Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
الأربعاء, شباط 18, 2015
ابراهيم الوراق

فالمجتمعات التي تنشر فيها الإشاعة معرة الفضيحة الفاتكة بالعرض، والرزق، لا يمكن للحقيقة أن تكون فيها واضحة، ولامعة. لأنها فقدت موازين العقل الإنساني السوي، ونزلت عن إنسانيتها لأنانيتها المفرطة. فتأمل معي صديقا محترما في تركيبته الذهنية القابلة للفحص، والفتش، هاتفني قبل قليل، وهو يسألني سؤالا محرجا، ومؤلما. قال لي: هناك زوج وزوجة يعيشان في فرنسا بلد الأنوار كما قالوا، ويريدان أن يوقعا الطلاق المدني في إحدى المحاكم الفرنسية، ولكنهما في الواقع سيبقيان متزوجين بعقد شرعي أنجزاه هنا في وطنهما الأصلي. قلت له: وما العلة في إجراء هذا الطلاق المقصود بنصه، لا بغايته.؟ قال: لأنهما إذا تطلقا مدنيا، فإن الزوج سيستفيد من منحة تمنحها الدولة للمطلقين. أجل، إن الزواج والطلاق اختيار فيما بينهما أصالة، ورهين بإرادتهما تبعا. فإذا كان الجمع بينهما لا يتم إلا باختيارهما الطوعي، فلا يمكن التفريق بينهما بمقتضى خارج عن إرادة الزواج الذي استوجبا به حقوقا، وواجبات، إلا إذا تعذر وجود ما بينهما من شروط تضمنها العقد بإحدى الدلالات المعروفة. وهناك يكون الفصل للقضاء أولا، وأخيرا، لأن القضاء ما وضع إلا لتعريف الحقوق، وتحقيق الواجبات. وهنا يتجسد القضاء في حس المواطنة، إذ لا مواطنة بدون الشعور بقيام العدالة، ولا عدالة بدون مواطن نوعي، لا يريد من وراء منصبه إلا حماية الإنسان، لا دماره، وخرابه. فما بين الزوجين من حقوق، وواجبات، هو مهمة القاضي الماهر في قضائه، وإليه يعود الفصل فيهما عند حدوث النزاع. ومن ثم، فإن ما يتأثر به كثير من المتدينين الذين يعتبرون قوانين الغرب المنظمة لحياتهم تحاكما إلى الطاغوت، هو السبب في وجود فتاوى متشددة، ومتعددة، ترى الالتزام بتلك القوانين خضوعا لشرع أرضي، لا لمراد النص السماوي. ولا غرابة إذا نشأ في الغرب فئام، وأجيال، يتألمون بعقدة الانفصام في ذواتهم المتهدمة، بل يرون خيانة تلك القوانين بما تمليه الحيل الفقهية تدينا سليما. وأي تدين لهؤلاء، وقد رضوا بخبز الغرب، ولم يقبلوا بقوانيه.؟ لو تخلى هؤلاء عن أوربا الدسمة بحضارتها المادية، وبقوانينها المترعة بنزيف الشعوب المظلومة، وتابوا إلى بلدانهم الأصلية، لكانوا بين أمرين: إما الندم على ما ضاع من حرية الغرب، وهي مقيدة الحد في كياننا العربي، والإسلامي. وإما أن يزعموا أن ما تآلفوا معه من نظم تجسدها تلك السلوكيات الحزينة، هو حقيقة المراد الذي ابتغته السماء من أتباع الدين. فلو ندموا على ما فرط منهم من بسمة الحضارة الغربية، وهي بسمة تخفي غول الصناعة الأثيمة في أعماقها، فإن ما سيؤول إليهم مصيرهم المشئوم، هو ما انتحاه هؤلاء الذين صعقت عقولهم بحفيف أشجار الحضارة الأوربية من آراء مغالية في الرفض، والنبذ، وأحيانا الكره، والحقد. وهذا الرفض لما تبدى لهم في أوطانهم من تخلف مهين، قد كان سببا لتلك القفزات التي نزا بها بعض أولئك على سطح العادات، والتقاليد، فخالوها علة في تراجع الأمة العربية عن ركب الحضارة بمسافات مديدة. وإن استحسنوا بطء حركة التنمية في أوطانهم المنكوبة بالحروب القاتلة، واكتفوا بذكريات المولد، والنشأة، فإنهم سيتعايشون مع حقيقة المجتمع برغبة في التغيير، والإصلاح. فإما أن يستحيلوا دواعش، لا يرون التغيير إلا في خراب بنيات المجتمع، كما رأى الغرب الصناعي تحرر هذا المجتمع العربي في خيانته لتاريخه، وعاداته، فقلع ما يجمع بين الناس من مثل عليا، لكي يعيشوا بلا هوية، وبلا وطن. بل العولمة في أسمى تجلياتها، ما هي إلا تدمير للخصوصية، وتثبيت لقيم حضارة لا تؤمن بالأرض. لا، بل تؤسس لإنسان حديدي، لا يرى حياته إلا في مقتنيات حضارة الغرب، بل لا يرى في واقعه إلا فوارق طبقية تتسع يوما بعد يوم، لكي يكون غول الاقتصاد حاكما على تدبير مسير السياسات العامة. وتلك سبتنا مع العولمة، وهي نتاج فلسفي للحداثة، وهي التي جعلتنا نستهلك صناعة الغرب، ومن خلفها فلسفته المادية. وهي فلسفة وأد للإنسان، والتاريخ، والحضارة. لأن ما ظهر لنا من بريق يخلب أعيننا، ما هو إلا نزيف المستعلي علينا بتقنياته، وصناعته. بل هذه الحضارة لا تحمل المعنى الحقيقي للإنسان، ولا تبشر بمستقبل رغيد في الكون. وإما أن يكونوا في طرف محايد، يقبلون بواقعهم على ما فيه من علات دفينة، وإما أن يلجوا دهاليز السياسة، وهم قلة في مجتمعاتنا العربية، لأن الذين حصل لهم شرف العودة إلى أوطانهم، لم يحملوا معهم ما في الغرب من معرفة. بل حملوا في حقائب الفراغ معاول الهدم، والنسف. فلا نستغرب منهم إذا نسفوا كل المطلقات التي تجمع بيننا بعاداتها، وتقاليدها. بل نرى استعمالهم لمناهج الغرب في تأكيد الحقيقة، وترسيخ المعرفة، لم تعْد تلك الأنظمة الذهنية التي تفحص الأشياء تحت مصطلحات غامضة، ولكنها غير قادرة على اكتشاف المخزون فينا من معنى. فنحن نوع من الأنواع، وطرق تركيب مواقف عقولنا تختلف عن النوع الغربي. فبيننا تفاوت، وإن قلنا استجداء بأنه تقارب. أجل، هو تقارب حين تكون الإنسانية في أبين معانيها سائدة هنا، وهناك. ومن ثم تكون الإنسانية سببا لتحقيق الكونية. والكونية لا تنفي الخصوصيات، ولكنها تؤسس لخطاب المشترك البشري.
