يكاد يُجمع الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه الإجتماعية على أن قضية حرية الأسرى من سجون الإحتلال هي أحد أهم انشغالاته التي شكـّلت عامل توحـّد بعيداً عن التجاذبات السياسية والفصائلية لما لها من انعكاساتٍ بالغة تطال صميم المجتمع الفلسطيني الذي تعرض حوالي ثلث مواطنيه للإعتقال منذ عدوان حزيران عام 1967 إذ لايخلو بيتٍ أو عائلةٍ إلا ونال أحد أبنائها ألأسر أو الإعتقال منهم من قضى مايربو على ثلاث عقود في السجون وأخرون ينتظرون ولا زال خمسة ألاف أسير يقبعون في زنازين الإحتلال بينهم مائتي طفل وعدد من الأسيرات ، غير أن محاكم الإحتلال لاتتمتع بالمعايير القانونية بوصفها محاكم عسكرية إحتلالية تصدر احكاماً عنصرية جائرة لامثيل لها في التاريخ المعاصر ، فضلا عن الإعتقال الإداري التعسفي دون محاكمات أو لوائح اتهام قد يدوم سنوات بشكل متواصل أو على فترات متتالية لا يفصل بينها سوى مدة قصيرة وربما بضعة أيام وفي حالات أخرى حوّلت سلطات الإحتلال العسكرية العديد منهم بعد انتهاء فترة حكمهم إلى الإعتقال الإداري دون توجيه أي اتهام تحت ذريعة الملف الأمني السرّي ضاربة بعرض الحائط كافة المواثيق والإتفاقيات الدولية والإنسانية وعلى وجه الخصوص اتفاقيات جنيف الأربع ذات الصلة بالأسرى ووضع السكان تحت سيطرة قوات الإحتلال إذ تعتبر هذه المحاكمات باطلة لا أساس لها وتشكل جريمة حرب من وجهة نظر القانون الدولي . لذلك فإن يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف السابع عشر من نيسان كل عام الذي تم ترسيمه قبل أربعين عاماً بقرار المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العادية عام 1974 م تكريماً لنضالاتهم وبطولاتهم التي أبلو بها هو يوم وطني بامتياز يتجسد فية العزم والإصرار والعنفوان الكفاحي للشعب الفلسطيني أينما تواجد للتمسك بالحرية والإستقلال التام وتحطيم الغلال على صخرة صمود الحركة الأسيرة التي أذهلت العدو قبل الصديق بمدى مقاومتها العنيدة وصلابة إرادتها من أجل انتزاع حقوقها من براثن الجلاد المُحتّل ، ان أهمية هذه المناسبة لاتأتي بكونها محطة من محطات النضال الوطني حسب إنما هي فعل متجدّد مستمر تستحق بذل كافة الجهود من أجل أن تبقى قضية الأسرى على سلم الأولويات الوطنية حتى إطلاق سراحهم جميعا دون قيد أو شرط أو تمييز باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية كفلت لهم كافة المواثيق والشرائع حق مقاومة الإحتلال بكافة الأساليب والطرق التي من شأنها إزالة الإحتلال ونيل الحرية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية إسوة بباقي الشعوب والأمم على وجه البسيطة ، لذا ينبغي تدويل ملف الأسرى خاصة بعد أن تم الإعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة وانضمامها إلى اتفاقيات جنيف الأربع ذات الصلة بحقوق الأسرى والسكان تحت الإحتلال حيث يحضون بمكانة أسرى حرب تنطبق عليهم كافة الحقوق المرعية . لقد أضحت نضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية نموذجا حصيناً يُحتذى به تنهل منه الأجيال الدروس والعبر عن معاني ثبات الموقف والتمسك بالحقوق والحرية ومواصلة الحياة