أجمل ما في الاتهامات والاتهامات المضادة بين أعضاء مجلس النواب أنها تتيح لنا، نحن أبناء الشعب المغلوب على أمرهم، التفرج بالمجان على عروض "سكوب" وملونة يلعب فيها دور البطولة هؤلاء الذين يُفترض انهم الممثلون "الأمناء" لنا في قيادة الدولة.. عروض تحكي لنا كيف يعيش نوابنا، وكيف يفكرون، وكيف يتصرفون، وكيف يصرفون رواتبهم ومخصصاتهم المُغالى فيها على نحو فاحش.
أحدث هذه العروض هو ما يجري الآن بين النائبين عن دولة القانون حنان الفتلاوي وكمال الساعدي من جهة، والنائب عن كتلة الأحرار جواد الشهيلي من الجهة الأخرى.
يهمني اليوم بالذات ما نُشر أمس نقلاً عن الساعدي الذي أعرب عن استغرابه من تصريحات الشهيلي حول علاجه (الساعدي) على نفقة مجلس النواب.
الاخبار أفادت بان الساعدي قال في بيان "إنني مستغرب من مزاعم الشهيلي والادعاء بأن تكاليف علاجي كانت على نفقة مجلس النواب بالرغم من تقديمي طلباً رسمياً الى رئيس البرلمان اسامة النجيفي الذي وافق بدوره على إعطائي قرضاً علاجياً وتأكيداً على ذلك عدت وقدمت الوثائق الرسمية التي تثبت تكاليف ذلك العلاج". وأضاف ان "تلك التكاليف تستقطع شهرياً من راتبي فأين المخالفة وأين الفساد في ذلك؟".
لستُ معنياً بما اذا كان الحق مع الساعدي أم مع زميله الشهيلي، لأن حكماً كهذا مني يقتضي التوفر على أدلة وبراهين تثبتها وثائق، ومشكلتنا الأكبر، نحن الصحفيين والاعلاميين، اننا في دولة بينها وبين الشفافية عداوة ضارية ومستحكمة، تشبه عداوتها مع النزاهة والوطنية والقانون والعدالة والمساواة وحرية التعبير، في صيغة التظاهر خصوصاً.
اللافت في بيان الساعدي كشفه عن انه يتعالج بـ"قرض" من المجلس. السيد الساعدي، كما كل زملائه في مجلس النواب، يتقاضى راتباً شهرياً مقداره 12 مليون دينار (10 آلاف دولار)، ويتوفر له فوق ذلك سكن مجاني ونقل مجاني (موكب من سيارات مدرعة بوقودها وتكاليف صيانتها وتصليحها)، وعند السفر تُصرف له مخصصات كبيرة أيضاً.
كل هذا الدخل الذي لا نظير له حتى في الدول المتقدمة، ناهيكم عن البلدان المتخلفة والفقيرة كبلادنا، لا يكفي السيد النائب لكي يتعالج عندما يمرض، فيقترض من المجلس ليستقطع القرض باقساط شهرية.
السيد الساعدي نائب عن الشعب، والمفترض انه يدرك آلام الشعب ومعاناته ومصاعب حياته، ويسعى داخل الهيئة التشريعية العليا للتخفيف منها في الأقل، فهذه مهمته التي من أجلها انتخب عضواً في البرلمان ولقاءها استحق الراتب والمخصصات الكبيرة التي يتقاضاها كاملة غير منقوصة. الا يسأل السيد النائب نفسه: ما دام راتبه ومخصصاته الفاحشة لا تكفيه، كيف إذن تستطيع الغالبية الساحقة من الشعب الذي يمثله سدّ نفقات حياتها اليومية وتكاليف علاجها براتب ربع مليون دينار شهرياً أو نصف مليون دينار أو حتى مليون دينار؟ وهل تقصّى السيد النائب ما اذا كان نظام القروض لأجل العلاج معمولاً به في سائر دوائر الدولة لكي تتحقق العدالة والمساواة بين أبناء الشعب وتكون لدينا دولة قانون بحق؟
مقالات اخرى للكاتب