المحتويات
ما هو السؤال
أهمية السؤال
الأجوبة المطروحة
أدلة الطرفين
ما هي طبيعة وحدود السؤال
تعريف الإسلام
نفيّ أدلة الطرفين
التراث الإسلامي
أحداث التاريخ والحاضر
ما هي معايير القراءة للمجموعات البشرية
إشكالية التعميم وخطورته الكارثية
أسباب التعميم
مخاطر التعميم
الجواب "الإسلام ليس دين إرهاب"
الخاتمة
-;-
هل الإسلام دين إرهاب؟
علاء الدين الخطيب
سؤال مزعج ومؤلم وربما مهين لمئات الملايين من المسلمين، لكنه سؤال مطروح وتأثيره كسؤال وكجواب له أبعاد هائلة على مصير الشعوب والعالم، ويجب أن نملك شجاعة مواجهة السؤال. من خلال هذه الدراسة المختصرة سنحاول مناقشة السؤال وأجوبته المطروحة بعيدا عن العواطف وعن الإجابات التقليدية التي اعتدنا سماعها بكثرة بعد أن تم طرح السؤال بقوة بعد 2001. هذه الدراسة المختصرة بعيدة عن التقليدي في طرح هذه القضية، فلا تتناول جدالات النصوص وتفسيراتها ومبرراتها، ولا أحداث تاريخية معينة، ولا الأسلوب الأكاديمي الجامد. إنها دراسة تطمح للبساطة دون سطحية وللبقاء ضمن الأساسيات العقلانية الإنسانية الغائبة عن بقية مناهج الجدال في عصرنا الحالي.
ما هو السؤال
هذا السؤال يحمل بطياته سؤلا آخر هو "هل كل مسلم مهيئ عقائديا للعنف؟" أو "هل كل مسلم مشروع إرهابي؟"، هذا السؤال المخفي يدخل لعقل السامع شاء السائل أم أبى. بعض من يجيبوا على هذا السؤال الأساسي بالإيجاب، يستطردون أن كلامهم هو عن الأفكار وليس الناس وبأحيان كثيرة هم صادقون بكلامهم هذا. لكن هذا هروب من مواجهة حقيقة السؤال، فماذا يبقى من الإسلام إن عزلناه عن المسلمين. نعم إن السؤال شكليا يتناول الإسلام كعقيدة ونصوص، لكنه يصل بنتائج جوابه لإدانة أو تنزيه حاملي الإسلام المسلمون.
أهمية السؤال
يكفي أن نقوم بسبر سريع للإعلام العالمي حول المشاكل السياسية والصراعات التي تعصف بالعالم منذ بدايات الألفية الثانية لنرى أن كلمة "الإسلام" تحتل جزءا كبيرا من الأخبار والنقاشات والتحليلات، وإن اختلف توظيف الكلمة والغاية منها حسب الجهة الإعلامية. الأهمية تتصاعد بشكل كبير لمواجهة هذا السؤال بالتحليل والنقاش الموضوعي المنطقي لأنه أصبح الفلاش الإعلامي الإعلاني الأكثر استئثارا بمؤسسات صناعة الرأي العام في كل العالم.
من ناحية ثانية، كمنطقة تمتد من شمال إفريقيا إلى وسط آسيا فالصراع بالكلام وبالسلاح يزداد باطراد مع أو ضد اسم أو شعار ينتمي للإسلام.
وربما ما زلنا نذكر الأسطورة التي أطلقها بعض النخبة الغربية الفكرية ابتداءً من هنتغتون حول الصراع القادم بين الغرب والإسلام وتلقفتها النخبة العربية والإسلامية بسذاجة وضخمتها. وأقول أسطورة لأن الحرب والصراع هو قرار السوق وليس رجال الدين أو الفكر أو الناس العاديين.
الأجوبة المطروحة
تتوزع الأجوبة المطروحة على اتجاهين أساسيين متضادين فيما يشمل المهتمين والمسيطرين على نقاشات الهم العام إعلاميا (لا نقول النخبة لأنها أصبحت كلمة خادعة) وتتوزع بين الاتجاهين محاور تحاول البحث عن حل وسط، هذان الاتجاهان نختصرهما كالتالي:
1. الأول يقول إن الإسلام هو دين إرهاب مقدس ويدعم كلامه بالعديد من الآيات القرآنية والأحاديث والقصص والمرويات المختصة بالقتال والجهاد، ويضيف عليها الكثير من واقع الظلم في المجتمعات الإسلامية خصوصا بما تعلق بالمرأة. وأقوى سلاح يستخدمه يدخل في إطار قراءته الخاصة لحركة التاريخ، فليس الإسلام فقط دين إرهاب بل هو أيضا السبب الأساسي لتخلف هذه البلاد. النتيجة الأخطر التي يصل لها بشكل علني أو مستتر أن "المسلم مشروع إرهابي كامن لأن نصوصه المقدسة إرهابية".
2. الثاني يقول إن الإسلام ليس دين إرهاب بل سلام، ويذهب معددا عشرات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والقصص والمرويات ليظهر السلام والرحمة في الإسلام. وهذا الاتجاه غالبا هو من جماعة المسلمين الذين يشعرون أن السؤال بات أكبر وأخطر من يتجاهلوه. أقوى سلاح يستخدمه هذا التيار يدخل في إطار قراءته الخاصة لحركة التاريخ فيدعي أن الدولة الإسلامية هي الإمبراطورية ذات التاريخ الأنصع بتاريخ البشر ولولا الإسلام لما كانت، وأما تخلف المسلمين فهو نتيجة المؤامرة الكونية عليهم بسبب الخوف من عودتهم لحكم العالم. لكنهم بالغالبية يهرعون لأسلوب أن "الهجوم خير وسائل الدفاع" وباعتبار أن المخيلة العامة تقول إن طارح السؤال هو غربي أو مسيحي فيهجمون على السؤال من باب تعداد تاريخ الإرهاب في الدول المسيحية وحاليا في فلسطين ليصلوا لنتيجة أنهم، أي المسلمون، إن كانوا قد أنتجوا إرهابا فهو أقل بكثير كثير مما أنتجه السائل. ويصلون للنتيجة الهدّامة "إنهم يكرهون الإسلام والمسلمين، هم تعني كل غير المسلم".
