بتاريخ 19/آب/2016م، طلبْتُ من صديقي المترجم (أ.أA.A) ()، مرافقتي إلى مكتب من مكاتب وزارة الأمن الوطني، بمدينة لويسفيل بولاية كنتاكي الأمريكيَّة، ذلك لأنَّني أحتاج مساعدته في الاستفسار عن معاملة الإقامة الدائمة (الكرين كارت) في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد مرَّ عام كامل تقريبًا على فترة الانتظار منذ يوم التقديم، وهذا أمرٌ طبيعي لأنني آتٍ من بيئة حقيرة ينتشر فيها القتل والإرهاب وسفك الدماء، واسفًا إنَّنِي منها، فالأمر لم يكن باختياري.
استعنْتُ بصديقي هذا المترجم الفذ، خوفا من عثراتي المحتملة في اللغة الإنكليزية، كوني أحسن استعمالها في حياتي اليومية مع بعض الزلات المحتملة، فقد أتلكأ أو لا أفهم بعض المفردات، لكنِّني أجيد منها ما يتعلق بعملي ورزقي وأحسنه ولا أتوقف فيه، حتى يظنَّ بعض المتعاملين معي في العمل إنَّني متمكن منها أو مجيد لها، وكنتُ أظنُّ وأعتقد أنَّ مكانا مثل وزارة الأمن الوطني الأمريكية لا يحتمل أخطائي وعثراتي وزلاتي اللغويَّة، فقد كنتُ خائفا من هذه الزيارة، قبل الشروع فيها، رُبَّما كان هذا الخوف من تراكمات الظلم الذي تعرضْتُ له بما قيل لي قبلا بأنَّها بلادي، قُبِّحَتْ من بلاد.
وكنت مخطئًا في هذا الاعتقاد وسيِّئًا في ذاك الظن، فقد استقبلنا ضابط بملابس مدنية، لا أعرف رتبته، ربما يكون عقيدًا قياسا إلى ما قدره صاحبي المترجم من عمر الرجل، ومهما تكن رتبته، فقد كان ظريفا مبتسمًا دمث الخلق حلو الحديث، قدَّمَنِي له صديقي المترجم كمراجع، وقدم نفسه كمترجمٍ لي، ثمَّ قدَّم له أوراق معاملتي، فابتسم الرجل وطلب هويتي الأمريكيَّة وهي إجازة السوق نفسها، معتذرًا عن طلبه تلك الهوية، بقوله: إنَّه يحافظ على خصوصية ملفي، فيمنع أن يطلع عليه غيري، لهذا يطلب إثبات الشخصيَّة، خاتمًا طلبه بقوله: إذا سمحت سيدي (سير).
عندها حزنت على نفسي وما كنت فيه، متذكرًا مراجعاتي في وزارة الداخلية العراقية الحقيرة التافهة البائسة، عندما أردْتُ تجديد هوية الأحوال المدنيَّة، أو إصدار شهادة الجنسية العراقيَّة، أو إصدار جواز السفر العراقي سيء السمعة والذكر، وتذكرْتُ الرشاوى التي دفعتها في كلِّ زيارة، وتذكرت سوء معاملة الضباط والمنتسبين لمَن لم يدفع، وكذا تذكرت ما شابهها من مراجعاتي في سوريا بلد بشار بن أنيسة مخلوف، هذا المجرم ابن المجرم الذي قتل شبعه في أكبر مجزرة عرفتها البشريَّة في التاريخ المعاصر، وكيف استلموني بالرشاوى منذ يوم دخولي عبر الحدود العراقية السوريَّة في ربيعة واليعربيَّة، إلى يوم مغادرتي عبر الحدود السورية اللبنانية من معبر جديدة يابوس، وما بينهما من ابتزاز علني في ثمانية أعوام لتجديد معاملة الإقامة التعيسة.
