مرحلة سوداء , امتداد لمرحلة بعثية اكثر سواداً , يلعب على حبالها المتدربون حديثاً من بهلوانيي العملية السياسية , محكومين بشروط مهماتهم , لهذا يفضلون ان يبقى المتفرج مكبوساً داخل قاعات العرض المشترك , تقدم له عبر فضائيات ووسائل اعلام اخرى ما هو جاهز او مكتشف من احدث ما تنتجه مخيلة السماحات والفخامات والسعادات من مستحضرات التخدير الشامل , حتى لا يستيقظ الجمهور العراقي ليجد نفسه وحده الملعوب فيه وعليه , ويدرك ابعاد اللعبة واللاعبين وهم ذاتهم لملوم حكومة الشراكة , الذين اجتمعوا حول طاولات الوقيعة المستديره والمستطيلة ووقعوا على مواثيق شرف خيانات بعضهم , وهم ذاتهم اللذين شاخت سمعتهم من داخل حكومات التصالح والتوافق والتحاصص , ثم يغادر بهلوانيات العرض , مما يضطر اصحاب السيرك ومموليه الى تغيير الوجوه والغاء الأدوار ثم تعويضها بما هو تحت الطلب في مشاجب السفالة .
اللعب على حبال المرحلة وتبادل الأدوار وخلط الأوراق , اكتسبت قدر كبير من السرية والغموض ومهنية الأغراء , جعلت الجمهور مجذوباً بمغناطيسية الرعب والخوف على نفسه والأنشطار عن ذاته مشحوناً برغبة التنكيل بالشقيق الآخر , وبحبر دمائه مرسوم له حدود جغرافية الأحقاد والكراهية وشهوات الألغاء والأجتثاث , هذا الموعد البائس مع القدر يتم من خارج حدود الأنتماء الوطني وبالضد من هوية المشتركات , هنا تكون الأنشطارات فاجعة والأنقسامات اكثر فضاعة , واصبح استذكار هوية المواطنة وعراقية الأنتماء , خطوط حمراء مكهربة بالمشرعنات وفرية الهذيان من خارج مربط القطيع المدجن .
زمر اللاعبين على الحبال , تميزهم روائح التبعية ومفردات التخلف وادلجات عابرة التاريخ وتراكمات احقاد وكراهية منغلقة , افرغت ضمائرهم من جينات التراث الوطني وتقاليد العلاقات الأجتماعية الحميدة والقيم الأنسانية لثقافة المحبة والتآخي ورغبة التعايش السلمي .
العراق ومثلما هو غني بثرواته وحضاراته وعراقة تاريخه , غني ايضاً بزمر الفساد والمغامرات الدموية , هناك دائماً جيوش ومليشيات وتيارات نصف نائمة , هناك القاعدة وداعش وشبكات استخباراتية لدول مجاورة , هناك احزاب اسلامية تقاتل العقل وتطارد الوعي بأقدم واحدث مستحضرات الأستخراف الشامل , رموز ومؤسسات فساد تبتلع الدولة وتذل المجتمع , تستطيع ان تسقط حكومة او تشعل فتنة , الآن وحتى المواجهات بين فصائل الأرهاب والقوات المسلحة العراقية , ورغم دعمنا المطلق للحق العراقي الذي يمثله الجيش وابناء الأنبار في الموجهات الراهنة , تبقى المخاوف مشروعة , مصحوبة بالدعاء لتجنب العراقيين شرور الأحتمالات غير السارة , عندما يكشف الواقع عاجلاً , على ان الأمر لا يتعدى كونه فصول اضافية لسيرك ( وطني !!! ) يلعب على حبال المرحلة , تم توقيت ادواره قبل الأنتخابات بأشهر قليلة , لتكون سبباً مقنعاً لضرورة استمرار اطراف حكومة الفساد الراهنة تمارس بهلوانياتها لأربعة سنوات قادمة , فرصة اضافية لأكمال مشروع اقلمة العراق ثم تقسيمه جغرافيات سهلة الأبتلاع اقليمياً ودولياً, هذا اذا سمحت امريكا في ان يتجاوز مشروع التقسيم القائم على الأرض فعلاً حدود الأعلان عنه رسمياً , حيث يناسبها ان يبقى العراق معلقاً بحبل مهالكه .
امريكا , التي سمح مشروعها بأقامة حدود المواجهات المؤجلة حول المتنازع عليها بين المكونات العراقية , نقاط احتكاك معلقة لا يمكن تجاوز خطوطها الحمراء , وضبط ايقاع المفتعل من الصراعات حتى لا تخرج عن اطار الفوضى الخلاقة التي اعتمدتها وصنعت رموزها الطائفية والقومية منذ 2003 .
افتتاح السيرك يسبق دائماً مشاريع حان قطافها , بتوقيت غريب وادوار اغرب يمثل اللاعبون ادوارهم بأنفعالية ومفاجئات مباغتة , من كتب السيناريو ومن جمع ودرب كل تلك المجاميع المتحركة ؟؟؟, القاعدة وداعش والبعث الصدامي , ترتدي كل الوان الطائفية , اعتصامات سلمية المفخخات ذات مطاليب مشروعة الراجمات والمضادات , مجالس عسكرية لتصدير الموت العراقي , يقابلها استنفار استفزازي لا يقل طائفية عن الشقيق الآخر لوجه العملة , حكومة شراكة تتراشق بأتهامات التسقيط ثم تتوافق وتتحاصص من داخل المنطقة الخضراء, ومن خارجها يتواصل نزيف ومعاناة الأبرياء .
الأغرب والأكثر فاجعية , وعلى ذات حبال الوجع العراقي , فرق عريقة باللعب على الحبال , تعيد الآن تمثيل ادوارها التاريخية بكل زخم بداوة وجاهلية وتخلف بهلوانيات الأرتزاق والغدر الجهادي, ادوار مؤجلة الكوارث , مرة بأسم الصحوات واخرى مجالس الأسناد, ومؤتمرات برعاية ودعم جنرالات الأيمان, وبأسم عشائر الدولة او دولة العشائر, يتم اجتثاث آخـر مظاهر الحياة المدنية للمجتمع العراقي , انه الكارثة تعلن عن نفسها عبر التحالف المصيري بين النظام العشائري والأنغلاق الأيديولوجي للمؤسسة الدينية .
اللعب على حبال المرحلة, اتسعت رقعته , مخدرات لمسخ الشخصية العراقية جعلت المواطن متعطشاً لرؤية حالته المثيرة للضحك والسخرية , ليأخذ قسطه الطائفي كضحية ادمنت الأيمان بالعلاقة الروحية والمادية بين رقبة وعيه وسكين شعودة الأستئصال .
مقالات اخرى للكاتب