التيار الأول أقل انتشارا في الشارع العربي لأسباب موضوعية، لكنه أقوى إعلاميا وبكثير في خارج العالم الإسلامي. وخطورته أنه أصبح بالسنوات الخمس الأخيرة أكثر انتشارا بين الأقليات الدينية. فصحيح أن الأقلية من الناحية الإحصائية أقل قوة، لكنها بواقع بلدان مثل سوريا والعراق ومصر تمثل أساسا للهوية الوطنية لا يقل عن أهمية الأكثرية المسلمة. هذه بلدان قامت على التنوع الديني والعرقي منذ آلاف السنين وأي تخريب مُتقصد ومفاجئ لهذه البنية هو بالنتيجة تهديم لهذه الوطنيات.
التيار الثاني بطبيعة الحال أكثر انتشارا في الشارع العربي وأقوى إعلاميا بحكم الغلبة العددية. فهو مدعوم شعبيا بشكل طبيعي، لكن الأهم هو أنه مُتبنى من قبل الإسلاموية السياسية وفق مذاهب مختلفة تتدرج من تيار شديد التطرف يرد بأن كل ما عدا المسلم وفق مذهب وفقه معين كافر يستحق القتل (التيار القاعدي الوهابي المتعصب أو التيار الإمامي الشيعي المتعصب) مرورا بتيار إسلاموي أقل حدة في تكفير الآخر (التيار الإخواني والسلفي المعتدل) وصولا لتيار معتدل جدا يرفض حتى إلزامية الدولة الإسلامية وهو الأقل انتشارا.
أدلة الطرفين
يأخذ الطرفان أدلة رؤيتهما من منبعين أساسين:
التراث الإسلامي بكل ما فيه بدءا من القرآن الكريم والسنة الشريفة مرورا بتاريخ الدولة الإسلامية وصولا لزمننا الحاضر. ربما ندعي أن التراث المكتبي للإسلام خلال هذه المرحلة هو الأضخم مقارنة بكل الأديان الأخرى.
أحداث التاريخ والحاضر المليئة بالحروب والمآسي والمجازر والظلم وبنفس الوقت المليئة بالإنجازات العلمية والحضارية والحقوقية والقانونية.
مثلا، التيار الأول يتعلق عشقا بسورة التوبة وآياتها التي تختص بالقتال والمقاتلة لأنها بوجهة نظره تكفي لتحويل كل مسلم لعدو ومقاتل لغير المسلم. بينما التيار الثاني يلجأ فورا إلى البسملة الأكثر تواترا على لسان المسلم بما تحمله من تأسيس للرحمة والتراحم، وإلى آيات التسامح وحرية الكفر والتفكير.
التيار الأول يلجأ دائما لرواية عقوبة يهود خيبر ويعتبرها أساس الذبح الجماعي المتبع في فكر القاعدة. ويجيب التيار الثاني بالتشكيك بأصل الرواية وبقصة اليهودي جار الرسول الكريم وقصة العفو عن أهل مكة.
الأول يبحر بتاريخ الحروب بين المسلمين من صفين وما تلاها وتاريخ التعذيب في الدولة الإسلامية. الثاني يعيد ويكرر قصة ابن الخطاب مع كنيسة القيامة وحقيقة بقاء المسيحية واليهودية طوال 1400 سنة من حكم المسلمين حتى بنسبتهم العددية الصغيرة.
الأول ينكر أي مساهمة حضارية للمسلمين بتاريخ الحضارة البشرية أو يقزمها لأقصى حد ويدعي أن العطاء العلمي للمسلمين هو أساسا مجرد ترجمة لتراث الشعوب الأخرى ومن قدم من علماء المسلمين إنجازا إنما كان استثناء لا قاعدة. بينما يذهب الثاني لاعتبار أن لا حضارة إنسانية جارت الدولة الإسلامية بإنتاجها العلمي والحضاري بل ويعيد كل المكتشفات العلمية الحديثة لأسرار كامنة بالقرآن منذ 1400 سنة.
الأول لا يترك زاوية في علم التحليل النفسي تتصل بعقل عناصر المنظمات القاعدية بزمننا هذا وأثرها المدمر على المجتمع البشري، ويقدس التفسير الفرويدي الجنسي للسلوك الإنساني. الثاني يعود هنا لتفسير المؤامرة الكونية على الإسلام والظلم التاريخي والحالي الذي يتعرضون له سواء بالممارسة المباشرة أو بالتشويه الإخباري والإعلامي، ويقدس التفسير الروحي للسلوك الإنساني.
وما بين التيارين مع أطيافهما نجد بعض الصحة لديهما، لكنهما يتشابهان بتطرف النتيجة وقصور الرؤية.
القراءة بين الاتجاهين السابقين وضمن طيف التوجهات فيما بينهما لن يقود لإجابة شافية على هذا السؤال. لأنهما أساسا قاما على منهجية غير علمية وغير موضوعية وانتقائية بشكل كبيرـ فكلاهما يختصر مليارات البشر في بضعة آلاف من الكتب، وبضعة عشرات الآلاف من مشاهير السلطة والعسكر ومؤلفي الكتب. في الفقرات اللاحقة سنتناول المنهج الأصح برأينا للإجابة على السؤال.
ما هي طبيعة وحدود السؤال
هذا النوع من الأسئلة يختلف عن بقية الأسئلة التي تتعلق بالتاريخ أو الأديان أو السياسة أو الاقتصاد ويحتاج لدقة وعمق وموضوعية بالإجابة أكثر من غيره لعدة أسباب:
• لا يمكن الفصل بين الإسلام والمسلمين. الإسلام هو المسلمون وبالعكس. إذاً كيف تعرَّف الإسلام وأمامك أكثر من مليار ونصف مسلم كل واحد منهم مختلف عن الآخر؟ بكل بساطة إنه كما تعرف الإنسانية والصدق والحب وحتى الظلم والشر والعدوان بين الستة مليارات إنسان. إن الإسلام دين نصيا وفكريا وفلسفيا، لكنه كأي دين بشري هو صفة شكلية وضمنية لحامله.
