب العمل به.
مقالات اخرى للكاتب