ما نلمسه يوميا من المواقف المختلفة من الاسلام السياسي من جهة و من المتشددين المتنوعين فكرا و خلفية من جهة اخرى، يخلق للجميع مجموعة من التوجسات التي تفرض الحذر على الجيل الجديد المقبل على تقبل و التعمق في الفكر و العقيدة والثقافة التي يتلقوها في بداية حياتهم الجدية و نضوجهم، و التي تصدرها المنابع العديدة في المنطقة و تستوردها المنفعيين .
الارهاب المنتشر الان في العراق و سوريا و الذي امتد و توسع اخيرا الى العالم الغربي هو نتاج بدايات مرنة من المثيرين و الداعمين لتلك الافكار الشمولية العقيدية المثالية المحددة النابعة من التعصب الديني و تشدده و المؤسسة لتلك الاخلاقيات وا لسلوك و النظرة الى الحياة و الى الانسان الاخر .
الفترة الحرجة من حياة الشاب الذي يكون في صراع وجودي حاد مع ذاته و مع الاخر تؤثر فيه ولو كلمة واحدة كانت في تحديد مساره الحياتي العام . الاوساط العقيدية العديدة غير الطبيعية المنتشرة في دولنا و التي يمر فيها و يلتقيها الشاب تكون ملقنا و ممليا عليه بكمية هائلة من الافكار الجاهزة المعلبة المتوارثة التي تبرزها المصالح المختلفة في البلدان الاسلامية اولا و من ثم تستغل الديموقراطية و الحرية الموجودة في الدول الغربية لتنتقل اليها بسهولة تامة ثانيا .
لا جدال حول منبع الارهاب و موقعه، انه الشرق في المقدمة دائما و ما توارثته الاجيال من الاطر الفكرية المؤثرة على الواقع الاجتماعي و الثقافي من اساسه، و المدعومة مباشرة من الظروف الحياتية و النقص الذي يعاني منه الشاب من كافة النواحي الخاصة به و ما لم يلقاه من الضرورات المادية و المعنوية، و هذا ما يستغله الماوراء الطبيعيين و يشجعه على التوجهات الغيبية و منها ينتقل تدريجيا الى التشدد و التصلب في الموقف و التعنت و نفي الاخر المخالف في النتيجة، و هذا ما يبني الارهاب لبنة لبنة .
من المعلوم ان العنف و القتل و المستجدات الاخيرة لسمات الارهاب التي ابتدعها داعش او بالاحرى ورثها تاريخيا لم تات من الفراغ، بل كان الارهاب حاضرا في كل مكان، البيت و المدرسة و الشارع و يفعل فعلته المؤثرة بلين و نعومة و طيب خاطر و يتقبله الجميع و من خلال الاسلام السياسي الذي يعتبر نفسه معتدلا و يدعي عدم ايمانه بالعنف الديني في ظروف ما، و لكنه يمارسه لو اتاحت له الفرصة المناسبة في اي وقت كان .
من جانب، ان ممارسة العنف و تحت حجة القانون امام الملا كما تفعل السعودية الوهابية حكما و شرعا و اخيرا ما حصلت لامراة ميانمارية حكمت عليها المحكمة بقطع الراس في الميدان العام كنموذج للارهاب المستور و العلني و المحرض على العنف و القتل بشكل مباشر ايضا و على الرغم من استحقاق المتهم من الحكم الصادر بحقه ام لا، من جانب اخر . انه نوع اخر من الارهاب من نوع الرعب و اخافة الناس و التاثير على نفسيتهم و ما يفرض عليهم تقبل القتل و سفك الدماء و الاعتداء على الاخر نفسيا .
ليس الارهاب مقتصرا على الدين و تعليماته و اركانه و كيفية تطبيقه فقط و انما العقلية الشمولية سواء كانت عرقية او اثنية او سياسية او عقيدية صرفة هي التي تدفع الى الارهاب بعينه ايضا، النازية و الشوفينية و الفاشية من العوامل الرئيسية للتحريض او الدفع الى الارهاب و افناء الاخر المخالف، و هذه هي الافكار التي تبشر بها و تُفرض على المتلقين و التي تنتج الارهاب هي الارهاب الناعم بعينه، و يمكن ان تتحول في اساسها الى ممارسات القتل و الانتهاك لجميع معاني الحياة، و بدورها هي التي تتحول الى الارهاب الخشن و المتشدد، عدا عملية طرح ما يحمل كل طرف من اي فكر مستند على اية ارضية او فكرة داعمة للتطرف الذي هو الارهاب الناعم بعينه ايضا . اي العوامل التي تؤدي الى صياغة فكرة او عقيدة او نظرة شمولية و تعمل على بثها و نشرها كجزء من مهام المعتنق لها هي التي تؤدي الى الارهاب بنوعيها الناعم و الخشن المتشدد . و لكن الغريب في الامر ان المملكة العربية السعودية وبحكمها الوهابي و ما لها من تاريخ المستلهم من نشر الاسلام و الفتوحات، تستنكر الارهاب و هي في الاساس و بشكل غير مباشر و من خلال سلوكها و تعاملها تدعم الارهاب الناعم بقصد او غيره . و انها تدعي محاربة الارهاب سياسة و لكنها لا تعلم بان سلوكها هي التي تدعم صلب الارهاب، و ليس هناك من الفكر الارهابي المتعدد الموجود كالقاعدة و داعش و ما لف لفهما و هي غير مستلهمة من الشرائع الدين الاسلامي و العقائد المتشددة الغيبية الاخرى الموجودة فيها. و الاغرب انها السعودية نفسها تنظر لافكارها على انها لا ترهب او ترغب على الاقدام على الارهاب و تريد ان تستنكر ما يجري لفظيا، و كل همها هو ان تضع اللوم على الاخر فكريا كان ام سياسيا، و تتقصد في ما يهم صراعها مع العديد من العقائد والافكار الاخرى، فنجدها تنظر مذهبيا لتُلقي اللوم على الاخر من جهة و تلصق التهم بايديولوجيا معينة لتبعد عنها ما يدور، و توافقها في ذلك من القوى العالمية المصلحية لامور خاصة بها، نلمس القاء اللوم على اليسارية بكافة مشاربها و تريد ان تجمع ما لديها من النظرة المسبقة و تصب جام غصبها عليها لاغراض متعددة و تدعمها في ذلك القوى الراسمالية الكبرى . و كمثال على ذلك انها تقف و تتهم اليسارية و بالاخص اللينية و تجمعها مع النازية و الشوفينية لتلصق تهمة الارهاب عليها موازية مع ما لا تقدر ان تنكره من ارهاب الاسلام السياسي و اخره ما يرتكبه داعش، و هي الاعلم قبل غيرها بانها حاملة لنواة الارهاب ان كان ناعما او خشنا فكريا و ايديولوجيا قبل غيرها .
على الرغم من الخلاف المصلحي الظاهر بين الاخوان المسلمين و الوهابية الحاكمة في المملكة السعودية، الا انهما المصدران الاساسيان لبناء و تصدير الارهاب في العالم بعلمهما ايضا، غير انهما مخالفان بناءا على مصالح سياسية و ربما تصل الى اجزاء معينة فكريا من عقائدهما، و لكنهما في الاساس و من حيث تبنيهم الارهاب فكرا و تاريخا لا يمكن التفريق بينهما على ارض الواقع كثيرا .
مقالات اخرى للكاتب