• هو يتناول عدة مليارات من البشر المسلمين الذين عاشوا على هذه الأرض منذ أكثر من 1400 سنة. مات عدة مليارات منهم، ويعيش منهم ما يزيد عن مليار ونصف إنسان. فقانون وأخلاقية احترام إنسانية الإنسان يوجبان على أي متصدٍ للإجابة أن يتحمل أعباء البحث والتحليل والموضوعية.
الجواب هنا ليس خطأ بسيطا يؤدي لانهيار مركبة فضائية أو حتى انفجار قنبلة نووية. إنه جواب يطال مليارات البشر، وما يميّزه بين أن يكون جوابا علميا موضوعيا أو جوابا عنصريا فوضويا هو شعرة رفيعة جدا لا يحكمها ولا يميزها سوى العقل المُتحرر من الأحكام المسبقة.
• هو يتناول الناحية الأخلاقية والنفسية والسلوكية للإنسان، أي أنه يدخل في أصعب حقول العلم التي تفتقر للقوانين الثابتة، وما ثبت فيها من قوانين لا يغطي سوى جزء ضئيل من بنية الإنسان العقلية والنفسية والسلوكية.
يظن غالبية الناس أن هذا الحقل العلمي هو أسهل العلوم أو ليس علما على الإطلاق بل علب جاهزة من الحِكَم والأحكام. يعتقد هؤلاء الناس -لدرجة الإيمان أو حتى التعصب-أنهم ببساطة يستطيعون توصيف شعب ما ببلد ما أو من عرق ما أو على دين ما، اعتمادا على خبراتهم الشخصية والعلب الجاهزة الموروثة والمتداولة للأحكام الأخلاقية التي تتعامل مع ظاهر السلوك الإنساني.
• هو بتحديد أكثر يتناول عمق الشخصية الإنسانية بسؤال "هل هذا الإنسان يحمل النية والقدرة والإرادة على العنف الظالم ضد الآخر؟ أو هل يحمل القدرة والنية والإرادة على التحابب والتعاون والتسامح مع الآخر؟". وهذا سؤال مختلف جدا عن أسئلة يمكن تعميم جوابها إحصائيا مثل أن نسأل "هل هذا الشعب محافظ بروابطه العائلية؟ أو هل هذا البلد تسوده الحرية الجنسية؟ أو هل هذا الشعب يحترم النظام والقانون قليلا أو كثيرا؟" إنه سؤال أقرب لأسئلة من قبيل "هل هذه المجموعة البشرية تملك نفس القدر من الحب والكراهية مثل بقية البشر؟ أو هل هي أقل أو أكثر أخلاقية من بقية الشعوب؟".
يحق لنا إحصائيا القول "إن غالبية الشعب السعودي مع عزل المرأة عن الرجل بالأماكن العامة" وكذلك "إن غالبية الشعب الألماني مع تشجيع الاختلاط بين الرجل والمرأة". لكن لا يمكننا إطلاق حكم على المشاعر بناء على هذا الإحصاء كالقول "إن الشعب السعودي يكره المرأة والألماني يحبها، أو أن الشعب الألماني يكره المرأة والسعودي يحبها" وأيضا لا يمكننا تقرير أن أحد الشعبين أكثر أخلاقية من الآخر.
يحق لنا إحصائيا القول "إن أكبر نسب جريمة القتل بالسنوات الأخيرة كانت في أمريكا الوسطى، وإن أقلها كان في أوروبا الغربية" لكننا نرتكب جريمة بحق الإنسانية إن استنتجنا "إن شعوب أمريكا الوسطى ميالة للقتل أكثر من شعوب أوروبا الغربية".
إننا هنا في هذين الاتجاهين ضمن المثالين السابقين نقف على حافة ضيقة بين الوقوع في مستنقع العنصرية أو السير على أرض العلم والتحليل الموضوعي.
• نتائج جواب هذا السؤال أصبحت بضاعة مغرية في السوق العالمي لتجييش الشارع والرأي العام. أبسط مثال هو دخول كلمة "الإسلاموفوبيا" كثيرا من اللغات الحية. ولعل الكلمة المقابلة التي لم يصنفوها هي "الإسلاموفوبيا" التي تنتشر بأرض شعوبنا (هي لم تدخل دائرة التصنيف بسبب ضعف أكاديمية من يرصدها من حيث مصلحة من يموّل).
المثال الأوضح على هذا التجييش يعيدنا للسؤال الملغوم الذي طرحته الإدارة الأمريكية بعد جريمة تفجير الأبراج عام 2001. إذ طرحت تلك الإدارة وقتها سؤالا ذو شكل ديمقراطي تحاوري "لماذا يكرهوننا؟" وادعت أنها تفتح نقاشا ديمقراطيا مع الناس للجواب على سؤال مصيري. لكن هذه الإدارة وضعت المتلقي الأمريكي أمام خيار وحيد ديكتاتوري من خلال السؤال "هم يكرهوننا نحن الأمريكيون، حريتك هي في تفسير لماذا". هذا السؤال العنصري أجبر الكثير من الأمريكيين بوعي أو دون وعي أن يصدقوا أن الأمريكيين "نحن" وغير الأمريكيين "هم" وهؤلاء ال"هم" هم يكرهونني لأني أمريكي. مع أن واقع الحال وأي تحليل موضوعي لما حصل يقول إن هناك كراهية للاستبداد والظلم وبالتالي للسياسة الأمريكية الخارجية وليس للشعب الأمريكي. وبناء على هذا السؤال بنى جورج بوش الأب موقفه التسلطي كممثل للسياسة الأمريكية "إما معنا أو ضدنا".
