العراق تايمز: كتب ماجد الشمري..
ترددت في الأعوام القليلة السابقة فكرة أو (دعوة) إلى التجديد في الخطاب الديني (الإسلامي) بشكل خاص ومن باب معرفة مقتضيات هذه الدعوة وما يمكن أن يشمله هذا التجديد سواء على الدين كمنهج حياة وسلوك بين الإنسان وخالقه أو على المستوى الخارجي (الاجتماعي) الذي يرتبط به الإنسان مع محيطه من أبناء الدين نفسه أو باقي المجتمعات غير المسلمة .
فبعد إحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ظهرت هذه الدعوة على أوجها وبشكل ملح بعد إن اكتملت الصورة الذهنية التاريخية (المشوهة) عن الإسلام ومعتنقيه والتي سبق إن زُرعت أدوات هذه الصورة في العقلية الغربية على المستوى السياسي والاجتماعي الثقافي معاً . فمن ناحية المسلمين أنفسهم فقد وجدت هذه الدعوة صداها على مستوى محدد لم يرتق إلى الطموح المرجو والمخطط له بناءاً على النتائج التي يتوخاها القائمون على هذا التجديد . لان هذا التجديد سيصطدم بجار المصالح والمؤسسات النفعية التي بنت عملها وتنظيماتها على بيئة مشوهة داخلياً مع احتفاظها بشكل خارجي منمق . بالإضافة إلى ما يدعوا إليه الغرب و بعض العلمانيون من حذف و تغير و تبديل للدين بدعوى القضاء على الإرهاب و التطرف أو بدعاوى الحداثـة كما فعلوا فيما يسمى بمصحف الفرقان الحق و هو مصحف قد حذفوا منه الكثير من الآيات مثل آيات الجهاد و الولاء و البراءة و صفات اليهود و قد ظهر هذا المصحف في الكويت و الإمارات و مثل هذا و إن كان يحمل نفس العنوان و هو تجديد الخطاب الديني إلا أنه باطل و هذا ما جعل بعض المسلمين ينظروا إلى الدعوة لتجديد الخطاب الديني بتحفظ و قلق شديد . أما الطرف المقابل (المتشدد) فكرياً أو سلوكياً فيريد أن يضيق على الأمة ما وسع الله و يعسر عليها ما يسر الله وهو مستعد أن يعادي العالم كله و لا يتسامح مع مخالف له مسلما أو غير مسلم و يعتبر كل تجديد للخطاب الديني تحريف و كل إعمال للعقل نقص إيمان يجب تحشيد الطاقات وكل الوسائل لأجل قمع هكذا توجه .
أما جوهر التجديد لدى المؤمنين به والعاملين على تثبيته كضرورة للحياة فيقول المرجع المجدد الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) التجديد ضرورة لأنه من سنن الحياة فلابد أن تجري، ومن لا يتجدد تخلفه الحياة ويصبح ميتاً أو جزءاً من الماضي، كالماء الراكد فإنّه يفسد ولكنه يحيى ويتجدد بالجريان (1) ويقول الأستاذ محمد يونس في كتابه التجديد في الخطاب الإسلامي (التجديد لا يعني تغييرا في جوهر الدين أو أصوله، إنما يعني إعادته إلى النقاء الذي كان عليه يوم نشأته، حيث الأصالة الفكرية لأركانه وثوابته، أي تجديد الإيمان به والالتزام بتعاليمه الصحيحة، بعيدا عما قد يعتريها من شوائب، ومن ناحية أخرى يعني تجديد الدين القدرة على استيعاب مستجدات العصر، وما يحمله من قضايا لم تكن معروفة من قبل، وتحتاج إلى بيان موقف الشريعة منها، ويتم ذلك من خلال الاجتهاد، سواء كان فرديا أو جماعياً (2) أما المواضيع التي استوجبت إيجاد تطوراً في الفهم أو في الخطاب الديني فيقول الأستاذ محمد يونس عنها هي (القضايا والمشكلات المعاصرة التي تحتاج إلى إجابات فقهية وتقع في منزلة التجديد، ومنها المسائل المتعلقة بتحرر الأمة من السيطرة الأجنبية، واستعادة حريتها واستقلالها وعزتها، ومنها مشكلة عدم وحدة الأمة وتمزقها إلى دول بالعشرات، وما الإستراتيجيات المناسبة، التي توصلنا إلى هدف الوحدة وهناك أيضا مشاكل الأمة التي تتعلق بالتنمية، وردم الهوة بينها وبين العالم المتقدم في مجال الصناعات والتقنيات وتطوير العلوم، إضافة إلى مشكلات حول العدالة الاجتماعية، وكرامة الإنسان، والشورى وعلاقة الحاكم بالشعب، وغيرها من القضايا، التي تحتاج إلى إجابات تجديدية فقهية (3) بقي على الساعين لإنضاج هذه الدعوة بصورتها الناصعة أن يعوا أمرين الأول ضرورة التجديد في أدوات و وسائل هذا الخطاب على مستوى المنهج المطروح وهذا ما طرحه سماحة المرجع المجدد الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) بقوله (قِدَم المناهج الدراسية حيث تتضمن كثيراً من الأفكار البالية التي كُتِبت لتعالج قضايا في وقتها لم يعد لها وجود بعد إن نضجت العلوم وتقدمت (4) والثاني في فهم الأدلة التي استعملها السابقون ومحاولة قراءتها بصورة الواقع و إعادة تفعيل دور الإعلام والخطاب المباشر كالندوات الثقافية ومنابر الجمعة والمناسبات الدينية والاجتماعية والمؤلفات الفكرية والعلمية من اجل تحقيق تربية الجماهير على الاهتمام بأمور المسلمين في العالم كله و التركيز على ما يجمع الشمل ويؤكد الوحدة بين أبناء الأمة و توظيف الأحداث الجارية لتوجيه الرأي العام لإصلاح الأمة وتوحيد الخطاب في القضايا الكبرى منعا للتشتت والتنازع وترتيب الأولويات في الخطاب استفادة من فقه الأولويات وبالتالي عكس نماذج وأفكار للتجديد تتناسب ومتطلبات الحاضر والمستقبل بدون أن تهمل الموروث الإسلامي ولكن بشكله الناصع الذي يخلو من التشدد أو التسطيح المقيتين . وبعد ثورة المعلومات وتوفر وسائل الاتصال السريعة يمكن أن تُستثمر هذه الأدوات كوسيلة للخطاب غير المباشر من خلال التواصل بين المجتمعات وإيصال الأفكار بطريقة سلسلة وحضارية بعيدة عن التعقيد أو التمنطق الزائد.
