مصطلح (الفوضى الخلاقة) يعتبر من أشهر المصطلحات في الواقع المعاصر ويتم تعريفه بالتالي «حالة سياسية أو انسانية يتوقع أن تكون مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الاحداث».
ومع أن هذا المصطلح له جذور قديمة إلا أن العضو البارز في معهد (أميركا انتربرايز) هو اول من صاغ مفهوم (الفوضى الخلاقة) في معناه السياسي الحالي من خلال مشروع (التغير الكامل في الشرق الاوسط) الذي أعده عام 2003.
ارتكز المشروع على منظومة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لكل دول المنطقة وفقا لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم اعادة البناء.
وقد قامت سكرتيرة الامن القومي في عهد بوش الابن (كونداليزا رايس) والتي أصبحت وزيرة للخارجية، ببلورة ذلك المشروع ثم نفخ الروح فيه، وفي حديث لرايس أدلت به إلى جريدة «الواشنطن بوست» الاميركية الشهيرة في نيسان 2005 قالت: «ان اميركا على مدى ستين عاما سعت إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط على حساب الديموقراطية، ولم تحقق ايا منهما، والآن اميركا تتبنى نهجا مختلفا... ان هناك من يقول ان الديموقراطية تقود إلى الفوضى والصراع والارهاب، والحقيقة أن العكس صحيح بمعنى أن الفوضى تمثل الاساس المنهجي لخلق الديموقراطية الاميركية المنشودة».
لم يعد خافيا على أي مطلع بان السياسة الاميركية تسير باتجاه الفوضى الخلاقة منذ ذلك التاريخ بوضوح لاسيما في المنطقة العربية، فقد بشّر (كولن باول) - وزير الدفاع الاميركي السابق بان العراق سيكون بعد احتلاله عام 2003 واحة للديموقراطية في الشرق الاوسط، وإذا احسنا الظن بكلام باول فإنه كان يقصد تطبيق نظرية (الفوضى الخلاقة) على العراق لتفتيته واشعال النزاعات فيه قبل أن يقوموا بعدها بتجميعه ليكون واحة للديموقراطية!!
خلال عشر سنوات شهد العراق من المآسي ما لم يشهده بلد آخر، وهو مرشح للتقسيم ان لم تتداركه رحمة الله تعالى، وقد كان واضحا ما قام به الحاكم العسكري بريمر من حل للجيش العراقي مباشرة بعد الغزو الاميركي من اجل الامعان في تحقيق الفوضى الخلاقة، بل كان بريمر يخاطب الشعب العراقي بحسب انتماءاته الطائفية ويقسمه بحسب ذلك الانتماء!!
أما افغانستان فلم تكن افضل حظا من العراق، فبعدما استطاع الطالبان تحقيق الامن في افغانستان خلال سنتين من حكمهم للبلد، استطاعت الولايات المتحدة تحويله إلى نموذج مثالي للفوضى الخلاقة، ثم قررت الانسحاب هربا من تلك الفوضى!!
اما سورية فتمثل قمة النماذج لتلك السياسة الخبيثة، فقد تعمدت الولايات المتحدة اهمال النداءات المتكررة لهذا الشعب المسكين الذي وجد نفسه ضحية لابشع نظام دموي على وجه الارض فاق ما فعله التتار قبل قرون عدة، بل كان التشجيع للنظام السوري واضحا، وما رأيناه من اتفاقيات اميركية - روسية في معزل عن اصحاب القضية الاصليين بل ورفضهم لتلك المبادرات المذلة، كل ذلك يدلنا على طريقة ادارة الامور، ونتوقع أن يكتمل سيناريو الفوضى الخلاقة قريبا ليفرض على الشعب السوري أبشع انواع الذل والاستعباد بعد أن يكون قد فقد كل ما لديه من كرامة وحرية!!
أما مشهد مصر الحالي، فلم نكن نتوقع أن يتحول وضعها إلى هذه الفوضى القائمة والتي هي فوضى خنّاقة وشنّاقة، لكن سبحان مغير الاحوال، كيف انقسم الشعب المصري إلى فريقين يفتك بعضهم ببعض ليخرج عليهم السيسي «المنقذ» ليفتك بهم جميعا وليعيد زمن الانقلابات العسكرية والتصفيات وقانون الطوارئ!!
وصلت إلى غزة
في اعتقادي بان الفوضى الخلاقة قد قاربت الوصول إلى قطاع غزة، وقريبا سيعاد ترتيب اوضاع القطاع بطريقة دموية لا يعلم إلا الله كيف سيتم اخراجها، لاسيما بعد اتهام الجيش المصري لقيادات حماس بتمويل العصابات المتمردة في سيناء، والعمل على تدمير الانفاق التي تصل إلى غزة لإحكام الحصار عليها!!
مقالات اخرى للكاتب