من الناحية الثانية نجد أن التيار الإسلاموي السياسي المعاصر ورث نظرية المؤامرة الكونية من التيار القوْمَوي العربي (الذي ورثها من الكهانة الإسلامية بالقرون العشرة الماضية) القائمة على فكرة ساذجة "العالم يخافنا ويكرهنا ويريد تدميرنا". لقد أصبحت غالبية الآلة الإعلامية وحتى النخبوية العربية والإسلامية لا تملّ من تكرار مقولة "إنهم يحاربون الإسلام، إنهم يريدون إبادة المسلمين". فمجرد رسم كرتوني يشعل الإعلام العربي والإسلامي ويتبارى المشاهير سياسيا أو إعلاميا بالتحريض والتحذير والتهويل.
إذا التجييش العاطفي للشعوب ليس محض صدفة ولا هو فعلا للدفاع عن الإنسانية مقابل ما يعتبرونه الإسلام الإرهابي، ولا هو فعلا دفاع عن الإسلام والمسلمين أمام عدو حقيقي. بل إن هذا التجييش يسير كما جرت عادة التاريخ البشري نحو خلق الظروف النفسية والعاطفية الكافية لتبرير القادم من حروب وصراعات همها الأساسي هو المال والقوة.
تعريف الإسلام
قبل المتابعة في هذا النقاش لنتفق على تعريف الإسلام بناء على ما سبق.
الإسلام هو عقيدة إنسانية تؤطر لعلاقة الناس بالإله ضمن تعريفات الإسلام الأساسية التي تقوم على الأركان الخمسة المعروفة لشكلية الطقوس التعبدية الإسلامية وعلى أركان الإيمان الخمسة المعروفة لعقيدة الإنسان المسلم.
الإسلام ولأنه إيمان ورغبة مليارات البشر يقوم على أساس إنساني منفتح متعاون متواصل مع الإنسان الآخر من غير دين.
ليس الإسلام ما يقدمه فقهاء وشيوخ وفلاسفة من مختلف الطوائف وفق تعريفات تغرق بالتفاصيل والفلسفة والتعقيد وبأحيان كثيرة في التعصب. فما بين مليار ونصف مسلم لن نجد ربما أكثر من واحد بالألف يعرف الفرق بين المجسدة والمنزهة، أو هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق. وربما تجد حوالي الواحد بالألف يعرف أسباب معركة صفين وتداعيات انتقال الحكم من بني هاشم إلى بني أمية.
هذه التعريفات السابقة لا تقدم تعريفا جامعا مانعا لسبب بسيط هو أن الإسلام يعبر عن مليارات من البشر المسلمين، فيوم نجد تعريفا صارما حازما لمجموعة بشرية مؤلفة من عشر أشخاص يمكنك وقتها الجدال حول ما عرفه الفقهاء والشيوخ.
إذا الإسلام، مثل كل الأديان المستمرة مع البشر، هو الإنسان بكل ما فيه، ولأنه دين فهو الإنسان بسلامه وتعاطفه وتسامحه.
البشر بمجموعهم لا يمكن أن يقبلوا أو يتعايشوا مع دين أو عقيدة أو أيدلوجية تناقض أسس الطبيعة الإنسانية التي تكلمنا عنها سابقا.
الإسلام هو تجميع ما هو راسخ بمخيلة وعقول المسلمين كلهم والتي تتفق على الله لا إله إلا هو وعلى أن محمدا رسول الله وكتابهم المقدس هو القرآن وأشكال تقربهم من الله هي الصلاة والصيام والحج والزكاة. وما عدا ذلك هل يجوز معايدة المسيحي، أو مصافحة السني أو الشيعي، أو فرض الجزية، أو إرخاء اللحية وحف الشارب، أو هل الله جالس على العرش أم هي صورة بلاغية، وإلى ملايين نقاط الخلاف بين فقهاء المسلمين فهي ليست سوى تفاعلات على حواف رداء الإسلام.
نفيّ أدلة الطرفين
أشرنا سابقا لمنبعيّ الجوابين المتناقضين المطروحين أمام السؤال الأساسي موضوع هذا البحث "هل الإسلام دين إرهاب؟".
التراث الإسلامي
لا يصلح التراث الإسلامي المكتبي لإعطاء الإجابة على سؤال من هذا النوع. فهذا التراث مليء بكل المتناقضات مثل أي تراث بشري آخر، وإذا أتى أي إنسان بفكرة مسبقة يريد إثباتها فهذا التراث قادر على تزويده بما يريد من كتب ومقولات تؤيد فكرته.
الأهم هنا، لا يوجد تراث مكتوب لأي جماعة بشرية اهتم بنقل الحالات الفردية للبشر. التراث الإنساني المقروء لنا بما فيه الإسلامي هو حكاية الحاكم وجيوشه وقصوره ومدنه وصراعاته مع الحاكم الآخر أو المتمرد أو كيف يحكم الشعب. بل حتى بعصرنا الحالي ورغم قوة ثورة العلوم الاجتماعية والنفسية والإنسانية ما زالت أدبيات هذه العلوم قاصرة عن تقديم الصورة المتكاملة لإنسان عصرنا هذا، فما يقرأه ويسمعه غالبية البشر هو عن نجوم السياسة والفن والرياضة وأحيانا الأدب والعلم وليس عن الإنسان العادي. فما بالك بقرون طويلة من تاريخ البشر لم يكن الإنسان الفرد بالنسبة لكتّاب التاريخ يمثل أكثر من عدد في جيش الجنود أو جيش البنّائين.
لا يكفي ما قاله المسيح للحكم على المسيحيين، ولا ما قاله زرادشت للحكم على الزرادشتية ولا ما قاله محمد للحكم على المسلمين. هؤلاء وغيرهم وباعتراف الجميع "استثناء" ضمن محيطهم قالوا ما قالوه وذهبوا، بل إن أساس ما قاله هؤلاء الاستثنائيون بتبرير دعواتهم هو أن الناس لا يتبعون ما قالوه لهم.
