بعد سلسلة من المطارحات والمهاترات والقاء الحجج ما بين طرفي النزاع ، الحكومة المسمات بالأتحاديه من جهة وما بين جماهير المحافظات المعتصمه منذُ أربعة أشهر تقريباً ولم يتوصل الطرفان الى اتفاق ناجز بحيث اتسعت برفع الشعارات وتطرّفت وتطرف الجانب الحكومي المركزي بالتهديد والمجابهة المباشره لنفاذ (حلمه) اذا لزم الأمر . ونتيجةً لذلك أن أصبحت الحويجه يطلق عليها بالقضاء الشهيد نتيجة ما وقع فيها من قتلى متعمد ، والتحقيق لازال قائماً لمعرفة الأسباب رغم تقارير لجان التحقيق المثبته ، بحيث وصل الأمر الى عرض القضيه على المحاكم الدوليه . وهناك الأستعدادات قائمه بين الطرفين في أي لحظة . بادر الشيخ السعدي (بنوايا حسنه) كما سميت مبادرته بأن يعقد اجتماع تحاوري في حضرة الأمامين العسكرين (ع) في سامراء مع الطرف الحكومي وعلى أساس ثلاثة محاور يتم النقاش حولها تجنباً للمضاعفات المحتمله ،ووأد الفتنه الطائفيه في مهدها .ومن جملة هذه المحاور ،اعتبار من سقط من الضحايا في ساحات الأعتصام شهداء ويستحقون التعويضات . والثاني اعتبار مطاليب المتظاهرين ( جميعها مشروعه) والحكومه يجب أن تنفذها .وأخيراً عدم المقاضاة (حالياً ومستقبلاً) للمتظاهرين تحت أي ذريعه . هذه المحاور لاأريد تحليلها والدخول في تفاصيلها وكل ما في الأمر يقال بأنها (نوايا حسنه) قابلة للحوار وليست مطلقه بهذا الشكل على طريقة(نفذ ثم ناقش). ولأن الموضوع جميعه فيه نوع من الأحراج ، وربما نقاشه مع الطرف الحكومي قد يفضي الى اتفاق اذا كانت (النويا الحسنه)حسنه عند الطرفين . أما تسرع الطرف الثاني بالرفض والمتمثل بالوقف الشيعي وامتناعه الجلوس في حضرة الأماميين (ع) لأنه مكان عباده وليس مكان للمساجلات السياسيه ، فهذا أمر مرفوض لأن جلسات الحوار المطلوبه لم تُقر داخل المرقد المطهر مباشرةً وانما الكلام داخل جغرافية الصحن الشريف وربما في غرفة مسؤول العتبه المقدسه والمسمى بديوان (الكليدار) ، كما كان يحصل في السابق من خلافات بين مسؤولي الدوله والمعارضه أيّن كانت في حضرة الأمام علي (ع) ، ولاغيض في ذلك . ونذكر حالتين وقعتا في الزمن القريب والبعيد وأنا شاهد على الزمن القريب بكل وضوح . نادت المرجعيه الدينيه والمتمثله أنذاك للمرحوم السيد محسن الحكيم الى تجمع جماهيري في الصحن الحيدري الشريف من أجل استنكار مشروعات عبد الكريم قاسم وأهمها (قانون الأصلاح الزراعي) وقد وقف الخطباء للتنديد به .فقام خطيب المنبر الحسيني الشهير والمفوه المرحوم السيد جواد شبر(1) مستنكراً وبحماس وقامته متوجه صوب المرقد الشريف يخاطب الأمام علي (ع) بالحرف الواحد ( ياعلي وألله ضاقت صدورنه) .وهو يريد التخلص من هذه التشريعات واشارات واضحه الى الحزب الشيوعي العراقي .وهكذا توالى الخطباء من آل بحر العلوم والجماهير (المتدينه) وأغلبهم من طلاب العلوم الدينيه يصرخون تأييداً للمرجعيه .ألا يعتبر ذلك تجاوزاً على هذا الحرم بهذا الصخب السياسي وعلى لسان المرجعيه أم لا ؟ . هل هذه عباده وتشريعات محمديه ؟. والثاني عندما تحول الصحن الحيدري اثناء الأنتفاضه العارمه عام 1990 بعد خسارة العراق في احتلاله لكويتنا الى مقر للمعتقلين وتعذيبهم . واذاعة لاسلكيه تم نصبها في احدى غرف الصحن تُبث منها أخبار ونشاطات الأنتفاضه .اضافه الى تحويل احدى الغرف الى مركز صحي ميداني للجرحى الذين يصابون اثناء المعارك مع الجيش العراقي وبأدوية مسروقه من المراكز الصحيه الرسميه !. فماذا تقول المرجعيه الأن بهذه الأخبار . وأمثلةٌ كثيره مرّتْ على هذا الصحن الشريف وكلها تدور حول الأمور السياسيه والأجتماعيه يطول ذكرها تماماً . ولنعود الى الماضي لنضرب المثل التأريخي الواقعي المشابه لما يريده الشيخ السعدي .وفي هذه المره في مسجد الكوفه المعظم والذي يعتبر أحد المساجد المقدسه بعد المسجد النبوي الشريف وفيه مرقد سفير الحسين (ع) مسلم بن عقيل الذي استشهد على يد ابن الزانيه عبيد ألله بن زياد بن سميه .اضافه الى قبر المختار الثقفي رضوان ألله عليه .ناهيك الى محراب الأمام علي (ع) ومقامات الأنبياء وأيمتنا الأطهار .ففي عام 1156 ه كما أورد السويدي في كتابه ( حديقة الزوراء) عند كلامه عن الصلح الذي جرى في ( مسجد الكوفه) بين الملك نادر شاه ونائب عن والي بغداد واسمه(أحمد باشا) والذي تم بموجبه اقرار المذهب الجعفري ، كمذهب خامس من بين المذاهب الأسلاميه الأخرى ، مقابل ذلك يرفع السب عن بعض الصحابه .وقد كُتب (محضراً) وقعه كل من وفد الشيعه والطائفة السنيه يوم24 /شوال / 1156 ه .وقد وقع على المحضر أشراف النجف وكربلاء ومن رجال مدينة الحسكه . فالشيخ السعدي لم يبتكر هذا المكان للاحراج ولم يحدد أي زاويه من زوايا الصحن سيكون اللقاء ولا كان يقصد اجراء مباريات في الملاكمه أو المبارزه بالسيوف ( هل من مبارز ؟) مع أي طرف .وانما أراد حقن الدماء وليكون هذا المكان المقدس للجميع شاهداً على القرارات . فما الداعي ياوكيل الوقف الشيعي الملا سامي المسعودي ترفض الفكره علزياً ذلك الى عدم موافقة المرجعيه الدينيه والمرجعيه لم تكن في يوم من الأيام تُمثل النبوه والأمامه ومعصومة من الخطأ سواء من هذه الطائفه المسلمه أو تلك(2) أسأل ألله أن يهدي الجميع الى ما فيه خير المسلمين وتحقيق النوايا الحسنه .بسم ألله الرحمن الرحيم ( ولقد خلقنا الأنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب أقرب اليه من حبل الوريد ) ( سورة ق/ آية 16 )
السويد / فلاح حسن الجواهري 18 / 5 / 2013
الهوامش
ــــــــــــــــ (1) تم اعدامه في عهد النظام السابق ولم تُسلم جثته الى ذويه لأنكار الجهات الأمنيه بمعرفة مصيره وتم مصادرة مكتبته العامره النادره .
(2) جنود الأحتلال الأمريكي دخلوا الصحن الحيدري للتفتيش عن مقاتلي جيش المهدي . ومدرعات (الهمر) واقفه تطوق مداخل الصحن الشريف والمرجعيه غير بعيده عن الصحن مكانياً .وأدخلت الأسلحة الناريه والبيضاء الى الصحن وتم قتل كل من السيد مجيد الخوئي وكليدار الحضره المرحوم السيد حيدر حسن الرفيعي ومثلت بجثتيهما في بداية الغزو . فأين المرجعيه من ذلك الحرم الأمن ؟ .
مقالات اخرى للكاتب