ألعراق من الدول ألتي تتعامل مع المشاكل الإقتصادية عند وقوعها وتبدأ بالبحث عن الحلول لمعالجة المشكلة وتقليل تأثيراتها ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر ولم تفكر حكوماتنا يوماً باستباق الخطر قبل وقوعه وذلك بسبب انعدام التخطيط الاقتصادي والمالي العلمي السليم, واذا ما أردنا تحقيق ذلك فيجب البدأ من الآن بالاستعانة بالكفاءات العلمية والخبرات في مجال الاقتصاد والمال والاسراع بزجّها في المواقع القيادية للحلقات الإقتصادية في البلد وإبعاد الشخصيات الحزبية الطارئة التي تم وضعها في هذه المناصب بسبب المحاصصة الطائفية والحزبية والتي جلبت لنا ولاقتصادنا الدمار بسبب جهلهم بأبجديات الاقتصاد والمال, ولو تم اتخاذ هذا الإجراء ستبدأ مرحلة جديدة من التخطيط العلمي السليم ووضع الاقتصاد العراقي على سكة النجاة ووضع خطط تنموية اقتصادية ومالية بجميع أنواعها الثلاثة (القصيرة والمتوسطة والطويلة) الأمد ووضع الآليات الصحيحة للتعشيق السليم بين هذه الخطط لخلق تنمية مستدامة تدفع بالاقتصاد العراقي نحو الأمام وتخلق حالة من الاستقرار في البلد, ولو أخذنا الوضع الاقتصادي المتردي للعراق في عام 2015 فان الوضع وصل الى مرحلة الخطر وميزانية الدولة شبه خاوية وأصبحت عاجزة عن تلبية جميع المتطلبات الضرورية للبلد, وهنا يجب اتخاذ القرار السليم والشروع من الآن بوضع هدفين رئيسين والعمل عليهما سوية بدون أي فصل بينهما لأنهما بنفس الأهمية وهما:
دراسة المشكلة الحالية الخاصة بميزانية عام 2015 ووضع الحلول السريعة والناجحة لتجاوز الأزمة وذلك باستخدام الحلول العلمية المتاحة لذلك.
وضع الحلول والخطط العلمية الصحيحة لميزانيات الأعوام القادمة ورسم الخطوات الصحيحة لاستباق الخطر ومنع وقوعه في السنوات القادمة.
اذا ماتم وضع وتثبيت هذين الهدفين سنتمكن من المعالجة لمشكلة هذا العام ونعمل على منع أو تقليل الخطر من الوقوع في مشاكل مماثلة في الأعوام القادمة والاستفادة من تشخيص أخطائنا التي وقعنا بها ومحاولة تلافيها مستقبلاً وهذا ليس بالأمر العسير بل يحتاج الى نيّة حقيقية للإصلاح والاستعانة بالعلم, لأن المشكلة الإقتصادية مهما كان نوعها وحجمها فهي جزء من علم واسع هو علم الاقتصاد بفروعه الكثيرة وقد تناول هذا العلم جميع أنواع المشاكل الإقتصادية التي حدثت وتحدث في العالم وتبّحر علماء الاقتصاد والخبراء في تسليط الضوء على هذه المشاكل ووضعوا النظريات العلمية واقترحوا الحلول الناجعة لتجاوز هذه المشاكل وقد اعتمدوا على تجارب مختلف دول العالم التي مرّت بهذه المشاكل وأشبعوها دراسةً وتحليلاً علمياً واستنبطوا الحلول السليمة لغرض الاستفادة منها من قبل الدول التي تقع في هذه المشاكل مستقبلاً والمكتبات العلمية زاخرة بآلاف المصادر التي تخص هذا المجال.
كما معروف للمتخصصين في الجانب الإقتصادي هناك حلول عديدة لمشكلتنا الإقتصادية التي نمرّبها في العراق ومنها على سبيل المثال اللجوء الى الإقتراض الخارجي والداخلي لسد العجز في الموازنة ولكن هناك تحذير مهم وخط أحمر يجب الانتباه له وهو (ان الإقتراض لغرض سدّ النفقات الاستهلاكية يعدّ خطئاَ جسيماً ويزيد من حجم المشكلة ويفاقمها) والشرط الصحيح للجوء الى هذا الحل هو ( أن يكون الإقتراض لغرض إنشاء مشاريع إقتصادية تدرّ دخلاً جديداً الى الميزانية) وبذلك يساهم في حل المشكلة وبنفس الوقت يُغطي الفوائد الكبيرة المترتبة من الإقتراض. والحل الآخر المتيسر هو إصدار سندات خزينة محلية من قبل البنك المركزي العراقي وحثّ المصارف المحلية على شراء هذه السندات بإعتبارها أوراق حكومية مضمونة وبعدها تقوم هذه المصارف بامتصاص السيولة النقدية الفائضة الموجودة في البنك المركزي والتي تمثل رؤوس الأموال الثابتة لتلك المصارف والمودعة لدى البنك المركزي والتي تعتبر من الشروط الرئيسية لإنشاء أي مصرف حيث ستساهم هذه السيولة النقدية بشكل كبير في إنعاش السوق وتحريك الكساد الحاصل في السوق وتقليل الزخم على الميزانية وتقليل خطر المشكلة. ومن الحلول الأخرى المتاحة هو أن تقوم الميزانية بالسحب أو الإقتراض من الإحتياطي الفيدرالي للبنك المركزي العراقي والمتمثل بالنقد والذهب لسد العجز في الميزانية وهذا الحل استخدمته العديد من الدول عند مرورها بمثل هذه المشكلة ولكن في العراق يعدّ هذا الحل غير متاح حالياً وصعب المنال بسبب حزمة القوانين التي تم تعديلها في الدستور العراقي والتي ضمنت استقلالية البنك المركزي لغرض منع أي حكومة أو رئيس من التصرف بهذا الاحتياطي بشكل كيفي وباجتهاد شخصي كما كان معمولاً به في الفترات السابقة, واذا ما أرادت الحكومة اللجوء الى هذا الحل فعليها اللجوء الى السلطة التشريعية لغرض إجراء تعديلات على القانون الخاص بالبنك المركزي وهذا يحتاج لوقت طويل. ومن الحلول المهمة التي يجب على الحكومة اتباعها هو تقليل الإنفاق الحكومي على أضيق نطاق وخاصة الإنفاق الاستهلاكي وحصر الإنفاق على الأمور الضرورية والتي لايمكن تجاوزها ومنها على سبيل المثال لا الحصر الرواتب والإنفاق على تمويل القطعات الأمنية لدرء الخطر المحدق بالبلاد.مما تقدم فان التحدي الكبير أمام الحكومة يحتاج الى نيّة حقيقية لحل المشكلة والدراسة المستفيضة للمشكلة ورسم الخطط العلمية الصحيحة ومكافحة الفساد في جميع حلقات الدولة والذي وصل الى معدلات مخيفة وأسهم بشكل مباشر في وصولنا الى هذا الوضع الإقتصادي المتردي وان لم تكن خطوات الحكومة سريعة وحاسمة في تحقيق كل هذه الحلول فان الوضع سيزداد سوءً وستصبح الأمور خارجة عن السيطرة.
مقالات اخرى للكاتب