الكريمة ماجعلها تنال إحترام شعوب العالم الحـُر نتيجة التضحيات الجسام التي سطـّرتها بالدماء الزكية على مذبح الحرية وقدمت خلالها أكثر من مائتي شهيد داخل سجون الإحتلال الفاشي نتيجة التعذيب والقتل المتعمّد أو جراء الإهمال الطبي الممنهج وكذا التصفية الجسدية أثناء عمليات الدهم والإعتقال ، وبالتالي استطاعت الحركة الأسيرة عبر نضالها الدؤوب إفشال أهداف السياسات الإحتلالية الرامية إلى تصنيفهم بالمعتقلين أو المجرمين الجنائيين حسب وصفها كما أخفقت محاولات التمييز بين الأسرى واللعب على وتر الإنتماء الفصائلي من أجل إضعاف جهودها وشق صفوفها ووحدتها وعزلها عن محيطها النضالي بكونها ركناً متقدماً من أركان الحركة الوطنية الفلسطينية لذلك حملت هموم شعبها من داخل أقفاص الظلام وأسهمت بتقديم وثيقة الأسرى للخروج من حالة الإنقسام الداخلي الطارئة بشكلٍ مبكر إحساساً منها بالمسؤولية الوطنية العالية والمخاطر المحيقة بالمشروع الوطني الفلسطيني ووعيها بأن هذه الحالة الغريبة عن تقاليد الشعب الفلسطيني خلال مسيرة الصراع الطويل لاتخرج عن سياق الفعل الإسرائيلي المستفيد الوحيد من بقائه لهذا ينبغي انهائه واستعادة اللحمة والوحدة في مواجهة المخططات الرامية إلى تقسيم الشعب والأرض على حدٍ سواء ، إضافة إلى ذلك تخوض ملحمة الصمود بالأمعاء الخاوية ضد وحشية الإحتلال وإجراءات مصلحة السجون من عزلٍ وإخضاع لكل أنواع التحقير والإهانة وتقييدهم بالسلاسل حتى لو كانوا مرضى على فراش الموت . لم تقتصر معاناة الأسرى عليهم وحدهم بل شملت عائلاتهم هؤلاء الذين ذاقوا طعم الأمرّين وذرف الكثير من دموع الأمهات والزوجات والأبناء حتى أضحى لكل عائلة رواية شاهدة تستحضر وحشية السجّان وعنصريته على مدى الدهر جراء سياسة العقوبات الجماعية والقهر والإذلال الذي تسلكه سلطات الإحتلال للإنتقام والنيل من عزيمة ذويهم وحرمانهم من الزيارات وتعقيدات الإجراءات والتفتيش التي تتنافى مع كافة الأعراف والقوانين الإنسانية ، لكنّهم يصنعون الحياة ويعلمون البشرية أن إرادة البقاء أقوى من ظلم الطغاة وبطشهم لأنهم أحرار لايعدمون الوسيلة رغم القيود ، فإذا كانت سلطات الإحتلال تستخدم الأسرى ورقة ابتزاز للمساومة في تمديد المفاوضات الجارية التي ينتهي أمدها نهاية الشهر الحالي بعد أن تنكرت لاتفاق إطلاق سراح الدفعة الرابعة ماقبل اتفاق أوسلو برعاية أمريكية بالرغم من عدم ارتباطها بنتائج المفاوضات وما يترتب عليها من نتائج ، فإن الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم الأسرى لن يرضخوا للقرصنة الإسرائيلية على حساب حقوقهم الوطنية والتاريخية في الحرية والإستقلال وتجسيد الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين والمبعدين قسراً إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها ، إن الوفاء للأسرى في يومهم الوطني يتطلب توحيد جهود المرجعيات المتعددة المتابعة لشؤون الأسرى على الصعيد الوطني كي لاتقع هي الأخرى فريسة الضعف والإنقسام والحسابات الضيقة التي من شأنها إضاعة البوصلة عن الغاية المنشودة لحرية الأسرى يوم العرس الكبير المنتظر فهو قريب أكثر مما يتوقع طغاة العصر .
مقالات اخرى للكاتب