قد قلنا بأن مهمة القاضي هو تحرير الحقوق والواجبات من جشع الإنسان، وترسيخ نظم الحياة البشرية السليمة، والآمنة. ولذا فإن القاضي في الغرب سيحكم بطلاق الزوجين، وهو لا يعتبر تلك النيات الدفينة في القضية، لأن ما بين الزوجين من عهد، ووعد، مآله إلى ضميرهما الأخلاقي، والتزامهما الديني، لا إلى ما عرض عليه من نازلة يحكم فيها بظاهر ما هو مرئي منها. وذلك الضمير، والأخلاق، هي أجهزة المراقبة في الذات. وإذا شلت دورتها في اعتبار الإنسان، فلا نفع لنصوص السماء، ولا لقوانين الأرض. وذلك ما فقدناه في التربية الدينية، فهي لا تصنع جهاز المراقبة المتأسس على الاقتناع، والاقتناع نتيجة الإقناع، ولا إقناع يحصل في العقل، بدون حوار إنساني يبحث عن النفع المجرد. والاقتناع بالمبدأ، هو الذي يؤدي إلى الحذر، لا إلى الخوف. لأن بناء الخوف في الإنسان، هو الداء الفتاك بحياته. وقد يزول سبب الخوف، ولا يزول الشيء المخوف منه. ولذا، يكون تعليمنا، وتربيتنا، لا يجسدان إلا فلسفة فاشية، تخلق الفراغ في الإنسان باسم الامتلاء. ومن هنا، أستغرب، فأقول: كيف استطاع العقل أن يحدث هذا التحايل الأثيم. فهل الدين يقبل بالتحايل.؟ أجل، قد يقبل به إذا صار الإله خادما، لا مخدوما. كلا، إذا نظرنا إلى الإله، وهو يستجيب لرغبات ضعفنا، ونحن قادرون على إزالة مكامن العجز فينا، فإننا سنرضى بأن يكون التحايل حيلة في الأديان. ذلك ما صنعته الحروب الصليبية، فهم قد رفعوا الصليب، ولم يصافحوا رحمة المسيح عليه السلام. وهكذا ينسى المسلمون اليوم رحمة النبي محمد عليه الصلاة، والسلام، لكي تكون الغلظة خلقا يؤصل لأمراض الذات المنهزمة، والخائرة، والهزيلة. فالداعشيون يتحايلون على الغرب بمقتضى الدين. بل يساومون حتى أبناء جلدتهم من المسلمين. وهل الرهائن تفدى من بين أيديهم إلا بالمال العظيم أثره في الأعين الجائعة. إذن، إذا قبل فقه الداعشي أن يستعيض بالفدية عن الحياة الآدمية. فلا محالة، سيقبل بأن يطلق زوجته مدنيا، ولو تبثت عصمتها شرعا. لكون القانون قانونا وضعيا. وذلك مسوغه، ما دام سيحظى مََن تخلفَ عن خلق دينه بسكن مريح في أوربا الناعمة في يد من لمس رطوبة الصناعة، ولم يتعرف على ما وراءها من فلسفة خشنة المقاصد. فالداعشيون، ولو كفروا المجتمعات المنحازة إلى الدولة المدنية، أو الدولة الإلهية، لم يتخلوا عن مرض الاغترار ببريق الحضارة. بل ما زال يغريهم، ويهزمهم. فما يقومون به من مساوئ الأخلاق المفعمة بالتوحش، والتغول، هو فكر انتهازي، يبتزون به الغرب في الظاهر، (وربما لم يصنعهم إلا الغرب. سواء كان ذلك مقصودا، أو غير مقصود. لأن صراع الحضارات، لم ينتج في الإنسان إلا كرها، وحقدا. وسواء في ذلك الغرب، والعرب.) ويخيفون به المسلمين. وهنا يمكن لي أن أستنتج أمرا آخر: كيف يمكن لنا أن نتحايل بنقض ميثاق غليظ، وهو ميثاق الزوجية، من أجل أن ننال شيئا ليس لنا بقوة العمل، بل بقوة القانون الذي وضعه الغربي، وألزم به نفسه، فأنت حين تأخذ ذلك المبلغ، قد نقضت عقدك تحايلا، وأما هو، فما ألزم به نفسه من قانون، قد وفى به. فكيف ستكون صورة هذا المسلم في عقل الغربي الذي احترم القانون الوضعي، ولم تحترم أنت قانون السماء الذي تقاتل الناس من أجله.؟ أمور غريبة تحدث. فنحن نكذب، ونريد من الله أن يزكي كذبنا، ثم نعول بأننا أنصار الله. أي خرف هذا.؟ قلت لصديقي: إذا كنا نعتبر جد الطلاق وهزله سواء.؟ فما وقع هذه الكلمة التي قضى بها القانون بأنها حاصلة، ولو لم تحصل في ذهن المحتال الذي زعم أنه يريد نظام الله في الكون.؟ فالأسئلة كثيرا ما تكون ألغاما، لكن نعيدها أسئلة كبرى إذا أدركنا ما في عمقها من معنى. قلت لصديقي: وهب أن القانون أقر بذلك، والشرع لم يقر بذلك. فأي تناقض سيعيشه هذا العقل.؟ هما زانيان إذا اجتمعا في بيت الزوجية في أوربا، ومتمعان بشرع الله إذا عادا إلى أرض الوطن. قلت لصديقي: إذا غفل عنا القانون لجموده، فعين القاضي لا تغفل، فلو ضبطا لعين الرقيب، فإن تهمة إدانتهما هي الفساد. فكيف يمكن أن يكون الشيء هو نقيضه في العقل.؟ ثم ألا يمكن للغربيين أن يكتشفوا بأن المسلمين يتحايلون عليهم من أجل نيل نبل الحضارة العربية.؟ إذن نحن ما زلنا نرسخ في عين الغرب بأننا تافهون. إذن الغرب سيستعدي علينا. إذن النتيجة، هوان المسلمين، وهوان الإسلام، وبعدها هوان كل ما إسلامي، بل هذه هي الحقيقة منذ أحداث 11 سيبتمر. 