إن أهم حق من حقوق الإنسان حققته الإنسانية هو "حق الإنسان أن يكون فردا وليس عددا ضمن الجماعة". وقد أيد هذا الحق علم النفس والاجتماع. فالأمريكي لا يمكن أن نخضعه ببساطة لمحاكمة حرب فيتنام أو العراق، واليهودي لا يمكننا ظلمه بقائمة الصهيونية العنصرية، وكذلك المسلم لا يمكن حشره ضمن القاعدة. وبالنتيجة لا يمكن تحديد الإسلام بكتب مكتوبة خلال 1400 سنة. هذه الكتب هي مساعدات بالبحث لفهم الظاهرة وليست إطارات تعريف.
أحداث التاريخ والحاضر
بالإضافة لما ذكرناه سابقا عن التراث والذي يصح هنا نعود لإشكالية "مَنْ كتب التاريخ والحاضر وأخبرنا بما حصل؟". لو قرأنا مثلا تاريخ ما يُسمى الحروب الصليبية من مؤرخ مسلم لوجدناه شديد التناقض مع ما كتبه مؤرخ أوروبي (أول تناقض أن مؤرخي المسلمين سمّوها حروب الفرنجة ومؤرخو الأوروبيين سمّوها حروب الصليبية). رغم أن الاثنين عايشا نفس الأحداث وكلاهما يعتقد أنه لم يكذب بما نقل. نحن يمكننا الجزم أن جيوش أوروبا اجتاحت بقايا الإمبراطورية الرومانية والإسلامية في القرن العاشر، ونجزم أنها استمرت حوالي القرنين. لكن لا يمكننا علميا وموضوعيا تبني تصنيف أن جنود هذا الطرف أو ذاك كانوا أشجع أو أمهر أو أكثر أخلاقية أو أقل ظلما.
الدليل الأوضح على انحياز قراءة التاريخ هو ما نراه الآن ونحن نقرأ ونسمع ما كتبوه وقالوه عن السنين العشرة الماضية. نحن هنا، ونعيش الآن، ورغم ذلك ما نرويه نحن يتناقض مع ما يرويه هم ومع ما يرويه أولئك ومع ما يرويه هؤلاء. انظر لكمية التناقضات مثلا في توصيف وقراءة ماذا حصل في مصر وسوريا والعراق خلال السنين العشرة الأخيرة ولكمية التعصب مع كل قراءة وضد كل قراءة مخالفة. المثال الأوضح، هل يمكن أن تجد زعيما عربيا لم يحوله أنصار كثيرون لبطل تاريخي وبنفس الوقت معارضون كثيرون لأسوء الحكام التهديميين؟
ما هي معايير القراءة للمجموعات البشرية
نوهنا بالفقرة السابقة لحق الإنسان أن يكون فردا لا عددا. وهذا أساس أي قراءة للمجموعات البشرية عندما نحاول تحليل ظاهرة جرمية أو عنفية. نورد بعض الحقائق البسيطة هنا لكن المهملة أو المُغيَّبة:
• الإنسان يولد يحمل الخير بداخله، ويبقى الخير هو الحالة الأعم للبشر. قد تبدو هذه الحقيقة متناقضة مع الشائع بين عامة الناس وكثير من نخبتهم الثقافية حول "البشر وحوش وأشرار، والإنسان حمّال الخطية". ما يجعل هذه الحقيقةَ حقيقةً عدة أسباب أهمها سبب موضوعي مطلق الصحة والثبوت ولا شك به وهو:
مازال البشر مستمرون بالحياة على هذه الأرض من عشرات آلاف السنين ولم يفنوا بعضهم بعضا. لو كان الشر هو الحالة الأعم عند غالبية البشر لأفنى البشر بعضهم البعض منذ أن كانوا قبائل بدائية لا يعدون سوى بضعة آلاف. فعدد البشر الذين أفناهم بشر إحصائيا لا يمثلون أكثر من نسبة ضئيلة جدا ممن ماتوا على هذه الأرض.
هذا الكلام ليس من باب "العشق الإنساني" أو المثالية في المقارنة بين ما سميّناه كبشر "خير وشر"، بل هو قانون الطبيعة الواضح للبقاء. كل حيوانات الأرض امتلكت أسلحتها الذاتية أو وسائل هروبها للاستمرار بالوجود وفق ميزان طبيعي محدد. إلا الإنسان فأسلحته الذاتية الجسدية وحجمه الكبير نسبيا ما كان لهم أن يعطوه فرصة البقاء لولا العقل. كان الإنسان مُجبرا بسبب عدائية الطبيعة أن يتجمع في جماعات ليحمي نفسه، وليتجمع بجماعات كان مجبرا أن يطوّر مشاعر "الثقة" و"التعاطف" و"المساعدة" وكذلك حصل فيما بعد أن تطورت مفاهيم وقواعد "القيادة والزعامة". فميل الإنسان للخير والتعاطف والتعاون والتواثق هو ميل وراثي إجباري على الإنسان متراكم منذ فجر تاريخ البشرية بحكم قانون السعي للبقاء الطبيعي وليس مجرد خيار أو فرض أخلاقي. الأخلاق الأساسية البشرية هي حتمية تطورية طبيعية لا خيار للإنسان بها.
• الجموع البشرية هي التي بنت وعمّرت واخترعت وقاتلت وحاربت وتعايشت وتكاثرت. لكن من امتلك القرار الجيوسياسي كان دائما وما زال الطبقة الحاكمة سياسيا واقتصاديا مع ما يتبعها من طبقة فكرية التي قد تكون دينية أو أيدلوجية.
التطور الطبيعي للإنسان يجذبه حتميا لاختراع الدواء واللباس ووسائل الراحة، وأن يصنّع السلاح لحماية نفسه، لكن من يقرر أن يبني الأهرامات وقصور روما وبغداد ويسيّر الجيوش هو الحاكم وفقط الحاكم. فمن الثابت تاريخيا أن صروح البناء الفارهة لم تُفد عامة الناس، ولا انتصارات الحروب الكبرى خففت فقر وجوع عموم الناس، بل فقط أدت لترسيخ مصالح الحاكم.
