ان جميع الخيارات الاربعة التي طرحتها المعارضة الشعبية (المتظاهرين) وقيادتهم السياسية والدينية لن تنجح ولا يمكن تحقيقها في الوقت الراهن، بل ان بقاء المالكي على سدة الحكم حتى انتخابات 2014 التشريعية امر لا حاجة للنقاش فيه ، خصوصا ان هناك من يتكلم بجدية وثقة عن سعي المالكي للبقاء في على رأس السلطة حتى 2018.
اذن كيف يمكن لمعارضي سياسة رئيس الوزراء الاتحادي نوري المالكي الاطاحة به من على سدة حكم دورتين كرئيس للوزراء وبشكل سلمي وبدون المرور بالخيارات الاربعة التي طرحت في ساحات الاعتصامات؟ علما ان فترة بقاء المالكي في السلطة وهي الفترة الاطول لاول رئيس وزراء اتحادي للعراق بعد الاطاحة بنظام صدام حسين السابق.
ان غالبية المعارضين لنهج المالكي يختلفون مع سياساته "التهميشية والاقصائية والاحيادية في تطبيق الدستور وتنفيذ القانون وتغليب المماطلة والتسويف على تفعيل الاتفاقيات وشق الصفوف والتأجيل المستمر للوعود واللعب على عامل الزمن" وليس على شخص رئيس الوزراء.
لذا فان الاعتراض على سياسية المالكي ومنهجه هو الاساس في المطالبة لاستبداله او اجراء انتخابات تشريعية مبكرة كما اقترح رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي.
رؤية مشتركة وهدف واحد..
للعمل على ازاحة سلطة المالكي ومنع تكرار نهجه وادائه الحكومي مستقبلا سواءً من قبله او من قبل اي شخصية سياسية تتولى مقاليد الحكم في العراق الجديد لابد على المعارضين اولا ان يتوصلوا الى اتفاق جماهيري فيما بينهم يعكس رؤية جماعية مشتركة لتحقيق هدف سياسي واحد الا وهو تشكيل كيان سياسي واسع الجمهور وله ثقله الشعبي داخل البيت السياسي العراقي .
ولابد ان يتم تشكيل هذا الكيان السياسي بالاعتماد على المطالب المشروعة دستوريا فقط ودون الاصرار على اهداف مرحلية او تخص شريحة معينة من المواطنين العراقيين،علما ان تكوين هذا الاتفاق الجماهيري واضحة ومتيسرة من خلال التنسيق المشترك الذي صاحب الاحتجاجات في خمسة محافظات بينها ثاني اكبر محافظة بتعداد السكان وهي نينوى فضلا عن الانبار وصلاح الدين وديالى واجزاء من محافظة كركوك،ناهيك عن اجزاء واسعة من العاصمة بغداد.
وبعد تحول هذا الاتفاق الجماهيري الى كيان سياسي منظمم ومؤمن بالعملية السياسية تكون قد ولدت قوة سياسية كبيرة ذات بعد اجتماعي واسع الطيف بامكانها التأثير على مجريات العملية السياسية في العراق التي ستشهد انتخابات تشريعية في العام المقبل.
الانفتاح على الاخرين سر النجاح..
وبعد ان يبدأ الكيان السياسي الجديد بالولوج الى العملية السياسية في العراق لابد ان يجذب شركائه من الاطراف السياسية الاخرى اليه وخصوصا في الشمال والوسط والجنوب وباقي الاحزاب والقوى السياسية التي همشت ايضا جراء سياسة الحكومة الاتحادية طوال السبعة سنوات الماضية وما قبلها.
لكن ما سر نجاح الانفتاح هذا وكيف يحقق المعارضين من جمهور المحافظات الغربية وجموع المتظاهرين الذي ينتمون اليها رؤيتهم المشتركة وهدفهم الوحيد؟ الهدف الذي لايتجاوز فكرة وصول حاكم ان لم يعطيهم كل مايريدون فعلى الاقل لن يضمر لهم العداء ويقصيهم دون عواقب جسيمة تواجهه .
ان سر نجاح الانفتاح على الاخرين في شمال ووسط وجنوب العراق وتشكيل الكيان السياسي الواسع الطيف في المحافظات الغربية هو الاعداد والتمسك بأختيار مرشح تجتمع فيه المواصفات الدستورية والتوافقية لتولي منصب رئيس مجلس الوزراء الاتحادي بالمشاركة في اختياره مع القوى السياسية الاخرى.
