اثار طرح قانونا الاحوال الشخصية والقضاء الجعفري من قبل وزير العدل العراقي حسن الشمري ردود افعال متباينة اتسمت اكثرها بمهاجمة القانون وهذا ما توقعه السيد الوزير عند طرحه لهذا المقترح
لذا وجب علينا الوقوف عند عدة نقاط لنبين مدى قوة هذه الخطوة مبتدئين بعرض تاريخي لقانون الاحوال الشخصية في العراق منذ زمن الحكم العثماني والى يومنا هذا
عملت الدولة العثمانية قبل نهاية حكمها للعراق على تقنين بعض القوانين محاولة منها لاصلاح وضعها المتدهور والمتهالك ، فاصدرت مجلة الاحكام العدلية سنة (1293 ه-1882 م) لتكون بمثابة تقنين لاحكام الشريعة الاسلامية وفق المذهب الحنفي الذي اعتمدته الدولة، ولتكون اطارا شاملا لجميع المعاملات المدنية والتجارية، وقد احتوت على 1851 مادة. ومنذ ذلك الوقت جرى تاسيس السجلات الشرعية التي تعني بقرارات المحاكم الشرعية.
وبعد تاسيس الدولة الوطنية العراقية في اوائل العشرينيات من القرن الماضي، تغير اسم المحاكم الشرعية الى محاكم( الاحوال الشخصية)
ففي عام 1923 تشكلت المحاكم الجعفرية، وأسس مجلس تمييز شرعي جعفري ، وترأسه العلامة المتنور هبة الدين الشهرستاني (ت 1967)، ثم الشيخ علي الشرقي (ت 1964). وبأثره شُرعت المادة (77) من القانون الأساسي العراقي 1925: «يجري القضاء في المحاكم الشرعية وفقاً للأحكام الشرعية الخاصة بكل مذهب من المذاهب الإسلامية، بموجب أحكام قانون خاص، ويكون قاضي من مذهب أكثرية السكان في المحل الذي يعين له، مع بقاء القاضيين السُنَّيين والجعفريَين في مدينتي بغداد والبصرة» (القانون الأساسي).
. ثم أصدرت (1945) «وزارة العدل أمراً بتشكيل لجنة من أربعة أعضاء عهدت إليها وضع لائحة قانون الأحوال الشخصية، وأنجزت هذا المشروع». إلا أن اللجنة لم تتمكن من تجاوز المادة (77) من القانون الأساسي (1925). لذا «أخذت الفقه الإسلامي أساساً لمشروعها كوحدتين أساسيتين، هما المذهب السُنِّي والمذهب الجعفري، فدونت ما أمكن الاتفاق عليه، ولم يُقدر لهذا المشروع أن يصبح قانوناً»
. اعتمد القضاء الشرعي للمسلمين على المذهب الشخصي للمتداعين، وتصدر الاحكام وفقا للفتاوى المعتبرة لهذا المذهب او ذاك. وبناءً على ذلك فقد تشكلت في محكمة التمييز هيئتان احداهما جعفرية نسبة الى المذهب الجعفري للشيعة، واخرى سنية، غالباً ماتتبع المذهب الحنفي الذي عليه اكثر سنة العراق.
ثم صدر قانون تنظيم المحاكم المدنية رقم 32 في العام 1947 واوجب على الطوائف الدينية غير الاسلامية ان تدون احكامها وقواعدها الفقهية وان تقوم بنشرها باشراف وزارة العدل، وفعلا تم ذلك بان نشرت بعض الطوائف المسيحية احكامها في جريدة الوقائع العراقية عدد(2855) بتاريخ 6-7-1950، وكذلك نشر اليهود احكامهم في الوقائع رقم (2698) في 31-1-1949، كما اودعت الاحكام الفقهية للصابئة المندائيين لدى وزارة العدل، اما الايزدية فلم يدونوا احكامهم. وقد نشرت جريدة لالش التي تصدر في اربيل في عدديها(13 و 14) لعام 2001 نص مشروع قانون الاحوال الشخصية للايزديين، اعده اختصاصيون قانونيون.
