لقد تحدثنا مع السياسيين كلهم على اختلاف تنظيماتهم الحزبية وتوجهاتهم الأيديولوجية, وناقشنا الفقهاء ورجال الدين على اختلاف ألوانهم وأطيافهم ومذاهبهم ومشاربهم, وتحاورنا معهم وجها لوجه بالعقل والمنطق والأدلة الدامغة, أو عبر صفحات الصحف المحلية والإقليمية, أو عبر المنتديات والفيس بوك وفي الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية, فلم يعلموننا حتى الآن بهوية العصابات التي تقتلنا بالجملة, وتنسفنا بالجملة, وتذبحنا بالجملة ؟, ولم يعلموننا حتى الآن لماذا ألقت بثقلها التفجيري في المدن العراقية ؟, ولماذا جربت منتجات صناعة الموت بأطفالنا وشيوخنا وفقراءنا ؟. .
قالوا لنا: إنها عصابات طائفية شديدة التطرف, فصدقناهم, لكننا اكتشفنا إن ضحايا أي تفجير كانوا في معظمهم من السنة والشيعة, فالشهداء الذين سفكت دمائهم فجر هذا اليوم (16/حزيران/2013) في البصرة والناصرية والكوت وبابل وبغداد كانوا من الشيعة والسنة, وإن الأرواح المئوية التي زُهقت ظلماً وعدواناً في شارع عبد الله بن علي بالبصرة, كانوا من السنة والشيعة على حد سواء, وهكذا جرفت بلدوزرات التفجير كل العراقيين الذي كانوا في طريقها, لا لشيء إلا لأنهم ينتمون للعراق. .
ثم قالوا لنا: إنما التفجير بالنيات, ولكل مُفجِّرٍ ما نوى, وان المحصلة النهائية لحصاد التفجير تعتمد اعتمادا كليا على نية القائم بالتفجير, وإن تحديد مصير الضحايا بعد الممات, فيما إذا كانوا سيذهبون إلى الجنة أم إلى النار, يقع بيد الإرهابي الذي قام بالتفجير بموجب التفويض الإلهي الذي حصل عليه من الأوكار الشريرة التي ينتمي إليها, وهكذا كان العراقيون وحدهم هم الفريسة المُستهدفة بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية. .
لم يكشف لنا رجال السياسة عن نوايا المنظمات الغامضة, التي تقف وراء مسلسل التفجيرات, التي عصفت بالعراق على مدى السنوات الماضية وحتى يومنا هذا, ولم يفسر لنا رجال الدين الأفاضل سر هذه الحملات التفجيرية التي قتلتنا كلنا, لكننا اكتشفنا متأخرين إن الحقد الدفين الذي حمله الأراذل في قلوبهم المريضة ضد العراق وأهله, هو الذي استنفر كلابهم المسعورة, وهو الذي وجهها نحو العراق وحده, وإنهم صاروا اليوم أكثر وضوحا وصراحة, عندما سقطت أقنعتهم في عواصم دول الجوار, فتبجحوا بذبح الأطفال, وتفاخروا بأفعالهم الوحشية الخسيسة أمام شبكات الإعلام العالمية, وزعموا إنهم يعملون بتفويض سماوي يبرر قتلهم لنا, ويسمح لهم بذبح أطفالنا بخناجر الحقد والكراهية من الوريد إلى الوريد, وهذه هي الحقيقة المفزعة التي لن يخفيها غربال النفاق السياسي, فلا تكذبوا علينا بعد الآن, ولا تضحكوا علينا وعلى الأرواح البريئة الطاهرة التي رحلت عنا اليوم في المجزرة الأخيرة من المسلسل الهمجي الدامي. . والله يستر من الجايات