لم يشهد التاريخ الإنساني حروبا ضخمة غيرت مراكز القوة العالمية بسبب الفكرة أو الدين كما يعلموننا. بل كانت دائما نتيجة للصراع على السلطة والقوة والمال. فلو تمعنّا بتوسع الدولة الإسلامية منذ القرن السابع التي يدعي كتّاب تاريخها (بأوامر حكامها) أنها قامت لأجل الدين لوجدنا أنها كانت استمرارا للصراع الطبيعي على السلطة الذي حكم تاريخ البشر. فصعودها كان ضرورة حتمية أمام تهلهل قوة الإمبراطوريتين العجوزتين والأكبر وقتها الرومانية والفارسية، ولتزايد قوة شعب الجزيرة العربية الأكثر فقرا. ولعل أوضح دليل هو ما رافقها من حروب بين حكامها أنفسهم بدءا من حرب معاوية وعلي وليس انتهاء بحرب حكام إيران والسعودية. نفس الكلام يصح على الحروب التي سماها الغربيون الحروب الصليبية، فهي كانت نتيجة طبيعية للتكاثر السكاني لأوروبا الغربية الأكثر فقرا أمام تهلهل الإمبراطورية الرومانية والإسلامية الأكثر غنى ورفاهية.
وفي عصرنا الحالي، نرى أن ثورات الاستقلال الوطني قامت لفكرة سامية هي التحرر من ظلم المستعمر، لكنها بالنتيجة أتت بحاكم ديكتاتوري من بين الناس أشد ظلما من ذاك المستعمر. بل حتى في أوروبا الغربية التي بنت أفضل نظام إنساني نسبيا يحقق الحد الأدنى من حقوق الإنسان نجد أن الهدف السامي بمحاربة النازية في الأربعينات قاد بالمحصلة لنظام رأسمالي همه الأساسي حماية الرأسمال وليس الإنسان أي أنه نظام عنصري لكن لمصلحة المال وليس العرق. وأهم دليل هو أنه وخلال ثواني استطاع حكام الغرب إبان الأزمة المالية عام 2008 اتخاذ قرار دفع أموال الشعب لإنقاذ المؤسسات المالية الكبرى، بينما يحتاجون لعقود كي يرفعوا مستوى الفقر في نفس المجتمعات.
قد يقول محاور، إذا كان الإنسان بهذه الطيبة فما هذه "الآلهة = السلطة" التي سببت كل هذه الحروب والدمار؟ أما كان لهذا الإنسان الطيب أن يوقف هؤلاء الأشرار؟
الجواب، هو أن للإنسان عموما أيضا صفتين سلبيتين أساسيتين وهما:
الموقف السلبي مما هو بعيد عنه، –وسنأتي على بعض التحليل لهذه الظاهرة لاحقا-. الناس عادة تنشغل بتفاصيل حياتها اليومية وصراعها المستمر ضمن هرمية التركيبة الاقتصادية للمجتمع للنجاة بحياتها وحياة الأقرب لها، وتكتفي بالاستماع والتصديق لما يقولونه أصحاب السلطة والمنابر الإعلامية، وتتفاعل معهم ببعض المشاعر دون أي عمل ضد المشكلة العامة. غالبية البشر بكل دول العالم وعبر كل التاريخ هم الأفقر، لكن صعوبة التوصل لقيادة منهم تجعلهم بضاعة سهلة للاستغلال من قبل السلطة. البشر يطلبون التجمع والتعاون ليعيشوا، لكنهم وبسبب أيضا عقولهم الفردية لا يمكن لهم طبيعيا التحرك باتجاه واحد في الحالة العادية المستقرة. هم فقط يتحركون عندما يرون الخطر أمام عيونهم كبيرا قريبا. وهذه النقطة بالذات هي أداة السلطة في تحريك هذه الجموع، السلطة تقودهم ليجدوا أنفسهم فجأة (بالمعنى النسبي) أمام عدو يريد قتلهم.
الكسل الفكري، بمعنى أن عموم الناس لا تريد إضافة جهد لجهدهم الأساسي في الاستمرار بالحياة يتناول دراسة الواقع الاجتماعي والنفسي للمحيط والظروف الاقتصادية والسياسية للبلد والعالم. لذلك فحدة الشعور بخطر بعيد مهما كان كبيرا تبقى ذات أثر ضعيف على حياة الناس. من ذلك هو اللامبالاة المنتشرة عموما حول التغيّر المناخي الذي يصيب الأرض والذي لا يشعر الناس به الآن بشكل مباشر، وبالتالي ما زالت الشركات الكبرى صاحبة القرار في سياسات حماية البيئة.
إشكالية التعميم وخطورته الكارثية
اخترت وضع "إشكالية التعميم" كفقرة مستقلة لأهميتها البالغة وخطورتها التي تصل لحد الكارثية، فهذه الإشكالية متداخلة مع الكثير من الأفكار المطروحة سابقا ضمن هذه الدراسة.
نقصد بالتعميم هنا "تعميم حكم أخلاقي أو سلوكي أو عاطفي على مجموعات بشرية عرقية أو دينية أو قومية أو إقليمية بناء على تجارب شخصية أو حوادث تاريخية صراعية". أي استخدام المنهج الفيزيائي التجريبي في صياغة قوانين حركة المجتمعات الإنسانية وتقييمها. للتعميم وجهان: إيجابي وسلبي من الناحية الأخلاقية التقييمية. وما يهمنا هنا هو التعميم السلبي.