مشكلتنا نحن المسلمين، أننا تمتزج في عقولنا نظرية الفرد، ونظرية الجماعة، وتكاد من اختلاطها تحدث عندنا خللا معرفيا، وفكريا، وثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا. فالفقهاء يرون جماعية النظام الإسلامي القائم على رغبة الجماعة المحددة بنظام يكون الخليفة فيه رأسا في التشريع، والتنفيذ، ولكننا في قصصنا الدينية نحكي عن الخلاص الفردي، ونروي كثيرا من النصوص التي تجعل الإنسان الفرد مركزا في كل القرارات الذاتية، والجماعية. فلا غرابة إذا لم نستطع أن نحدد ما هو فردي، وما هو جماعي. مزيج، وخليط. ومن هنا نشأت الأنانية في مقابل الفردية. فالفردية سمو، والأنانية مرض. والأنانية هي التي جعلتنا نسوغ مصالحنا الشخصية بالشرع، ولو كان فيها ضرر كبير على الجماعة. فالفصل بين الفردي، والجماعي، هو أمر عسر، لأننا ولو حاولنا أن ننفي عن الدولة الدينية صفة القداسة، ثم نعتبرها دولة إلهية في النص التأسيسي، وبشرية في الاجتهاد المفضي إلى تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، فإننا نصطدم بصخرة عظيمة، ولو ابتغينا تجاوز مدارها، فإن ذلك مما لا يمكن إيجاده إلا بالمفاصلة بين الديني، والسياسي. وذلك غير مستساغ في العقلية الدينية، لأن الحكم في الأساس يعود إلى النص، لا إلى الإنسان الذي يختار من الترتيبات والنظم والخطط ما فيه قوام حياته. ومن هنا، فإن صياغة الفردي في مقابل الجماعي، هو عمل متعب للعقل المتحرر، والمتنور. فالحدود التي رسمت الحقائق، كانت تستبطن الظروف السياسية التي مرت بها الدولة الدينية. ولا غرابة إذا كان النص مطلوبا لا طالبا، وكان الاجتهاد طالبا لا مطلوبا. ثم تراكمت التجربة المختلة في بنيتها المعرفية، فأنتجت مناخا فاسدا يقبل التناقض. 
لو سوغت لهذا الرجل أن يتحايل على القانون الفرنسي، فإنه سيستفيد من كيس الغرب البض النعيم، وبإمكاني أن أجيز ذلك بذريعة من الذرائع المسوغة للحكم ونقيضه في محل واحد، لكن ذلك سيتم، لو بقيت حبيس تلك النظرة التي تنظر إلى الآخر بنظر أسود الدسيعة. لكن شيئا من هوس مدينتي نال عقلي، وأنا أخطر بذيلي في قاعها الأسفل. ولو قدر لي أن جئتها بأوساخي في زيارات كنت فيها فاتنا، لا مفتونا. فلم لا تعلمنا المدن نظام الأفكار الجميلة.؟ في عمق المدن أناس حملوا إليها نزيف البداوة. فلو لطفت بين أعينهم بما تهبه لهم من اخضرار الحياة، فإنهم لن يتجاوزا ما ورثوه من جفاء العقول اليابسة. فهؤلاء، كنت أراهم في صغري، وأحسبهم حين يركبون سيارات باهرة، هم أهل للكمال الذي فقدته بين مداشر ساقت إليها الأقدار أسرة كانت تقتات فتات الموائد بحرفة رعاية الدين. فما أشد مرارة ذلك الخبز في نياط ذاتي. كلا، هو خبز نأكله بقسوة، وحين كبرنا، -وما زلنا نأكله سموما، وحرورا،- لم تظهر لي تلك العقول التي بهرتني في صغري إلا حقيرة. أجل، هي حقيرة، لأنها عاشت في المدن بلا مدنية. وهؤلاء، ولو هجروا المداشر التي كنا نحرسها بأوهامنا، فإنهم لم يعودوا إليها إلا بأمراض أفقدتنا ذلك البله الذي كان جاثما على أذهاننا، وأمزجتنا. فوا حسرتاه، لو عادوا بشيء يرفع الهامة، والهمة، لكنا أقرب إلى درك معنى الهجرة، ومعنى العودة. لقد ظهر لي ما بين الفراق والوصال ضئيلا في عيني، وغدا ذلك الطويل قصيرا، ثم أيقنا بأن ما فقدناه من لغات الشعوب، والأقوام، ما هو إلا ألم تزفر به لغتنا الموءودة. فسواء كنت عربيا، أو أمازيغيا، فلا رجاء لي في سفر تدفعني مغامرته إلى أن أسيء إلى يقين ذاتي. فلا غباء في عقل حضارة الغرب، ونحن نعترف بجزء كبير من مدنيته، لكن قمم الغباء، قد حازها ذلك الذي استفاد من كيس الغرب، وأقام شعائره التعبدية على أرضه، ثم غدر ضميره، وخان يقينه، فطلق زوجه من أجل أن يصل إلى سعادة متوهمة. أجل، هي متوهمة، ما دام الإنسان قد حفر لكرامته خندق المذلة، وقبر المهانة. فالتحايل ظلم، وخبث في النفس، وهو مرض في عقلية المستعبد. وكل مستعبد لا يرفض القيد خبيث. وهل رأيتم من أدمن خمرة العبودية، سيكون صحوا من الهوان.؟ لو أجلسناه على كرسي الذهب، وألبسناه ريش الحرير، فهل سينسى عضة الجوع التي قرصت كبده اليابسة في لحظة كان خاليا من الهوى.؟ لن يتجاوز قمقم المارد، وسيبقى محتاجا إلى البخور، والتمائم، والتمتمات، والتعويذات، لعله يحس بذلك العبد القابع في جونه، وهو لا يبرح وسخ التضرع والاستجداء لغيره. لو أفتيت هذا الرجل بجواز الاحتيال، وقد أنجزت دراسات ميدانية غربية في كثرة تطليق المهاجرين في أوربا لزوجاتهم، فإنني سأخون مبدأ الإنسانية. فلم الكذب، وهو خلق مذموم، ولو في حق العدو.؟ لو كنت متحايلا في الفتوى، فإنني سأتحايل على بريق أشعر به في جيوب أوغاد الأغنياء. لكن أنى لي أجد لذلك مساغا في عقلي، وهو المتعب لي بأحزان، وأوجاع، وأوضار. لا، لا أرى التحايل نظافة، بل هو عين الوساخة، وطالبه، لن يكون إلا غاصبا، وظالما، وجائرا. فالتحايل، لم أقبله، ولن أقبله، وأنا أحاربه في منصب لزمني في حياتي، وكان في محمول طاقتي أن أكون صاحب منزل فخم، وسيارة فارهة، وقد جاء من بعدي أناس تجعد وجه الحياة بين أعينهم، ثم وطئت خفافهم أرض اللعنة، فباعوا الفتوى، ونالوا البلوى. فها هم يتحدثون عن ورع الفتوى، وهم الناقضون لمعالمها الغامرة بالشكوى. فهل ورع الفتوى أن أقول لهذا الرجل: أولئك كفار، وكل ما أخذناه من مال الكافر حلال، لأننا نحن الأجدر بالحياة، بل نحن باب الإله، وقد اختارنا لجنابه، وجعلنا فرقته الناجية من شديد عذابه، وأما هؤلاء الغربيون، فرجالهم، يجب قتل رجالهم، وأطفالهم كذلك إن بلغوا الحلم، وأما المردان من غلمانهم، ونساءهم، فهم ملك يمين لنا، نسوسهم ونقودهم كما شئنا.؟ لو أفتيت بهذا الأثر الذي ننظر إلى غباره بين سواد التاريخ المخصي، لكنت ورع الفتوى في عيون رأت السواد في وضح النهار. وقالت بتشدق مالك الحقيقة: لقد أشرقت الشمس من مغربها، وانتهى زمن الكون على وجه الأرض، فهلموا إلى تطهير الأماكن من الكفار. أجل، هو حلم بعيد يجسده ورع الفتوى. لكن أليس من ورع الفتوى أن نحترم النظام الجامع لحركة الإنسان.؟ أو ليس النظام يؤدي إلى عدم تعطيل عجلة الحياة التي يستحوذ عليها الأشرار إن تاهت بها السبل بين الفوضى، والعبث.؟ لو أدرك هذا الداعشي قيمة النظام المطلوب لرسالات السماء، لما أحدث الرعب، والخوف، والهلع. فتأملوا معي إنسانا يعيش على أرض العراق العريقة الأنساب، والأحساب. ألا يعايشه الخوف في ليله، ونهاره.؟ فأي أمل لهذا الإنسان الخائف على رزقه، وولده، وحياته.؟ وأي عقل هادئ هذا الذي يبدع خراب الكون، والطبيعة، والوجود.؟ هو يخشى، ويخاف، فكيف يمكن له أن يكون بانيا لغد الإنسان.؟ إذن، إذا زال الأمن، ظهر الخوف. ولا تنمية مع الخوف، ولا تطوير مع الخوف، ولا تحديث مع الخوف. غريب أن تحارب النظام بورع الفتوى المؤسسة للفوضى.!!! ورع الفتوى أن تكتشف الكليات التي انبنى عليها الدين في الأزل. والدين في كلياته لم يأت إلا ليصنع الإنسان. فأي شيء عثر عليه في الإسلام، وهو يهدم الإنسان، فهو مدسوس عليه. وهكذا الأديان كلها. فلا وجود لما يهدم الإنسان فيها. 