استمرالقضاء الشرعي خاضعا للقاعدة المذهبية حتى نهاية الخمسينيات حين صدر قانون الاحوال الشخصية رقم 188 الذي شملت احكامه جميع المسلمين وغيرهم الا من استثنوا بقوانين خاصة وهم المسيحيون واليهود. الا ان القانون لم يبق على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، كان اولها في العام 1963. ثم توالت التعديلات في السبعينيات والثمانينيات، اضيفت بموجبها مبادىء جديدة، اغلبها لصالح المرأة، باستثناء ما كان منها ذا طابع سياسي، تم توظيفه لخدمة توجهات نظام صدام حسين الطائفية.
بعدها صدر قرار من مجلس الحكم- الذي تولى جانبا من ادارة العراق عقب سقوط الطاغية - يحمل رقم 137، يقضي بالغاء قانون الاحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي. وان كان هذا القرار قد الغي بعد صدوره بفترة وجيزة في العام 2004 الا ان مفاعيله ظهرت مجددا في نصوص الدستور الذي اقر باستفتاء شعبي وحسب نص المادة 41 من الدستور وهذا ما استندت عليه وزارة العدل في تبنيها مقترح القانونين
بعد هذا العرض التاريخي الموجز نقول هل من الانصاف ان يكون لكل الفرق والمذاهب والاديان قانون خاص بها والشيعة لايحق لهم ذلك هل من الانصاف ان يطبق علي كمواطن في هذا البلد وفي امور ديني قانون يخالف عقيدتي ومذهبي اليس عجيبا ان يؤمن شخص بقانون وضعي ولا يقبل بقانون الهي
من ابسط مخالفات القانون النافذ لاحكام الشريعة الاسلامية وليس فقط مخالف انما يسبب مفسدة للمجتمع وهو تحديد سن الزواج في ثمانية عشر سنة ( م7-1 ) في حين ان الشارع المقدس جعل البلوغ للرجل اربعة عشر عاما ويمكن ان يبلغ قبل هذا العمر اذا ظهرت عليه علامات محددة كذلك المراءة تبلغ بسن تسعة اعوام اليس هذا حرمان لحق ضروري به استقرار المجتمع وتشجيع لجرائم قد ترتكب نتيجة هذا الحرمان وتقارير تشير الى ان اكثر الجرائم التي ترتكب في العراق هي جرائم علاقات لاشرعية وجعل عقوبة لمن يخالف هذا الامر بين الحبس والغرامة بل الادهى من ذلك فرض عقوبة على المتزوج الذي يتزوج بزيجة اخرى وهي الحبس مدة لاتقل عن ثلاث سنوات ولاتزيد على خمس في مخالفة صريحة لقوله تعالى (﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ،) سورة النساء اية 3
ومن الامور ذات الطابع السياسي هو ان جعل للزوجة حق طلب التفريق القضائي في حالة هروب الزوج من الخدمة العسكرية وهذا الامر اصدره مجلس قيادة الثورة المرقم 1529 والمورخ في 13 \12\1985 بل العجيب انه جعل في حالة تكرار الهروب وحكم بالتفريق فان الطلاق يكون طلاقا بائنا بينونة صغرى ( أي يتطلب عقد ومهر جديد في حالة الرجوع لبعضهما )
مع كل ذلك نقول ان هذا اقل ماموجود بالقانون فالمخالفات كثيرة وكثيرة ولايسع المجال لذكرها فنشد على يد وزير العدل لهذه الخطوة الشجاعة وارجوا من الشعب العراقي وبكل اطيافه ان يقف معه لدعم هكذا خطوة تعزز مبدأ الشراكة الحقيقية في الوطن ومن باب اعطي لكل حقا حقه
قال - تعالى -: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون) [المائدة/50]
مقالات اخرى للكاتب