معاناة شعب صبور ينتظر الامل , امتدت لسنوات طويلة لم يضمد جراحه السياسيون بل اوغلوا بطعناتهم لتمويل ماكنتهم السياسية والحزبية الضيقة. خرج من الشعب غيور ليجمع اشلاء بيته وليعيد الامور الى نصابها , سلطت عليه الحراب كما توقع له العقلاء ليتم اغتياله ممتطيا صهوة جواده فارسا لم يترجل عنها كما عرفناه, إشتاق وهو في سفرتحدياته الى عالم الاجتماع علي الوردي ليخفف عنه من وطأة معاناته وليشاركه في تركيب مجتمع قد تحلل الى اطياف, ولينهل ما تبقى من البناة من مستودعات افكاره ليعينهم في بناء انسانه صاحب الافضال على البشرية جمعاء, الذي لايزال ينزف ويئن من جراحات ثلاث المت به وتوالت عليه.
البرج 57 , هو رمز الاصرار والتحدي بعد ان تقطعت اوصاله وشراينه ليعيد الضوء الى منارة بغداد وليطرد شياطين الظلام من المتربصين خارج الاسوار والمتسللين المختبئين خلف اقنعة الديمقراطية لاحياء بلد اصيب بفراغ مؤسسي و هجٌرت ثرواته.
البرج 57 هو المحور الارتكازي لنقل الطاقة الكهربائية لخط الضغط الفائق المزدوج الدائرة بسعة 800 ميكاواط لكل دائرة, ويمثل خط نقل الطاقة الاستراتيجي الذي يرفد مدينة بغداد بالكهرباء من واحدة من اكبر محطات انتاج الطاقة الكهربائية في العراق. يقع البرج في منطقة مبازل تكثر فيها غابة من القصب والبردي في احدى مناطق جنوب بغداد الملتهبة امنياً, والتي كانت مرتعا محصنا لتنظيمات ارهابية وعائقا طبيعيا لمرور الاليات الثقيلة المتخصصة لاعمال الصيانة. استهدف البرج بانتهاكات بربرية وباعمال ارهابية متكررة ابتدات في عام 2006, وبشكل منظم لتدمير اهم قطاع حيوي واكثرها هشاشة يغطي بسعته الجغرافية الوطن كاملاً. وتوسع حجم التدمير ليكون نوعياً ليصل لقياديي الكهرباء وفنييهم. واصبحت المهمة ليس فقط اعادة بناء منظومة كهربائية انهكتها حروب ثلاث وحصار همجي امتد لثلاث عشرة سنة, بل خوض حروب في ميدان قطاع الكهرباء الذي طالما كان عطاءه كبيرا لكل العراقيين . وكانت ذروتها بين عامي (2005-2008).
كان البرج شاهدا على عطاء العراقيين من بناة فنيين وحماة امنيين وهبوا فيه اغلى وانفس عطاء هو دماء الانسان وروحه الزكية فداء للوطن وقربانا لمواطنته, ليشاركوا في تحريره من قضبان سجنه, بصولات يمتطيها فرسان الوطن ومغيراتٍ بدعوات ثكالى الشهداء ثأرا لابطالهم لاعادة شخوصه شامخا مرفرفا عليه راية الوطن خفاقة بارواح شهداءه.
كانت منطقة البرج 57 ساحة ميدان وطني من جموع مجاهدي شرطة حماية الكهرباء وابطال الفرقة الثامنة وطيران الجيش وبدعم جوي دولي وبتنسيق مباشرمن وزارة الدفاع, لتتحرر منطقة صراع بارضها واهليها من براثن الارهاب, ليعود شريان الحياة الى اوصاله ولتسري في عروقه ضياء الطاقة لمنارة بغداد في غرة شهر رمضان في ظهر يوم 14 من ايلول عام 2007.
وبالرغم من تلك الفترة التي كان نصفها مسرحا عسكريا وامنيا تم اعادة اوصال الشبكة الكهربائية الوطنية التي دمرتها قوى الغدر والارهاب, ولتعود شبكة وطنية موحدة من زاخو الى الفاو تحتضن فيها شبكة اقليم كردستان ومنذ انفصالها قسراً عام 1994, تزامن معها انجاز تأهيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية وشبكاتها. ليتسارع فيها بناء مشاريع انتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في اوسع خطة تم اطلاقها في العام 2006 ولعشر سنوات قادمة, لبناء منظومة كهربائية متطورة باحدث التقنيات, مرتكزة على أسس سليمة اسوة بمؤسسات الكهرباء في العالم ومجهزة من أرقى شركات صناعة منظومات الكهرباء. ليبدأ قطف ثمارها في أواخر العام 2011 ولينتهي العراق من أزمة الكهرباء في العام 2013. ولمس المواطن العراقي فيها التحسن فى تجهيز ساعات الطاقة الكهربائية في الأشهر الاولى من عام 2010 الى معدلات تصل الى 18 ساعة في اليوم في معظم مناطق العراق بالرغم من انخفاض او توقف انتاج المحطات الكهرومائية بسبب انخفاض مناسيب المياه في حوضي دجلة والفرات. ورغم كل هذه الجهود التي بذلت لبناء مؤسسة كهرباء مستقلة غير خاضعة لشروط المحاصصة الطائفية والصراعات السياسية وبعيدة عن تجاذبات كتلهم, من خلال ادارتها بقيادات مهنية ومن التكنوقراط، إلا أن صراعات هذه الكتل إنعكست على سير عمل الوزارة وابتزت اداءها, لتصل الى التعرض لقياديي قطاع الكهرباء ولعوائلهم واستمرار استهدافهم بأساليب كيدية رخيصة . وبعد إستعراض ما تقدم, يحق لنا أن نتسائل : هل بهذه السياسات وبهذا التعامل ووسط هذه الصراعات كان ينتظر مواطنينا منا أن ننجز مهامنا في البرنامج الزمني المخطط له؟. كنا صادقين أمام الله وأمام شعبنا وعملنا بكل جد ومثابرة وبروح المسؤولية الوطنية.
مقالات اخرى للكاتب