وهب أننا أنكرنا الأديان كما هو حال كثير ممن تذوق لغة الفضائح، وتكونت لديه عقدة عدم وجود النظافة في الأبدان، والأديان، ثم حكم على منطوق الأديان، ولم يحكم على مفهوم العقول التي صنعت محاكم التفتيش في أوربا، وصنعت داعش في العالم الإسلامي. فما الذي يمكن لنا أن نراه نظيفا حتى نرفعه شعارا للإصلاح.؟ هل رفضنا للأديان إصلاح.؟ هل رفضنا لعاداتنا وتقاليدنا هو الإصلاح.؟ هل تخلينا عن كل شيء، من أجل شيء غير معلوم، هو الإصلاح الذي نبتغيه.؟ وهل إنكارنا لكل قائم بيننا، هو الذي سيقعدنا على مصطبة الأمان.؟ هذه عقلية أنتجتها الفضائح، لأنها ناسفة، وهادمة. وهي لا تريد أن تعترف بإرادة الإنسان. الإنسان، لا يمكن له أن يهدم المطلقات التي يؤمن بها، لكي يسرح بين الدروب هملا. هذا قدرنا، ونحن قد وجدنا بين أسر لها عقيدة، ولها دين، ولها أخلاق. ولو أردنا أن نهدم كل ذلك، فنحن نبتغي المحال. لو أردنا أن تكون أفكارنا المجردة جوابا عن كل شيء في عقل الإنسان الذي نحيى بين رغباته، وشهواته، فإننا نهذي بشيء لن يتحقق لنا أبدا. هذا الإنسان العربي، قد تعود على الهزيمة منذ زمن انخرم بين عينيه في حروب لم يتحقق معها الانتصار، فهو حزين، وأليم، بل يتعذب، والنكسات تترى، والنكبات تتوالى. فكيف يمكن لنا أن نهدم كل شيء في عقله، لكي نقول له: هذه أفكارنا المجردة، -وهي بدون خبرة، ولا تجربة،- فلا عليك إلا أن تردم كل شيء من مطلقاتك، ثم ستتقدم بخطوات إلى الأمام. لو جربنا هذه الأفكار في بقعة من بقع الكون، وكانت نتيجتها الأمن، والسلم، والعدل، لصدقنا هذه العقليات الهادمة. لكنها تبقى حلما غير مفهوم في عقل من يدعوا إليها، وهو متألم بها. فالإصلاح الحكيم كان من داخل الأديان. بل الدين الإسلامي حركة إصلاحية نبعت من داخل الأديان. فلوثر قام بالإصلاح من جبة الراهب، والقديس، لكننا في مجتمعات الفضائح، لا نبحث عن الكليات التي تتأسس عليها الأفكار الكبيرة، بل نأتي بمعاول الهدم، فننسف كل بناء. ولذا سنسف الأهرام، والأبراج، وكل ميراث الحضارات، بل حتى عجائب الدنيا السبعة. أجل، الإصلاح لا يأتي من الأفكار الحماسية، ولا من الأفكار التي تغني خارج السرب، بل الإصلاح، يحتاج إلى الإنسان النوعي. ذلك الإنسان الذي أيقن بأنه مفسد، أو بأنه يعيش في وضع يسوده الفساد، وهو يريد أن يكون وجوده متناسقا مع نغم الخير، والحب، والجمال. وهذه هي مهمة المفكرين، والمثقفين، بل هي مهمة كل رجل دين، ورجل سياسة، يريدان النفع العام. لكن إذا ملكنا رجل دين، يكذب باسم حماية السماء، وملكنا رجل سياسة، يكذب باسم المصلحة العامة، فإننا لن نأتي حجرة الإصلاح من بابها، بل نضيع جهدنا، وتضيع معه خيرات الأرض التي وجدت لتمتع الإنسان. وهنا يكون صوت الحق باطلا، ويكون رجل الإصلاح مفسدا، بل يموت الفكر، ويتعطل دور المفكر، والمثقف، والفيلسوف، والحكيم. أجل، نحن لسنا خنازير بالمعنى القدحي الجامع للخصوصية. وتلك الخصوصية هي المعنى القادح، وإذا وجدت فينا كنا مفسدين، ولو ركبنا كبرى الطائرات المجهزة بمتع الحياة. لأن الخنازير، هي التي تفسد الحرث، والزرع. نحن عقلاء. والعقلاء لا يهدمون، وإنما يدارون الواقع، لئلا يحدث الصراع، والنزاع، ثم يبحثون عن الأماكن الميتة في العقول، فيحيونها، ثم يغرسون فيها زهرة الأمل، ووردة الجمال. فلو قمنا بالإصلاح الحقيقي، لما نشأت داعش. كلا، لم تنشأ داعش إلا من الفوضى، والتسيب، بل لم تنشأ داعش إلا من التمييع الذي جاء به الخطاب الوعظي في أوطاننا العربية، والاسلامية. فداعش لم تنشأ فقط من الفكر الديني كما يوهمه كلامي، وفي تراثنا ما فيه، مما يزكي الغلو، والتطرف. وداعش، لم تكن فقط نتيجة لمجتمع الفضائح الذي كان مفتوح التلاع على الأهوية الفاسدة، بل إلى جانب كونها سبة على جبين العقل الفقهي، هي حركة إصلاحية في نظام الدين، والمجتمع. وتأملوا معي ذلك. فالدواعش رفضوا المعبد. ورفضوا شريعة المجتمع. وأتذكر في لحظة من لحظات تيهي، أنني كنت إمام مسجد في إحدى المدن، وكنت غريرا طائشا، أتبنى بعض القضايا من غير إدراك للغتها، ولا لمعانيها، سمعت عن أناس لا يأمون الجماعة في المساجد، ولا يأكلون الذبائح التي ذبحت في المجازر، ولا يتزوجون بعقد شرعي. لم يكن هذا مستساغا عندي، لأنني وإن كنت أبحث عن ذاتي بين الأفكار، فأنا إلى جانب ذلك ابن فقيه. أجل، ابن تربية قائمة على الخنوع، والخضوع. لأنني ولو تطورت بعض أفكاري النقدية، وصرت متمردا أنعى على أبي صوفيته، فإنني لا أطيق أن أمد رجلي في حضرته، ولا أن أتكلم بسوء أدب في مقامه، ولا أن أكون إلى جنبه حين تعرض لقطة تخدش الأدب العام في التلفاز. كلا، إنه أبي، وعلى يديه حفظت القرآن، وهو الذي شجعني بما نفخ في جوني من حس على أن أكون عالم دين. ذلك مبتغاه، وقد تحقق له. وتحقق لي، سواء أحببت، أو كرهت. لكن حقيقتي أنني رجل دين. هذا اعتراف مني، لا يمكن لي أن أتجاوز بعض الأمور، هي شخصيتي، وفيها سعادتي. وإذا ما تجاوزتها، فإلي أين المسير.؟ لقد انفرطت أربعة عقود من عمري، فماذا سأكونه بعدما فقدت بنيتي الجسدية، وصرت أمينا على أبناء يخبون بين مدارج الحياة بسرعة.؟ لن أكون تاجرا، ولا موظفا، فقصارى الجهد أنني كنت رغبة الوالد، فكنتها. لكنني ومن باب نكران الذات، لم يضرني أن أنزل عن بعض حقوقي من أجل رغبة كنت محلها بلا إرادة مني. تلك أقدار، وأنا لا أمتلك لها صدا، فهل يمكن لي أن أقبل هؤلاء.؟ لن أقبلهم لأنني ميراث لأسرة تقربت إلى السماء بتعليمي أدب الحقيقة. فلو حررني أبي، لما كنت مطلوبا له في يوم من الأيام. لكنه ومن شدة رغبته في الفداء، لم يتركني بلا بداية، ولا نهاية. سمعت هذه الأشياء، فلم أع عنها شيئا. في تلك اللحظة، قرأت بعض المدونات المكتوبة، ومن رداءتها أنها تهدى، ولا تباع. فآه، آه، لو كانت لها قيمة، لبيعت بأرفع الأثمان، لأن ما ينمي العقل، يباع بأغلى المهور. فالعلم لا يقبل أن تهان هيبته، ولا يمنحك بعضا منه ما لم تمنحه كلك. فالذين أهانوا العلم، هو من جعلوه هبة. العلم لا يوهب، العلم ثمنه هو حياتك. وهؤلاء الذين أهانوا العلم، هم الذين يقولون بورع الفتوى. فلا حسرة إذن، كان أبي يربيني لرغبة فيه، وقد تحققت، فها أنذا عالم، ولو اتساء بالصفة، وغاية ما أطيق، أن أحمي دائرة العلم. لن يبخس ثمنه عندي أبدا، لن يكون للاسترزاق، ولا الاستجداء، لن يكون من أجل حيازة الصفات بالتزلف، والتلون. فصفته هي التي أرضى بها، وما عداها، فلا يشغل بالي. تلك هي رغبة الوالد، وهذه رغبتي. قلت: في هذه المدونات ما يغذي هؤلاء. وهي التي أمتعتهم بحياة الصحراء. وحين كبر بعض الألم عندي، وجدت أن هؤلاء أيضا حركة إصلاحية، لأنهم رفضوا المعبد، والمجتمع، والوطن، وتاهوا في بحر الأمة. فهؤلاء لا وطن لهم، وطنهم الأمة. إذن هؤلاء نفروا من الأنظمة المجتمعية، وتلك هي ردة عن المعبد، والمجتمع. وهؤلاء مارسوا نوعا من الردة عن أنظمتنا الدينية، والمجتمعية. إذن يريدون شيئا هو الخلاص عندهم. بل الأغرب، أن هؤلاء يعتمدون النصوص التي يعتمدها كل من يتحدث عن الدين، من أقصاه، إلى أدناه. بل لا يقومون إلا بتطبيق ما فيه من نصوص لم تحرر في زعمهم المنكوب. أجل، هم يؤمنون بالكليات الخمس للدين، وقدموا حق الدين على حق حماية النفس. كلا، بل قرأوا القرآن، ووجدوا فيه عدم إباحة قتل النفس إلا بحق. فاختل عندهم ميزان الحق. فلم يشعروا بحق الإنسان في الحرية، والعدالة، والمساواة. ولم يطيقوا أن يفرقوا بين الحقوق، والواجبات. وهنا نشأ التطرف من جبة الدين. الدين الذي تؤله النفوس، والأهواء، والأغراض. فلا عيب إذا نادى بعض بالمراجعة النقدية لتراثنا. بل العيب أن نرى مليارا ونصف مليار من المسلمين، وهم لا يطيقون تجاوز نقط النص الأصلي، ثم نقول لهم: إن الدين، هو الذي كان سببا للإرهاب، فلا عليكم إلا أن تتخلوا عن الدين، لكي لا تنشأ فيكم الدواعش. هذه مغالطة، ولو نادى بها أحد، فإنه سيبقى حبيس أسرة ضيقة، تشاءمت من واقعها، ثم خلدت إلى الدعة بما تريح به نفسها من أفكار هادئة، أو صاخبة. أجل، لو استطعنا أن نمسح من نصف العالم الإسلامي مفهوم الالتزام بالدين، لاستطعنا أن نتحرر من مزعجات داعش بهذه الأفكار التي تربط الحياة بالعلم، لا بالدين. وتلك أمنية مستغرقة في العماء. بل هي الهباء في عقول لا تعرف طرق تكوين الشعوب، والأمم، والحضارات. فلم لا ننادي بوعي ديني قائم على الرحمة. وفي كل الأديان ما يؤسس لمفهوم الرحمة.؟ فالرحمة مشروع الإنسان، وفي كل القلوب رحمة. فلم لا نستثير همة الرحمة في باطن هذا المشلول دماغه، لعلنا ننجو من سوء مغبته.؟ ربما قد تكون دعوتي مثالية مفرطة، (أجل، عدم فهم المثالية سبب آخر لنشأة التطرف.) لكنها واقع حقيقي، وقد جربها الإنسان. وأثبتت دورات التاريخ صحتها. لكن دون ذلك خرط القتاد. سيكون مؤلما لنا أن لا نجد آذانا تسمع ما نقول، وقد تعودنا على الألم، والورم. وتاريخنا العربي والإسلامي فيه ما يزكي العنف، وما يغذيه، بدءا من الأسرة، وانتهاء بالأنظمة الدينية، والسياسية. بل نشأت في تربتنا نعرات، وأثنيات، وطائفية، ووثنية جديدة. وقد شربناها منذ الحرب الباردة، وانتصار أجداد الدواعش على الجنود الحمر السوفياتيين. في تلك اللحظة كان الجهاد مطلوبا، بل كان فرح المسلمين عارما حين يُقتل الجنود السوفياتيون، وكانت الأبواق الدينية تحكي عن كرامة المجاهدين. وحين انفض الجمع، والتأم الوضع الحقيقي، صار هؤلاء المجاهدون عرضة للاختطاف، والاعتقال، وانتهى مصيرهم إلى دهاليز السجون. فمن المستفيد هنا.؟ هل استفادت أمة الإسلام حين هدمت تمثال بوذا.؟ بوذا لم يكن حاضرا حين أقيمت الحرب بين القوى المستعمرة لأوطاننا. بل كان بوذا مثالا رحيما لغاندي. فلم أهلنا التراب على تمثال بوذا، لكي يكون المكر السياسي مثالا للإنسان المقتول، والمحروق.؟ أشياء عميقة في ذهني، تتراءى لي، وأنا أرى دينا يؤمن بالكرامة الإنسانية، ونحن لا نسرف إلا في تعلم فنون القتل، والحرب. فوا أسفاه.! لقد ضاع الدين في الدين كما قال الصادق النيهوم، ومن قبله نفث نيتشه عقدة المأساة بقول موت الإله. لم يمت الإله، لأنه أزلي، ولم يمت الدين، لأنه هو الإنسان، بل مات الدين حين أسرف في مفهوم البدعة. وما دامت البدعة تنتشر بين الأماكن التي صنعتها عقول أبدعت في زخرفة الخابية، فلا محالة ستمدد إلى ما صنعه الغرب من حضارة الموت، بل لا محالة سيهدم في النتيجة كل ما صنعه البشر لقتل الإنسان، (وهنا نهاية الحضارة كما نرى، لا أن نقول بموت الحضارات، لكي يبقى الأنموذج الإمبريالي هو السوي الأكمل.) لأن ما سينتجه الغرب عند سيادة هؤلاء، لا ينفع تلك الحضارة الباكية، والحزينة. فلم أنظمة المرور، ونحن سنعود إلى عهد الناقة، والجمل. ولم المراكب المرفهة، ولنا هودج جميل. ولم الأنظمة كلها، ونحن سنعود إلى زمن القتل، والدماء. هنا ستتوقف الحضارة. لأن هذه الحضارة الغربية، لا قيمة لها إن لم نكن نحن متخلفين. وإذا تقدمنا، سيكون التنافس. وهنا سيظهر العوار، والعيب، والثلم التي يبلطها هذا العقل الصانع للحضارة. أجل، صنع الحضارة ظاهرا، وصنع في باطنها إنسانا آخر، يمكن له أن يفجر الحضارة بالحضارة. 
وهكذا وكما تنشأ الدواعش عندنا من تربة التخلف، ينشأ دواعش آخرون من عمق الحضارة. لأن الحضارة بدون إنسانية موت. الإنسانية هي روح الحضارة. تأملوا سمو الحضارة حين تكون إنسانية. لا محالة ستكون جميلة، وتلك هي اللحظة الهاربة في أذهاننا، وأذهانهم. أجل، الإنسانية فلسفة عميقة، ولا أغالي إذا قلت: إن كل الأديان والفلسفات كان حلمها صناعة مفهوم الإنسانية. لا أقول: الإنسانية هي مفهوم جمعي ينفي الفرد، بل الإنسان هو المراد، والإنسانية صفة له. فالإنسانية إبداع في الإنسان، وربما في كثير من الأحيان تكون الإنسانية جمالا تشعر به. نحن نجسده في تقديم خدمة اجتماعية. شيء تحس به، فيه إعانة، فيه تخفيف، فيه ترويح. فالدين إذا تحرر من الإنسانية، يكون نارا تحرق. ودين داعش حين فقد الإنسانية، قتل، وأحرق. فالإنسانية إذن فلسفة، والفلسفة عادة لا تكون إلا مجالا لنخبة واعية، ومدركة. هي نخبة النبلاء في بعض أدوراها، ونخبة التائهين، والمشردين، والمجانين. نخبة النبلاء أنتجت فلسفة فيها إنسانية عميقة، لأنها عاشتها في لحظتها، فأنتجت زفيرها، فكان جميلا في الذوق. وأما النخب الأخرى، فقد أنتجت من عمق فلسفة الألم فوضى، وعبثية، وتيها، وفراغا. وكل فلسفة لا سهم لها في الهدوء. أي في النظام العام، فهي عبث. لكن العبث له جماليته حين يسرح في المعاني المنزاحة إلى الوجود، والكون. لأن العبث هنا، هو إدراك للحقائق في قالبها الغامض. فهؤلاء النبلاء، هم الذين استطاعوا ان يكتبوا ميثاق حقوق الإنسان في زمن جميل النظرة، والرؤية. فتأملوا معي، لو كتب هذا الميثاق في زمننا، لكان مترعا بالسموم التي تنتشر في العالم. لأن الحضارة الغربية اليوم تخشى من غول الصحراء. أجل، في الصحراء نفط، وطاقة، ولكن فيه أيضا شبح داعش الذي عاد إلى مكانه. فلذا كان هذا الميثاق جميلا، وهو فلسفة النبلاء. لا أقول النبلاء المحتشدين على قنينة خمر، وهم يناقشون قضايا العقل، ولا أولئك الذين يجلسون على فروة الطهارة، وهم يناقشون قضايا الروح. بل أقصد أولئك الذين أنكروا ذواتهم، فرفعوا شعار الإنسان. وكل شعار يرفعه الإنسان، ما لم يكن إنسانا، فهو ادعاء كاذب. 
