تعاني الدول العربية حالة من التشرذم والضعف لا مثيل لها في التاريخ المعاصر ...وعلى راس اسباب هذه الحالة ، ضعف انظمة الحكم العربية...ونزوعها نحو الديكتاتورية والتيوليتارية ،حتى اصبح هاجسها الاول الحفاظ على العروش والكراسي وامتيازات العوائل الحاكمة ومن هو قريب منهم اقوى بكثير من هاجس الحفاظ على تماسك الوطن وسيادته والحفاظ على الامن القومي الذي هو السياج الواقي لكل دولة عربية .. هذا التشتت والضياع ليس جديدا ، ولكن كانت هناك ثمة خطوط حمراء في السلوك العربي ...هذه الخطوط سقطت بعد حرب الخليج الثانية ، فبات العرب بدون مرجعية قومية او اقليمية ، وفشلت كل محاولات وضع اطار للعمل الجماعي بدءا من تجارب الاتحاد المشارقية والمغاربية مرورا بمجلس التعاون الخليجي الذي نخرته الخلافات البينية فصار كتلا لايربطها رابط ... وهكذا طغت الهموم الذاتية وتربصنا ببعضنا البعض على اية حكمة ستراتيجية وبعد نظر سياسي ...فاصبحت السياسة العربية تتعامل بمخاطر الامور ببعدها الاني اليومي وردات الفعل الارتجالية ....وبدلا من ان تساهم اموال الخليج في تنمية الوطن العربي اصبحت سبب لاثارة الفتن والانقسام بدعاوي ثورات ربيع ...تروج لها انظمة تتخوف من كلمة ثورة اكثر مما تخاف عزرائيل . بعد ان اصابنا الضعف وانقسمنا شيعا وطوائفا ونحلا ...خلت ساحاتنا ، فرأت دول الجوار فرصتها التاريخية في ذلك لتقتحم خيولها بيادرنا ، خاصة وان هذا الاقتحام موضع ترحيب ، يهلل له هذا الطرف او ذاك ايغالا بالنكدية ضد بعض . ايران وجدتها فرصة تاريخية لتتمدد " وتحتل 4 عواصم عربية " دون ان يقف بوجهها مانع لا اقليمي ولا دولي ( فالعالم يتعامل مع الاقوياء وليس مع الضعفاء ) ...لتدغدغ احلام ماضي واحياء امبراطورية ميتة ، وسرعان مابدأت تصريحات المفكرين واهل السياسة تروج للامبراطورية الجديدة حتى قبل ان يكتمل هلالها ...واراد مدير وكالة مهر الايرانية الرسمية ان يزيد من الشعر بيت ...فدعانا نحن العراقيين دعوة لله بان نمزق هوياتنا العربية والعراقية وان نلتحق بركب فارس قبل فوات الاوان ... تركيا هي الاخرى ترى في الحلم العثماني فرصة قابلة للتحقيق للتمدد اقتصاديا وسياسيا تارة بتقمص ثوب الاخوان المسلمين ومرة بثوب الليبرالية المعتدلة المفصلة على مقاس السلطان سليم ياوز . عاد الصراع المذهبي القديم الذي قطبيه فارس وعثمان ، يخرق بقرونه نسيجنا الهش الذي مهد اليه الاحتلال الاميركي وزاده تمزقا تخبط السياسات العربية تجاه مسائلنا القومية ...فما كان لايران ولا لتركيا ولا حتى للتنظيمات المتطرفة ان تدغدغ احلام الماضي ...هذا يريد اعادة الروح لامبراطورية زالت ولا يعي انه من غير المسموح اليوم لامبراطورية جديدة في البزوغ في نظام دولي تحددت ملامح الدول الفاعلة فيه ولا مكان للاعبين جدد ... والمتطرفون يحلمون باعادة ماض ولى وتولى ...
هذا باسم الخلافة وذاك باسم الامامة ...في عصر جديد لم يعد يسمح تطوره باي شكل من اشكال تلك الدول التي لم تصلح لعصرها السحيق واسقطتها الخلافات وعوامل الضعف الذاتي فكيف تصلح ليومنا هذا ؟ لا بد ان نعي ان استعارة حروب داحس والغبراء فيما بيننا لن توصلنا الا الى الموت الشنيع تحت سنابك خيولها ....وان سوء تقدير الانظمة العربية لا يجعلنا نتخلى عن ثوابت وجودنا الوطنية والعربية ...فهذه امور لا تفرضها الروابط المعروفة ...بل عوامل الجغرافيا والمصالح المشتركة والمستقبل الواحد ... لا بد ان نعي ان تامر بعض ذوي القربى العرب علينا لا يمكن ان يجبرنا على التخلي عن هوياتنا المعروفة ونتخذ لنا هويات اجنبية لا تعني الا الذلة والخنوع ...فالخلافات والنزاعات العربية البينية ظاهرة تاريخية مستمرة ،فلم نضخّم شانها اليوم ولصالح اية اجندة تريد بنا شرا ؟ علينا اذن ان نكون بقدر المسؤولية التاريخية وان نعي ايضا ان قوتنا تكمن في تالفنا وقبولنا لاطيافنا السياسية والمذهبية مهما بلغت تباينات الوانها ....فهذا قدر تاريخي محتم قبلناه في السابق وعلينا
قبوله اليوم وتنظيمه سلميا بما يفيد التعايش المشترك والا بقينا ندور ونلف في حروب لا تنتهي ...لانه ليس بقدرة بعض منا ابادة البعض الاخر المختلف معه ببثانويات الامور . ان مزيد من الانفتاح على بعض واتباع النهج الديمقراطي الحقيقي ونبذ التعصب الاعمى هو السياج الحقيقي الواقي لبلدنا ، فتسييج الداخل وتحصينه كفيل بصد الطامع الخارجي والطامع الداخلي الذي يتسلل من ثغرات الصراعات المذهبية والسياسية والمناطقية ... لو استطعنا الوصول الى هذه النقطة ، فسنضع حدا لاي غول يحاول التضخم والتمدد على حساب ترهلنا وضعفنا والنفخ في خلافاتنا ...ولقطعنا دابر اي فكر متطرف ديني او سياسي لاننا نفقده عند ذاك بيئته الملائمة لنموه وتضخمه ..
اما دول الجوار فيجب التعامل معها بروح الندية ومن منطلق السيادة والمصالح المشتركة بعيدا عن اية ابعاد مذهبية بل وتجريم اي حزب او فرد يقيم صلات خارجية خارج اطار المصلحة الوطنية والولاء للوطن ...ففي كل قوانين الدول هناك عقوبات تصل الى حد الخيانة العظمى لمن يتعامل مع دولة اجنبية ويسهل لها امرها في الداخل ....فهل نكون نحن الاستثناء الوحيد عن ذلك ؟
مقالات اخرى للكاتب