أن الذي يحدد المحتوى النوعي ما بين (الدكتور ) و (الدكتاتور) ليس التقارب اللفظي بين الكلمتين وأنما المحتوى الإنساني وشتان ما بين الأثنين ولكن الواقع يشير الى غير ذلك في زمننا الحاضر وذلك عندما نسي أو تناسى (الدكتور) مهنته الإنسانية والتي هي رسالته أتجاه الإنسانية عامة دون أن ينظر الى الإنسان صغيراً أم كبيراً ,غنياً أم فقيراً ,أسود أم أبيً . فهو رسول الله الى الإنسانية ليخفف عن معاناتها ومآسيها خاصة وأنه ملزم بالقسم الذي أداه حين تخرج من كلية الطب وهو قسم الطبيب اليوناني أبقراط (460/377 قبل الميلاد) الذي حدد فيه مهمة الطبيب وواجبه أتجاه الإنسان والإنسانية حين قال (إني أقسم بالله رب الحياة والموت وواهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج….الخ) فطبيبنا كما يحلو لنا أن نسميه ، قد حول مهنته الإنسانية الى تجارة رابحة ، وأصبح ينافس التجار في سباقهم نحو المال والتجارة الرابحة فتجارة المرض لا تخضع الى تقلبات السوق وأرتفاع وأنخفاض سعر صرف الدولار خاصة ونحن نعيش في زمن أصبح فيه المرض ملازماً للفرد العراقي نتيجة ما يعانيه من ويلات الحروب والأرهاب وما أنتجته من مآس تقتضي من أطبائنا أن يضعوا مرضاة الله نصب أعينهم وأن يتساموا فوق كل مغريات المال . والثراء على حساب آلام الأخرين . فبدلاً من أن تمتد يده الرحيمة الى المريض حتى يخفف آلامه وهو ماسك سماعته الطبية. وضع في يده سوطاً يجلد به المريض .. وسوطه لا يفرق بين مريض غني أو مريض فقير. فسوطه فاق سوط (الدكتاتور) بشاعة , فنلاحظ أجوره المرتفعة والذي ليس فيها أستثناء بين غني وفقير وحسب موقع عيادته وسعتها والديكور الذي تحتويه وسكرتاريته التي تتقدمها سكرتيرته الجميلة التي تتمتع بدبلوماسية عالية في تعاملها مع مرافق المريض وليس المريض ,وتنظيمها لأدوار المرضى ودخولهم الى صالة الدكتور بعد أن تعقد الصفقات بين المرافقين للمرضى أيهم يدفع أكثر حتى تكون له الأولوية في الدخول الى الدكتور . وفي بعض الأحيان تأخذ من المريض أذا كان وضعه المادي جيداً أعلى من (كشفية) الدكتور أما المريض الفقير فله (الله) وينتظر الساعات الطويلة التي تزيد من سوء حالته الصحية .
هذا الذي ذكرته جانب أما الجوانب الأخرى فحدث ولا حرج فأن بعض الأطباء وسع عيادته ليضيف اليها مختبراً وصالة أشعة وسونار ومفراساً وصيدلية لا تحتوي إلا على الأدوية ذات الماركات الأجنبية فنلاحظ الدكتور يجبر المريض على أخذ أشعة أو سونار أو مفراس أو تحليلات مرضية في المختبر في حين قد يكون المريض لا يحتاج ذلك ولكن لا حيلة له .
هذا جانب أما أذا كان الدكتور لا يملك كل ذلك فأنه يتعامل مع مختبرات وصيدليات يجبر المريض على التعامل معها وليس غيرها على أن يجلب له ما أشتراه من أدوية وما قام به من تحليلات مختبرية ونتائجها .وهذا الدكتور عندما يتعامل مع هذه الصيدليات والمختبرات تكون له نسبة مادية من الإكراميات والهدايا العينية .
وهناك نوع أخر من الأطباء يستغل المريض عند مراجعته الى المستشفيات العامة الحكومية ويخبره بأن يراجعه الى عيادته لكي يفحصه بشكل دقيق وأذا تطلب الأمر تحليلات مرضية فأنه سوف يعطيه قصاصة ورق تكون له الاولوية في مراجعة المستشفى العام ويكون متفضلاً على المريض .
أما الدكتور الجراح فأنه يجبر المريض بصورة غير مباشرة على أن يعمل عمليته في مستشفى خاص وليس في مستشفى حكومي وذلك بعد أن يبين للمريض سوء صالة العمليات وأجهزتها .
كتبت هذا وأنا عندي بعض التصورات عن عمل الأطباء وهي أن الكثير منهم نسي أو تناسى الجانب الإنساني في مهنته ونكث بالعهد الذي قطعه على نفسه تجاه المريض وعندما قرأ قسم الطبيب اليوناني أبقراط قبل أكثر من الفين وخمسمئة سنة أحس أن أبقراط الذي يسمى (أبو الطب) وتلامذته الذين أقسموا على العهد هم أكثر إنسانية من أطبائنا. ولا أدري قد يكون هذا القسم نابعاً من الفلسفة اليونانية القديمة التي جعلت من الإنسان قيمة عليا وهدف عظيم .
فطبيبنا اليوم في العراق يمارس سلطته على المريض وخاصة طبقة الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة بشكل أبشع من سلطة (الدكتاتور) فالإنسان قد يكون مخيراً في وجوده تحت سلطة الدكتاتور ورفضه لهذه السلطة أما المريض فأن مرضه يجبره على الأستسلام لإرادة الدكتور شاء أم أبى ذلك والمثل الشعبي يصف حال المريض (أشوازاك على المر غير الآمر منه) أن الذي يدفع الأطباء الى ممارسة هذه الأساليب هو فشــل الدولة في وضع تأمين صحي جيد ضامن للمجتمع وحمايتهم من جشع الأطباء مع وضع الضوابط التي يجب أن تلزم الطبيب بأداء واجبه على أكمل شكل أتجاه الإنسان . ولكن أقول (لـــو خليــت قلبـــت).
مقالات اخرى للكاتب