أسباب التعميم
الأسباب كثيرة ومتنوعة لكن نجمل أهمها بشكل مبسط ضمن بواعثها الأساسية:
1- الباعث الفردي: ميل الإنسان عموما للحلول السهلة. وهذا الميل بالواقع يشابه القانون الفيزيائي الأساسي للمادة والطاقة وهو "كل الأجسام تسعى للحالة الدنيا من الطاقة، أي الحالة الأكثر استقرارا". فالماء مثلا لا يتوقف عن السقوط من الأعلى إلى الأسفل حتى يجد أخفض سطح يمكنه الاستقرار فوقه. وكذلك الحالة العامة للإنسان، يبحث عن الطريقة الأسهل لتأمين غذائه وشرابه وراحته وتسليته، وكذلك يبحث عن الحل الأسهل الذي يجنبه إجهاد عقله في تعقيدات حلول أخرى. مثلا، غالبية البشر استسهلوا تفسير سقوط الماء من السماء للأرض على أنه إرادة الإله، قلة من الأفراد رفضت الاكتفاء بهذا التفسير الذي يحتاج لتفسير وبحثت عن قوانين الجاذبية والميكانيك العام وصولا للميكانيك الكوانتي.
نفس الحالة تصح على "الصراع" اليومي الذي يعيشه الإنسان لتأمين حياته ضمن المجتمع البشري، فمن الأسهل لغالبية من البشر أن ترى سبب مشاكلها الشخصية ناتجة عن "حسد أو كره أو غيرة أو شر" من المحيط الإنساني أو "قدر الله، أو سوء الحظ" من أن تنشأ تحليلا مركبا لأخطائها الذاتية وفهم عميق لدوافع الآخرين وحالة المجتمع الثقافية والعرفية والوضع السياسي والاقتصادي للبلد ضمن العالم.
المثال الأوضح المعروف يوم نسمع رأي شخص بجماعة ما (أهالي مدينة، أو بلد، أو عرق، أو دين، أو طائفة، أو طبقة اقتصادية) بناء على بعض الخبرة الشخصية. في كثير من الأحيان نرى أن الحكم تعميمي بسهولة كبيرة، مثل شخص قدم من فرنسا بعد شهر أو سنين "الفرنسيون منحلون أخلاقيا، أي بنت تنام مع أي رجل" أو "الفرنسيون شعب حضاري أخلاقي، لا يسرقون، لا ينصبون، لا يكذبون". الحكم الثاني لا مانع في أخذه مع مبالغته لأن ضرره بالتأكيد أقل من فائدته. لكن الحكم الأول يولد فورا شعورا بالنفور والاحتقار لدى المستمع.
2- الباعث السلطوي: تجنح دائما السلطة الحاكمة للبلد للمبالغة في شر العدو (الموجود حتميا لاستمرار قوة السلطة) فتصبح كل أخطائها نتيجة مؤامرات العدو الخارجي. ومن ناحية ثانية فإن أهم أسس الحكم هو "فرق تسد"، فتفريق الشعب المحكوم عبر تشجيع المقولات التعميمية السلبية بين مكونات هذا الشعب سواء مناطقية أو طبقية أو دينية أو عرقية تضع الحاكم دائما بمكان القاضي والضامن لتوازن هذه المجموعات.
وهذا العمل السلطوي أصبح أشد قوة وفتكا بالقرن 21 بفضل ثورة الاتصالات ووسائل الإعلام. وهو أسلوب متبع حتى بأكبر الدول الديمقراطية كما بيّنا سابقا حول تلاعب الحكومة الأمريكية بالطرح الإعلامي لأسباب جريمة تفجير الأبراج.
ببلادنا هذا الأسلوب التفريقي هو الأخطر الذي اتبعه كل حكام المنطقة الديكتاتوريين شكلا ومضمونا.
3- الباعث التاريخي: ضمن التاريخ المليء بالدماء لكل شعوب العالم، فكمية الموروث في توصيف حوادث التاريخ بأنها اعتداء "الأشرار" علينا "نحن الطيبون" بالإضافة للباعثين السابقين راكمت موروثا ثقيلا يصعب جدا هدمه حول الآخرين.
فمن الصعب إقناع العربي المتشدد أن يغير رؤيته القائمة على أن الألف سنة الماضية كانت سلسلة من اعتداءات الأشرار التتار والمغول والفرنجة والعثمانيين والأوروبيين على العرب الضحية البريئة. كما من الصعب إقناع الإسلامي المتشدد أن الألف سنة ماضية لم تكن مجرد سلسلة اعتداءات للتتار والصليبيين والمسيحيين واليهود على المسلمين الضحية البريئة. وقس على ذلك بالحوار مع سني أو شيعي أو كوردي أو إيراني أو تركي، أو ... إلخ.
نعم لقد كان الناس من كل هذه المجموعات ضحايا بريئة، لكن ليسوا ضحايا لشر المجموعات الأخرى بل لشر الصراع على السلطة والمال، ولكارثية الاستسلام للعقل الجماعي المُقاد من قبل السلطة.
مخاطر التعميم
أسلوب التعميم له مخاطر ومشاكل على المستوى الفردي والجماعي. غالبية الناس ترى هذه المشاكل على المستوى الفردي من خلال المشاكل الشخصية اليومية بين الأفراد على كل المستويات. لعل أشهرها هو التعميم بالحكم على المرأة والرجل.
على المستوى الجماعي نراها من خلال تعميم المستوى الفردي للمشكلة، كأن يمنع مجتمع ما المرأة من العمل القيادي. وقد يكون المستوى الجماعي على شكل عملية فصل بين مكونات المجتمع.
يتضاعف الأثر السلبي لكلا المستويين عشرات المرات عندما يكون المجتمع بحالة فوضى وصراع سلطوي قاس، مثل حالة بلادنا الآن.
حالة عدم الاستقرار بمجتمع ما هي بالواقع نتيجة صراع في الطبقة العليا للسلطة والمال بعد زمن طويل من التوازن القلق. وعندما يشتد هذا الصراع فإن أهم مكونات قوة السلطة أو السلطات هو الدعم الشعبي لهم أو الخوف الشعبي منهم. وهنا يكون سلاح ترسيخ الأحكام التعميمية من أهم الأسلحة في شحذ الشارع أو تحييده.