كثيراً ما تناولنا مفردة القائمون على دعوة التجديد في الفكر الديني فمن هؤلاء يا تُرى ؟ لان هذا العنوان الفضفاض قد يشمل من هم خارج دائرة المعرفة والاختصاص وبالتالي سيعاني التجديد نفسه من أزمة ثانية تبناها هو بطريقة غير إرادية ! فعندما كان الدين مجموعة قواعد وأصول يتمثلها الإنسان في حياته لتنعكس سلوكاً تربطه بخالقه من جهة وبمجتمعه من جهةٍ أخرى، فلابد من وجود حفظة لهذه القواعد (العلماء حصون الإسلام) ولابد من وجود راعيين لهذه الأصول كي لا تكون عرضة لتلاعب المتربصين وهمة الجهلاء المتحمسين . إننا نؤمن بان العلماء العاملون أهل الخبرة والممارسة ومن شُهد لهم بالإمكانية والقدرة العالية في تشخيص أدوات الشريعة بادلتها المعتبرة والذين عاشوا بين ظهراني الأمة هم من يجب أن يقوموا بهذا التجديد وهم وحدهم المسئولون عن صناعة أفكار التجديد ورعاية أهلها وطرحها للأمة شكلاً ومضموناً لان العالم بملابسات واقعه يستطيع أن يحدد الأخطاء ويضع لها علاجاُ فـــ (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) عندها سيكون هذا التجديد أو التطوير تحت أيدٍ عارفة متى تتحرك ومتى تقف وعالمة بحال الأمة وما يصلح شانها والاهم معرفتها كيفية صناعة عقلية ناضجة تتمكن فيها الأمة من تشخيص أمهات العلل التي يوضحها المرجع المجدد الشيخ محمد اليعقوبي بقوله (توجد فيه علل كثيرة منها عدم كفاءة كثير من المتصدين ،وجهلهم بمسؤوليتهم وعدم الفطنة إلى حقيقة ما يجري وما يتلقونه وما يلوكونه بألسنتهم ومنها الانفعال والعاطفية ومنها التخندقات والفئوية ومنها الأدلجة وعدم الحيادية والموضوعية، ومنها تجهيل الناس واعتماد الخرافات وأضغاث الأحلام وحكايات العجائز مضافاً إلى ابتلاء البعض بالعقد والأمراض النفسية تجاه أشخاص أو جهات فيتخذ من الخطاب وسيلة لإظهارها (5) والسعي إلى معالجتها بدون أن تهدر الأمة كل طاقتها في معالجة الشكليات التي زرعها دعاة السكون والهدوء المغلف بالصلاح والسكينة ، وبالتالي ستظهر هذه الدعوة كل المتناقضات التي عاشها المجتمع .أما الإعلام العام فسيقف بالضد ويكتفي بالإعراض عن إظهار هذا التجديد بكل صوره الذاتية والموضوعية لحقيقة إن الإعلام ألان هو صناعة تملكه رؤوس الأموال الجبارة التي تعود بولائها وتنظيمها لتلك الجهات التي تمارس ضغطاً وتشويشاً موجَهين إلى الجهات الساعية للتجديد والراعية له ، فلا نأمل من الإعلام الإنصاف لان اغلب من يرعونه هم من المؤدلجين فكرياً والممغنطين سلوكياً .
فنأمل أن تظهر نتائج كل تجديد لدى المفكرين والمتابعين للإحداث بعين صافية والذين يعول عليهم أيضاً في رفد هذه الحركة المباركة بكل جديد وهادف سعياً منهم في صناعة رأيـــاً عاماً يحاذي الرأي الأخر المتكاسل
---------------------------
(1) في لقاء متلفز معه
(2) في كتابه التجديد في الخطاب الديني
(3) نفس المصدر السابق
(4) في كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية
(5) نفس المصدر السابق