لازاحة المالكي لابد من دعم منافس "شيعي" اخر
ان فكرة دعم معارضي سياسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي لمرشح اخر من نفس المكون الذي ينتمي اليه المالكي لا تلاقي الرفض خصوصا ان القيادات السياسية "السنية" في تلك المحافظات الخمس طالبت مرارا التحالف الوطني الذي ينتمي اليه المالكي بأستبداله بشخصية من نفس المكون "الشيعي"،مما يدلل على ان فكرة دعم مرشح "شيعي" معارض لسياسية رئيس الوزراء الحالي مقبولة وتلاقي دعما من قبل المكون السني ،حيث تظهر الصورة جلية ان دعم المكون السني لمرشح شيعي لرئاسة الوزراء هو الطريق السلمي الوحيد لاستقرار النظام السياسي في العراق (خصوصا في هذه المرحلة الحرجة اقليميا) شريطة مقبولية التحالف الكردستاني وعلى الاقل نصف التحالف الوطني .
وبشكل اكثر تفصيلا فان دخول هذا الكيان السياسي "السني" الانتخابات التشريعية في 2014 وبقوة جماهيرية منظمة وبالتنسيق مع حلفائهم في دعم شخصية تجتمع فيها المواصفات الدستورية والتوفقية التي رسخت بعض المفاهميم عن (قومية ودين ومذهب) من يتولى رئاسة الوزراء سيتيح لهم ان يساهموا بشكل كبير في تولي هذه الشخصية لمنصب رئاسة الوزراء والتي لن تكون قادرة على قلب الطاولة عليهم من جديد.
لكل كل ذلك يحتاج الى ان يتم الاتفاق ما بين الكيان السياسي "السني" الجديد مع الاطراف الاخرى على اصل القضية ومن ثم المقبولية من قبل القوى السياسية الشيعية المتمثلة بالقوى السياسية التابعة للزعيمين عمار الحكيم ومقتدى الصدر الذين اخذا يتقاربان بشكل كبير فيما بينهما خصوصا بعد انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم 2013 والتي يمكن اعتبارها مقدمة سياسية مهمة للانتخابات التشريعية المقبلة.
ان التناغم السياسي بين الحكيم والصدر يعطي دلالة واضحة على انهما لن يسمحا لائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاتحادي الحالي نوري المالكي بأن يهمين على المشهد السياسي مجددا.
بل ان المعطيات والتفاصيل الدقيقة لمواقف الحكيم والصدر التي رافقت الاحتجاجات في المحافظات الغربية وتصعيد الخلافات بين حكومة المالكي وحكومة اقليم كردستان كلها تؤكد على ان ائتلاف دولة القانون كان يحارب بشكل منعزل ولم تسانده هاتان باقي القوى السياسية الشيعية والتي حققت نسب كبيرة من مقاعد مجالس المحافظات اعتمادا على رغبتهما في تغيير ملامح المشهد السياسي الذي يطغي عليه بروز هالة ائتلاف المالكي "دولة القانون".
وما يعزز فرصة الانسجام والتنسيق بين الكيان السياسي السني و القوى السياسية التابعة للحكيم والصدر بغض النظر عن (اختلافهم مع سياسة المالكي) هو حصولهم على اكثر من 100 مقعد بواقع (60 مقعدا لكتلة المواطن التي يتزعمها السيد عمار الحكيم و44 مقعدا للكتل السياسية التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر) في انتخاب مجالس المحافظات.
الكرد مع العراق الجديد لا مع المالكي ..
ولابد من الاشارة الى ان جميع القوى الكردستانية تتفق على وجوب ادارة العراق وفق منهج معتدل يعطي انطباعا واضحا عن رفض سياسة الاقصاء والتهميش لاي مكون من مكوناته فضلا عن تعزيز السلم المجتمعي وعدم اتباع سياسات النظام السابق في النهج الحكومي الاتحادي.
كما سارع قادة ونواب الاحزاب الرئيسية في اقليم كردستان للتحذير من عقلية الاحتكام إلى الدبابة والطائرة واستخدامها ضد أبناء الشعب العراقي في اكثر من مناسبة.
حيث تصر القيادة السياسية في اقليم كردستان على ضرورة دعم العملية السياسية في العراق الجديد والتداول السلمي للسلطة ومنع احتكار السلطة من قبل مكون واحد او حزب واحد او محاولات القفز على الدستور العراقي و نسف الاسس التي اعتمدت في العراق الجديد وابرزها الشراكة الوطنية وعدم ربط العراق بمصير حاكم مستبد.
ان هذه المواقف لدى القوى السياسية في الاقليم تفتح الباب على مصراعيه لبلورة موقف سياسي جديد اكثر ضمانة وصون لحقوق جميع مكونات الشعب العراقي ويدعم استقرار العراق كدولة من منزلق التقسيم العرقي والطائفي او الحرب الاهلية مع الحفاظ على مكتسبات المتحققة .
مقالات اخرى للكاتب