ولتبيين خطورة هذا السلاح أعطي مثالا من خارج هذه المنطقة. إلى الآن توحي كلمات مثل "اشتراكية" و"شيوعية" بمعنى "الخيانة" وبأحسن الأحوال "الجنون" في الولايات المتحدة عند غالبية من الشارع الأمريكي، رغم أن غالبية حلفائهم التاريخيين بأوروبا الغربية هم أساسا دول إشتراكيه.
أما في بلادنا فالأحكام التعميمية التي استخدمتها السلطة هي أكثر من أن تحصى. فما بين الدول ما زلنا للآن نعاني من أحكام مثل "دول الخليج رجعية وخائنة مع الإمبريالي" "سوريا والعراق دول فاسقة مع الشيوعي" "إيران دولة صفوية حاقدة" "تركيا دولة عثمانية طامعة ظلامية". وضمن دولنا لا أكثر من التعميمات "السنة سيطردوننا أو يقتلونا" "الشيعة يكرهوننا ويريدون حكمنا" "المسيحيون خائنون مع الغرب أو كفار" ... إلخ. وكل تعميم مما سبق يمكن أن ننشئ دراسات كاملة حول أصوله وأسبابه والمستفيدين منه والشاحذين له.
الجواب "الإسلام ليس دين إرهاب"
عمليا هذا الجواب هو خلاصة نقاشنا السابق. ويمكن أن نركز النقاط الأساسية التي تدعم هذا الجواب وفق التسلسل التالي:
الإسلام هو مليارات المسلمين الذين عاشوا ويعيشون على هذه الأرض وليس نصوصا مقدسة معزولة عن حاملها، ولا كتب مؤلفة من قبل جيوش الشيوخ والفقهاء، ولا سياسات حكام وزعماء سادوا هذه المليارات. والحكم على الإسلام مقترن بكيف نفهم ونرى الإنسان.
الإنسان عموما وبسبب قوانين الطبيعة ثم تطور المنتوج الفكري للبشرية هو كائن مفطور على الخير والتعاون والانفتاح وبساطة العلاقات. وبهذه الخاصيات لا يمكن التفريق بين أي مجموعة بشرية وأخرى.
انطلاقا من الحقيقتين السابقتين فالإسلام هو دين متوائم مع الإنسانية مثل كل أديان أهل الأرض وبالتالي ليس إرهابا لأن الإنسان لا يمكن أن يقبل الإرهاب.
الخاتمة
بعد كل هذا النقاش، أتوقع أن عديدا من القراء سيعيدون النقاش للمربع الأول وفق اتجاهين:
الأول سيصرخ، ماذا عن سورة التوبة وآيات الحض على القتل، وحروب المسلمين من أيام الدعوة، وفتاوى تحليل دماء المخالفين والكفار، وتغطية المرأة، وضرب الناس على الصلاة، و ... إلخ. وهنا أكرر أن هذه الدراسة لا تريد الدخول في نقاش لا نهائي حول النصوص وتفاسيرها وظروفها وحول من كتب التاريخ وكيف ولماذا. بهذه الدراسة أناقش حقائق إنسانية واضحة وثابتة لأننا كبشر نحن هنا الآن وعددنا فاق السبع مليارات من البشر الأحياء. الإصرار على قراءة البشر من خلال انتقائيات النص والتاريخ هو أسلوب السلطة في النقاش الذي هو بالواقع جدل ممتد منذ آلاف السنين بدون أي نتيجة مفيدة للبشر بعمومهم بل بقي أداة تحكم أساسية في جموعهم من خلال ما يسمى نخبتهم.
الثاني سيصرخ، الإسلام هو أكثر الأديان رحمة وعدلا ويأتينا أيضا بنصوص ونصوص من عند الآخرين، والمسلمين هم "أرحم الفاتحين" ويأتينا بقصص العهدة العمرية ووصايا أبي بكر، وقصة "فتح" سمرقند... إلخ. وهنا أضيف، الله العادل كما تؤمن به لا يمكن أن يخلقك أكثر عدلا ورحمة وأخلاقا لأنك بالصدفة ولدت مسلما ببيئة مسلمة. ولا وجود إحصائيا لمبدأ "ها قد بلغت سن الرشد فاختر الدين الصحيح"، غالبية مطلقة من البشر تقبل ما ورثته عن مجتمعها من أخلاق ودين ولون وعادات والمتمردون هم قلائل ونوادر عند كل البشر. ولولا توسع الإمبراطورية الإسلامية لما انتشر الإسلام ولما وصل تجارهم إلى إندونيسيا. وكذلك لولا توسع الإمبراطورية الرومانية لما وصلت المسيحية إلى أوروبا، ولولا توسع الاستعمار الأوروبي لما وصلت الكنيسة إلى إفريقيا وأمريكا. أما أحداث التاريخ حسابا بالدموية والحروب فالفروق بين تاريخ البشر لا يفضل بعضه بعضا. إنما تكمن المشكلة أيضا في قراءتك الانتقائية. وإذا كنت مصرا أن تقنع الآخر أن الإسلام دين رحمة بناء على أن أي دين آخر هو دون الإسلام، فلن تنجح أبدا وتعود أيضا لمربع المحتج السابق في جدالات السلطة اللانهائية.
بغض النظر عن إيماننا بالله من عدمه، وموقفنا من أن الله أزلي سرمدي موجود بذاته مستقلا عن الكون. فإن الله والدين والفلسفة والإيدلوجية والأخلاق والكون بالنسبة لنا كبشر محصور بعقل وعاطفة الإنسان وأي تقييم لأي دين أو فلسفة أو أيدلوجية من حيث تأثيرها على الناس وحركة التاريخ لا يأخذ هذه الحقيقة الأساسية كمنطلق هو تقييم خاطئ حتما.
الحاجة ماسة جدا الآن للتفريق بين النقاشات الفلسفية والأكاديمية والمقارناتية وبين النقاشات حول البشر وتفاعلهم مع البنية الفكرية للمجتمع والمكان والزمان.
اقرأ ايضاً