والأغرب من هذا أن ما تفرع عن هذا الميثاق من قوانين عالية الأهداف، والمقاصد، تكاد تلمس فيها ملامسَتها لهذا الجزء الإنساني في الحياة البشرية. فتأمل معي رجل دين زنى في رمضان، وحبلت منه ضجيعته، واعترف بخطيئته، ثم حكم عليه بالبراءة، لأن زوجته نزلت عن حقها. أمر غريب، لو زنى في مجتمع الصحراء، وهو محصن، سيكون مصيره الموت الأليم. وموته سيكون مشهودا للآخرين، بل مشاهدته هي المطلب الأساس في تحديد الحد عند المتأولين، لأن فيها طلب التخويف للعصاة، والمتمردين. هكذا فهمت هذه النصوص عند طلاب الحدود، وهكذا يحجر على فهم المتدينين. فلم نستبعد كل الأقوال، لكي نثبت بأن المقصود بها هو هذا الفهم الوحيد.؟ لن نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن إقامة الحدود، لم يرد منها إلا إسعاد الإنسان في حياته. ولذا، فإن إحداث الخلل في توازن حياة الأسوياء، يؤدي إلى هدم كل بناء يقوم عليه سمو الحياة الآمنة. وهنا كان العقاب أمنا، وأملا، وهو مختلف باختلاف النوازل، ويرجع فيه إلى سلطة القاضي الذي يقيم الحدود بالسوية، وفق ما تقضيه المصلحة العامة. لكن إذا اختلت الموازين، ووقعت وقائع تؤدي إلى الفقر، والجهل، والتخلف، فإن القاضي مطالب بأن يراعي أحوال الناس، وحاجاتهم الضرورية، حتى تدرأ الحدود بالشبهات، وتكون الحدود أمنا، لا خوفا. فكيف نقتل إنسانا لم يجد قوت يومه، وإلى جنبه من يكتنز المال من حله، وحرامه.؟ لو صفا المورد، لما تعكر مزاج اللص. فاللص لا يسرق إلا لإنقاذ حياته، بل لا يسرق انتقاما لدنو طبقته، وإنما لما اضطر إليه من العيش الكريم الذي فقده. ولذا يكون اللص مؤهلا للتأديب، والتعزير، ويكون من سرق أموال الزكاة، والجباية، هو اللص الحقيقي. بل هذا هو اللص الذي تتأذى منه المجتمعات في حاضرها، ومستقبلها. فكيف نقتل الرجل، وهو يعول أسرته.؟ سيقال: قد نال جزاءه في الدنيا، وأما ما سيطرأ على محيط الأسرة.؟ قالوا: هي ملك السماء. أجل، إذا نسفنا كل الكليات، والقواعد، فإننا سنصل إلى هذه النتيجة، وتلك هي العقلية التي أنشأت الدواعش. أجل، فهؤلاء يستبطون نكران الأنظمة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وأثرها على عيش الإنسان، وظنوا أن السماء تمطر ذهبا. فكيف سيكون مصير هذه الأسرة بعد فقدان معيلها.؟ نحن في مجتمع الفضائح، تعودنا على أن نأكل دسم فروج الأخوات. فلا عيب إذا كان هذا المفتون بالدنيا متمردا عليها، وهو يحيى حياته مهمشا بين أتون واقع لا مراح فيه للعاجزين، والكاسدين. لا، بل لا رأي له، ولا مقام له، وإذا ما واتته فرصة لينقض كل العهود التي تربطه بعنفوان أرضه، وسماحة طبيعته، لا يتأخر قيد أنملة. وهذا ما يحدث اليوم في عالمنا العربي، والإسلامي. فالمعذبون في الأرض، هم التي تسخن بهم أجران الحروب الوحشية. وهل رأيتم واحدا من هؤلاء الموجهين لثقافة المتطرفين يأكل طست العدس مع من غرتهم ملامح الدماء الغائرة.؟ فيا للعجب، كم توسع هؤلاء الموجهون للفكر المتطرف في متع الدنيا، وإذا ما تخمت بطونهم بدسم الموائد المترعة بالأطايب اللذيذة، اتجهوا صوت مكبرات الصوت العالية الجودة، لكي يرعدوا، ويبرقوا، وإذا ما زمجروا بغضب، وغيظ، عادوا الأدراج إلى أكنانهم الهادئة. وهم في سفاهتهم قد أوقدوا فتيل الحزن والبكاء في حياة ضعاف العقول. فيا للغرابة، كم ساعدت تقنيات التصوير والإخراج في لمعان بريق هذه الصورة الخادعة. تلك أمتي التي أنتمي إليها، وأنا لست مخيرا في وجودي بينها، وتلك أصوات الأوغاد الذين يرفعون عقيرتهم كل ليلة، لكي يعظونا بكلام كريه، يثير الغثيان والاشمئزاز في عقل من عرف قواعد اللعبة، وأدرك ما وراء حلاوة العسل من سموم قاتلة، وأيقن بأن خطاب الكراهية هو السبب في انتحار الأمة المهدورة. فلم لا تنهار قيم الأسرة التي زنى معيلها، لكي يبقى صاحب السيف مفتول العضلات.؟ ستنهار حتما، إن لم تجد زوجة قادرة على بدأ حياتها بلا زوج يحمل عبء الحياة عنها، لأن الجزار إن لم يفر أوداج العصاة المذنبين، سيحال على كرسي التقاعد، وحينئذ لن تكون هناك فرجة في الساحات العمومية. فرجة جميلة أن تنظر إلى عبد يقطع رأس إنسان ضعيف. هم يقولون تعليلا: إنما قتل، ليزدجر به العصاة. ومن الحكمة أن نقسو على من نرحم. أجل، سيزدجر هؤلاء الذين لا يملكون سوى كن الألم. ولكن العصاة الحقيقيين، لا يرتادون هذه الأماكن المضرجة بدماء المقتولين، بل هي مهيع للصغار، والحمقى، والذين يثقلون ظهر الأرض بأمراضهم الجنسية والعقلية العليلة. وأما اللصوص المنتفخون بالمال الحرام، فيفرون من عين الرقيب، لأن الجاني يدور حول حمى جنايته، وهؤلاء أذكى من أن يتقلبوا بين الأماكن التي قتلوا فيها كرامة الإنسان، قبل أن يقتل على مشانقها ضعاف المغفلين. فهل تظنون لصا حاذقا، سيأتي لكي يرى قبره كلما مر بالساحة العمومية.؟ إنه أحمق، لو رأيناه عيانا. وهنا ينشأ الأطفال على حب الدماء، لكي يكونوا خلفا للذي حارب القوانين، ثم هاجر، لكي يقود قطيعا من السبايا بين الصحراء. أي جهل هذا.؟ فالقانون قدم حق الأسرة. ووليها بعد فقدان أهلية الزوج هي الزوجة. وقد نزلت عن حقها، لأن الخيانة حصلت في سبيلها، وهي أعلى مستفيد من هذه القضية. وأما الطرف الثاني، فقد راعى فيه القانون المجتمع، وله أيضا على من ينتمي إلى نظمه حق، وهو لحمايته من الجناة قد تواطأ على مجموعة من الأنظمة التي يصون بها دائرته، وخصوصيته. وهنا لا بد أن نعلل الأحكام بعللها، لأن الأحكام معلولة، وهي موجودة لصيانة الإنسان، وما لم نفهم عللها، لا يمكن لها أن نقيس عليها. فإذا نظرنا في التاريخ الديني، فإننا نجد مواقف قضائية عطل فيها حد السرقة، لعلة خفية، وهي في مقصدها وغايتها إنسانية. وهي العلة التي اعتمدت عليها الأنظمة الشيوعية حين فجرت من زناد الكادحين ثورتها ضد الرأسمالية. والعلة هي: أن السارق لم يكن سارقا إلا حيث فقد عيشه. وأنا أتحدث عن أولئك الذين سرقوا رغيفا، أو كيس قمح، أو حبات عنب. هؤلاء في عمق ضرورتهم يحتاجون إلى شيء هو قريب منهم، وفيه لذتهم، وهؤلاء هم الذين تقطع أيديهم، ولنا في التاريخ شواهد، بل حتى في العهد القديم أقيم عليهم الحد. فقطع يد هذا السارق قتل له. فتأمل إنسانا قطعت يده، فأي مصير له.؟ هو سارق حقيقة، وربما قد استوفى ذلك النصاب المحدد، ولكنه يعيش في مجتمع فقد الرحمة، وفقد الإنسانية. هو يدخل إلى المدينة، ويرى في نفسه بداوة، ولا عقل له يجتاز به دائرة الجهل والتخلف الذي غرس فيه. فكيف سيكون شعوره.؟ سينتقم، لأنه يريد أن يكسب ما كسبه أولئك الذين يعتبرهم لصوصا. وهو لا يملك حرفة، ولا مهنة، ولا شهادة، ولا ديبلوما. فكيف لا يكون نشالا، وقد فقد بهجة الحياة، وغدا وحشا لا يفرق بين ما له، وما عليه. وأنا أتحدث عن أذكياء اللصوص، وهم يسرقون ما فضل عن الآخرين، أما أولئك الذين يقطعون سبيل المارة، ولا يميزون بين ذا، وذاك، فهم قتلة، وليسوا لصوصا. لأن اللص لا يستعمل السلاح، وإنما يعتمد على ذكائه. وإذا لاحظنا هذا الملحظ، فإننا نرى محاربة الأوبئة في أدمغتنا المشلولة، هي العملية الأولى في محاربة اللصوص، بل محاربة تلك المحاضن التي يولد فيها الفقر، والجهل، والأمية، والتخلف. وإذا ما لم نحارب أسباب السرقة، فإننا سنقطع أيديهم، ليزدجر غيرهم، ولكن لن تنتهي السرقة. لأن ما ينبتها بين طبقات المجتمع ما زال مترعا بالحيل الماكرة. فتخويف الناس بمثل هذه الفواجع، لا ينهي ظاهرة من الظواهر في المجتمع. فالإنسان إرادة، وليس خزانا للخوف. والخوف لا يصلح أن يكون عقابا في كل شيء. هناك جهاز في الإنسان، لا بد أن ننتشل منه الأمراض المحبطة لوظيفته في ذاته، ووجوده، وكونه. ولو نظنفناه بإفراغه من محتوى الشر، وملأناه بجدوى الخير، فإننا سنكون قد حاربنا السرقة، واحتفظنا على الأمن العام. شيء يؤلمني، وأنا أرى بين عيني قائلا يقول: أنت تنفي الدين فيما تقول. لا، لا أنفي الدين، بل أطالبك بأن تربي في الأجيال يفوعة الحس، والذوق، والعاطفة، والمشاعر النبيلة. أجل، نحن حين نطيق أن نصنع إنسانا يكون وجدانه سليما، فإننا قد تجاوزنا به نقطة أن يكون مخربا، ومبددا. فلو أرهبناه بما نولول به من زجر، ووعظ، فهل سنقضي على علله، وأدوائه.؟ لا، ستنتهي القاعدة، ومن بعدها الدواعش، ولكن في الصحراء أعداد تكفي أن تكون خلفا لأجدادها المجاهدين. فلو قضينا عليها بما نحرقها به من سموم فتاكة، وسكت الناس عنها سنوات، فإنها ستنبت من مشتل الفقر، والخرافة، والوهم. إنها مثل كل الظواهر التي ينزف بها عمق الجهل، لا تخمد إلا لتظهر. ولذا، لا بد أن نفهم مقصد الدين منا حتى لا نضل عن جادة السبيل. ثم ننظر إلى الإنسان بنظرة الجمال، وهو المكلف الوحيد في الأديان. فكيف يمكن لنا أن نحميه من المفاهيم الخاطئة.؟ هذا مرام كبير لكل من أراد الإصلاح. فالإصلاح بدون تربية على الجمال، والحب، والخير، لن يكون إلا خرابا. والإصلاح لا يعتمد على الترهيب، والتخويف. بل الإصلاح يبتدئ من الإنسان، وإليه ينتهي. فلو عرفنا الإنسان بأمراضه النفسية، والعقلية، والاجتماعية، وأيقن بوجودها في بينته الذاتية، والمعرفية، والسلوكية، فإنه لا محالة سيصلح كثيرا منها. هذه هي مهمتنا النبيلة في هدفها، ومقصدها. وإن لم ننظر إلى الإنسان بهذا النظر، فإننا لن نزرع جيلا له قواعده، وملكاته، ومواقفه، وآراءه. وهنا تتحدد نيات الإصلاح في الفاعلية، والجهوزية، وليس ظهورها الحقيقي في الغيرة الغامضة على الدين، ونحن نعرض عن الدين بملايين الأميال. وهنا يكون الإصلاح مفيدا، وهو الذي استفاد منه الغربيون، وهو الذي جعل لوثر قائدا يقود الكنيسة إلى الحضارة. لكننا إذا أغرقنا العقول بالمفاهيم العامة، ولم نستطع أن نفسر جزئياتها، ومكوناتها، فإن ما نزرعه، لن تكون نتيجته إلا وخيمة. فتأملوا معي مثلا مفهوم التقوى كيف نتحدث عنه، فبدلا من أن يكون صفة في الذات، نتحايل عليه، لكي يكون صفة على الذات. فنحكم بهذه الصفة على استواء الإنسان، وانحرافه. ثم نقيم محاكم التفتيش من أجلها، وربما نكفر، ونبدع، ونفسق، ثم نشيع سوء سمعة الإنسان بين المجتمعات. عجيب أن ينال التحريف هذه الصفات، كالاستقامة، والعدل، وغيرها، ثم نحكم على الناس وفقا لمقتضياتها في الظاهر، لا في الباطن. والباطن حقل الله، وليس لأحد نفوذ إليه. فهذه المفاهيم يجب إعادة النظر في اعتبارها، وما لم نمتلك قوة على تحديدها، وترسيخها، فإن ما نعكسه من صور في عقل الإنسان، هي الموت، وهي الانتحار.




مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.45829
Total : 101