وبينما أنا أتذكر كلَّ هذا، كان الضابط الأمريكي يراجع معاملتي عبر الكمبيوتر، مدققا مراحل سيرها، محاولا مساعدتي بما تيسَّر له من صلاحيَّات خولها له القانون الأمريكي العادل من خلال منصبه السامي، فاجأنِي باعتذاره عن تأخيرهم بالمصادقة على إقامتي الدائمة، معللا ذلك بكثرة الطلبات، وطبعًا لم يصارحنِي بحقيقة قذارة المنطقة التي آتٍ أنا منها، وهو لا يدري إنَّني لا أنكرها، فالغبي هو من ينكر الحقيقة ويعاندها، عندها أخبرته عبر المترجم إنني غير متضرر من التأخير كوني لا أريد السفر حاليًا، لكنَّني أريد تجديد تصريح العمل، والمبلغ المطلوب كرسوم هو مرتفع جدا، فهو بقيمة 380 دولار لكلِّ شخص، وأفراد أسرتي خمسة، فقال لي مبتسمًا، أنتَ مقيم نظامي وفق ضوابط قانون الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكيَّة، لهذا فأنت معفو من تلك الرسوم، وأشار بإصبعه إلى وصل استلام معاملة الإقامة الدائمة، قائلا هذه الورقة تعفيك منها، وقدَّم لي نموذج طلب التجديد (الأبلكيشن)، شاكرًا لي مراجعتي له وحرصي على المحافظة على عملي، ولم يطلب مني أو يلمح لرشوة أو إكراميَّة، ولم يقل لي باللهجة العراقية (وين مالاتنا).والحديث هنا ذو شجون، وقد يطول ولا أريد الإطالة، لكنَّني أريد أنْ أقول لكلِّ الأغبياء الذين يشتمون أمريكا، دون أن يعرفوا عنها شيئًا، اشتموا أنفسكم وما أنتم فيه من سوء حال، أو حالوا التخلص ممَّا أنتم فيه من تخلف ورجعيَّة، واجهوا أنفسكم بالحقيقة حتى تتغيروا وتتطوروا، ولا تنكروها حتى لا تنغمسوا في الوحل أكثر من انغماسكم فيه الآن.ولا يفوتني أن أقول لكلِّ الأغبياء الآخرين الذين يقيمون في دول الغرب المتحضر، ودول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما زالوا محتفظين بغباوتهم الموروثة من دولهم المتخلفة والرجعيَّة التي قدموا منها، لا تخربوا هذه الدول المتحضِّرة بغباوتكم وأفكاركم الهدامة وخزعبلات أديانكم البائسة وترهاتها، وعيشوا وتمتعوا بالحرية والديمقراطية التي فيها، بالعراقي: (اكلوا ووصوصوا)، واتركوا العراق بحاله، وإذا كنتم معترضين على الحضارة والتطور الذي تشاهدونه في دول الغرب، وتحنون إلى بلدكم الأم العراق التعيس البائس، اتركوها بحالها، وعودا إليه وعيشوا تحت ظل أحزابه الدينيَّة الإسلاميَّة الرجعيَّة المتخلفة، وعاصروا حكومات الروزخونات واللطامة المتعاقبة فيه بعد العام 2003م.
بالنسبة لي، أو بقدر تعلق الأمر بي، أنا -شخصيًا- أؤمن بأنَّ بلدي هو الذي تُصَانُ فيه كرامتي، ويُحفظ فيه حقي، ولا يتعدَّى عليَّ فيه شرطي تافه لغرض ابتزازي أو أخذ الرشوة منِّي، بلدي هو الذي يوفر لأولادي حياة كريمة، فيكفل حقهم في الصحَّة والتعليم، بلدي هو الذي يعطيني حقي عليه أولا قبل أنْ يطالبني بأنْ أدافع عنه أو أذود عن حدوده، هذا هو بلدي، أمَّا فيما يتعلق بالعراق هذا البلد الذي أحمل جواز سفره مرغمًا كارهًا مكرها، على طريقة مكره أخاك لا بطل، فإذا كان الأمر فيه متعلقًا بالأوراق والوثائق والأصول، فأنا عراقي ابن عراقي ابن عراقي، وإذا كان متعلقًا بغيره من كرامة وصحة وتعليم وغيرهم ممَّا قدَّمتْ فيما أريده للذي هو بلدي، فأنا لسْتُ عراقيًا ولا يشرفني ذلك، لأنَّ في عراقكم التعيس لمْ تُحفظْ ولمْ تُصنْ كرامتي، وابتزني وأرغمني واعتدى عليَّ فيه أتفه الشُّرَط، ولم يوفر لأولادي حقهم في التعليم والصحَّة، ولمْ يقدِّم لي شيئًا وأرغمنِي على الدِّفاع عنه والذود عن حدود أراضيه، وإلا كنتُ عارًا على أهلي وأقربائي وعشيرتي التي لم اعترف بها يومًا، لا أنا ولا أبي، ولم نتواصل معها وما هي عندي إلا اسم ونسب فقط وجدته مكتوبًا في بطاقتي الشخصيَّة، ولم يكن لدي حقٌ اختياره أو الانتساب إليه، بئس العراق وبئس من يفتخر بأمجاده الزائفة التي لا مجال هنا للخوض في زيفها وأباطيلها.
بقي أمرٌ أخيرٌ لا بد من ذكره أو تذكير الأغبياء به من الذين طبلوا وزمروا ورقصوا على أغنية المطرب الإماراتي حسين الجسمي، والتي ظهرت مؤخرًا، بعنوان: #كلنا_العراق ، وهو: إنَّ هذه الأغنية جميلة جدا وراقية، لكن مضمونها أو ما جاء فيها هو بعيد عن الواقع تمامًا، ولا يمت له بصلة مطلقًا، فقد انتهى العراق بفضل الأحزاب الإسلامية الرجعيَّة المتخلفة، التي حولته إلى بلد لأدعياء الثقافة وتجار الدين من مزوري الشهادات، وجاءتْ لنا بالفاشلين المتخلفين الذين لا يصلحون لإدارة دولة، ليت مشاكل العراق تحل بالأغاني والكلمات الجميلة التي جاءَتْ في هذه الأغنية الرائعة.
بالعراقي:
نبقى شعب ياهو الي يصفكله يركص.
يله أركصوا براحتكم، وصدقوا الكذبة مال #كلنا_العراق ...................
مقالات اخرى للكاتب