يتباهى القادة المتدينون في مواقع السلطة بالحماقة القائلة أن العراق هو البلد الأكثر تديناً بين شعوب الشرق، الأمر الذي عزّز من أوهامهم في نيل المزيد من الحظوة، عبر الاستعانة بالمشائخ لتمرير الفتيا بعدم جواز الخروج على السلطان، حتى وإن كان ذلك على شكل تظاهرات أو اعتصامات. مما يهدد بجعل أدران السياسة نفسها تطفو على السطح وبالتالي يكون العراق أكبر مقبرة للأموال المختلسة.
إلا أن دهاقنة السياسة هؤلاء لم تعجبهم فكرة أن العراق، ومن جهة أخرى، يتصدر قائمة البلدان الأكثر فساداً بين الأمم! وبدلا من الاكتفاء بالصمت من أجل نهب المزيد، بدؤوا بالزعيق والسخرية من التقرير، وهم بذلك إنما زادوا من سعة الفرجة على البالوعة الأكثر نتناً من أي شيء. واتضح فيما بعد أنهم لن يقفوا عند الحدّ الذي صار بإمكان أضخم مبلغ من المال أن يتلاشى في العراق فجأة، تماشياً مع قبول السياسي بمبدأ (شعرة من جلد خنزير) الذي لا يختلف اثنان منهم على تطبيقه إذا ما تعلق الأمر بنهب خزينة الدولة والسطو على حقوق الفقراء.
سياسيو المرحلة الحالية المتدينون يعرفون من أين تؤكل الكتف، خصوصاً قبل الانتخابات بشقيها البرلماني والمحلي، وفي بلد أُخذ بصيت التديّن، وهو في الحقيقة خلاف ذلك، إذ ينطلق أكثر الذين يعيشون فيه من مفاهيم قد يبدو ظاهرها متمسحاً بالدين، على نحو المراءة، وما زالت تربطه بالله وبالرموز علاقة عامة ظاهرة للعيان، خصوصا في المناسبات الدينية، لذلك نراه مغرماً بالفتوى (الجهاد من قبل، والبيعة حالياً) الفتوى التي لا علاقة لها بغسل الجنابة والنكاح ومبطلات الصوم، بقدر ما تظهر علاقتها الوطيدة بإعادة انتخاب (ابن الملة) حتى وإن كان سارقاً.
أما في اللبّ، أو في الباطن، فيبدو على غير تلك الشاكلة، إذ ينظر إلى المؤانسة والإمتاع في الحياة على طريقة (خائنة الأعين)، وسياسيو المرحلة الحالية يعولون على الشطر الأول، بعد الترهيب من العدو التقليدي، ووضع المرء على المحك بشأن العودة إلى الكبت والمنع.
في كل الأحوال، لن يفرح السياسي العراقي المتدين إذا ما تصدى أحد التقارير غدا إلى ظاهرة جديدة تنبت في وسط المجتمع العراقي، وهي الاستماع إلى الموسيقى!
مقالات اخرى للكاتب