هذه أول مرة نسمع فيها كلاماً من مسؤول عسكري يختلف عما ألفنا سماعه بشأن الحرب ضد المنظمات الإرهابية. وما كنا نسمعه، بما فيه تصريحات القائد العام للقوات المسلحة، كان يعطي الانطباع باننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر المؤزر على هذه المنظمات.
على الدوام كنا نسمع كلاماً يقلل من قدرات المنظمات الإرهابية، وبخاصة القاعدة، ويعطي الانطباع بانها في النزع الأخير، وهو انطباع كانت تعززه إعلانات مبالغ فيها عن أعداد القتلى والمعتقلين من عناصر هذه المنظمات. في المقابل بقينا نواجه على الأرض وضعاً تتصاعد فيه حدة الهجمات الإرهابية ويتّسع نطاقها، ولا أحد من القيادات العسكرية يفسّر لنا كيف يحصل ما يحصل ولماذا يجري الذي يجري.
يوم الأحد أبلغ المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن وكالة "المدى برس" أن قيادته "لا تستطيع إعلان انتهاء العمليات العسكرية" ضد تنظيم "داعش" في الأنبار أو سواها، وان "الحرب مع التنظيم" لاتزال "كبيرة وشرسة".
هذا كلام مفيد ومسؤول، لا يبالغ في قدرات قواتنا، ولا يهوّن من قدرات داعش، ولا يشوّش صورة ما يدور في الفلوجة والرمادي.
لو كان العميد سعد معن قد صرّح بخلاف ما جاء في تصريحه هذا، لوضع نفسه ومؤسسته في حال لا تسر الصديق، ففي اليوم نفسه نُشرت معطيات أطلقتها مؤسسة دولية مرموقة أفادت بأن العام المنصرم سجل تقدماً كبيراً في مستوى الإرهاب الذي تمارسه "القاعدة" وفروعها ليس فقط في العراق وإنما في العديد من البلدان الأخرى.
هذه المؤسسة هي مركز بحوث الإرهاب والنزاع المسلح في مؤسسة (IHS) الدولية. وقد أعلن مدير المركز ماثيو هينمان أن عدد الهجمات "الإرهابية في العالم ارتفع في العام الماضي ليصل إلى 18 ألفاً و524 عملية، بزيادة نسبتها 150% عن العام 2009، وان عدد الهجمات الانتحارية في العراق زاد أربعة أضعاف عددها في العامين السابقين، وقال إن "الحالة هنالك (العراق) أسوأ كثيراً، إذ زادت العمليات الإرهابية التي يشنها تنظيم القاعدة بنحو دراماتيكي"، مؤكداً أن "الأعمال الإرهابية المسجلة في العراق تفوق تلك التي تحدث في سوريا وأفغانستان"، لافتاً إلى أن "العدد الكلي للهجمات الانتحارية في العراق في 2013، بلغ ثلاثة أضعاف عدد الهجمات المسجلة في سوريا، وتقريباً ضعف العدد المسجل في أفغانستان".
بصرف النظر عن الأسباب التي جعلت من تنظيم القاعدة يصبح بهذه القوة التي مكّنته من التصرف بحرية لافتة في البلاد الى درجة احتلال مدينتين مهمتين، الرمادي والفلوجة، فأن مصارحة الشعب بالواقع أمر مهم لتحشيد القوى في عملية الكفاح ضد هذا التنظيم، فالحروب لا تُكسب بالتمنيات ولا تضع أوزارها بنشر المعلومات الكاذبة.
مقالات اخرى للكاتب