"..فإذا كان يصر الأخوة الكورد على مسألة الإعتذار لضحايا الأنفال،
فيجب أن تعتذر حكومة كردستان أولاً لأن القيادات التي لها علاقة
بهذه الجريمة كالأركان الجيش أو القوة الجوية في ذلك العهد الجائر
تقع اليوم جميعها تحت سلطتها."
خضير العواد
نأسف للاستاذ خضير العواد حيث انه يخلط الحابل بالنابل، بعضها عن جهل وبعضها تجاهلا منه للمستوى الحضاري الذي يحدد سلوكية الكرد سياسيا رغم هفواتنا احيانا ويتجاهل تماما مظلومية الكرد قبل وخلال وبعد حكم الطاغية صدام. تميز عهد صدام عن غيره بان وصل اضطهاد الكرد ذروته. نعم قمع صدام حسين المعارضة العراقية بقسوة وبضمنهم الشيعة والكرد وحتى بعض السنة. ولكن بالنسبة للكرد، لم يتوقف القمع عند قمع المعارضة، حيث تعدى ذلك بكثير. كانت عمليات الانفال حركة عسكرية منظمة استمرت على مدى 18 شهرا وراح ضحيتها اكثر من 180 الف كردي برئ، وكان هدفها ابادة الكرد عن بكرة ابيهم، نحمد الله على فشلها.
ونأسف ايضا ان نقول ان طلب الاعتذار الكردي جاء متأخرا لعدم رغبة الكرد في مواجهة بغداد في وقت اسبق. ان الاعتذارهو اقل ما يمكن ان تفعله بغداد، لانه من حق الكرد المطالبة بالتعويض عما لحق بهم من ضيم على يد العرب سنة وشيعة في العهود البائدة، ليس في المحاكم العراقية فحسب وانما في المحافل الدولية، ولهم الحق ايضا في طلب التعويض لحرمانهم من ثرواتهم واستخدامها من قبل الحكومات البائدة في شن حروبها العنصرية على كردستان.
لماذا اصرت حكومة الكويت على مقاضاة العراق في المحافل الدولية للحصول على تعويضات طائلة رغم ان العراق لم يعد محكوما من قبل صدام حسين؟ ولماذا تصر على ترسيم الحدود ولا تقبل بالعودة الى حدود ما قبل احتلال العراق لها، وتنفض المشكلة؟ لماذا أصر الصين على اعتذار اليابان لجرائمها ايام احتلالها لمنشوريا؟ ولماذا اعتذرت الولايات المتحدة عن ماضيها في تجارة الرقيق في القرن التاسع عشر؟ ولماذا اصرت تركيا على اعتذار اسرائيل لها عن مداهمتها السفينة التركية المبحرة الى غزة قبل اكثر من عامين؟ الجواب يا استاذ خضير يكمن في ان لكل دولة او كيان سياسي شخصية معنوية لها حقوق كما عليها واجبات، وهي مسؤولة عن تصرفاتها بغض النظر عن الرئيس الذي يحكم، او الحكومة التي تتخذا كذا و كذا قرار، والا لما كانت هنا اتفاقيات ولا التزامات دولية، وكلما ارادت دولة التنصل من مسؤولياتها ابدلت رئيسها بآخر، وانتهت المسألة.
الوزراء الكرد في بغداد يعملون لصالح الحكومة الفيدرالية على خلاف أعضاء البرلمان الذين من واجبهم ان يمثلوا المصالح الكردية ويعبروا عن الصوت الكردي لاحقاق الحق ومنع الاجحاف بحقوق كردستان كاقليم. الوزراء موظفوا دولة، واذا غابوا او خالفوا فهم يتحملون وزر مواقفهم ويعاقبهم رئيس الوزراء! الم يكن هناك وزراء كرد في عهد صدام حسين؟ الم يكن هناك وزراء شيعة في عهده؟ هل كان بامكانهم ان يحركوا ساكنا الا بمشيئة صدام؟ وأما عن ان حكومة الاقليم "تدافع عن قيادات النظام البائد بل هي التي ترفض القصاص العادل لهم"(2) فلا يعدو ان يكون اتهاما باطلا وقلة ضمير. الم تحاكم الحكومة الفيدرالية اركان البعث وتعدمهم؟ الم تقم باجتثاث البعثيين من دوائر الدولة؟ لم تقف حكومة الاقليم بالضد من هذه الاجراءات قطعا. الم تقم الحكومة الفيدرالية بأجتثاث البعثيين واستعادتهم الى دوائر الدولة، ومن ثم استعادة مجاميع اخرى كعبد الاميرالزيدي وامثاله الملطخة اياديهم بدماء الشعب؟ اليس هذا هو الموقف المتذبذب بعينه؟(3)
ان موقف الكرد من حالات فردية لجأ فيها اشخاص الى كردستان هو موقف انساني بحت وغير مرتبط بماضي الشخص او موقفه السياسي. واوضح دليل على حضارية الموقف الكردي هو تشجيعه المصالحة الوطنية لرأب الصدع في المجتمع بدل تعميقه. اليس العفو عند المقدرة خير من الانتقام والعفو هو احد افضل الشمائل الاسلامية! يترفع الكرد عن الانتقام، ويتباهى به العرب، فشتان بين الثرى والثريا.
اذا كنت مضطهدا (بفتح الهاء) فتشعر بوطأة الاضطهاد، واما اذا كنت مضطهدا واقلية فتشعر بوطأة الاضطهاد مرتين لانك لا تجد من تلجأ اليه ليحمي ظهرك. فليس من الغريب ان نلاحظ استعلائية بعض الكتاب العرب مرة تلو المرة فهم لا يشعرون بشعور الاقلية رغم انهم كانوا مضطهدين سابقا، والاغلبية هي التي تخلق الاقلية وتشعرها بذلك. ولذلك ادعو الاستاذ خضير العواد ان يتصور نفسه كرديا ويحاول ان يعيش في محيط عدواني كما كان ايام العهد البائد حيث يشعره بالدونية ويهدد بقاءه كفرد وكشعب.
مقالات اخرى للكاتب