تحولات النظم عملية مستمرة، وليس هنالك من بقاء لنظام لفترة معقولة... اما السبب فهو عندما يكون العقل السياسي والنظام السياسي لا يتسعان لروح العصر ومتطلباته، ولا ينسجمان مع التحولات الاجتماعية.. فان النظام السياسي بدلاً من ان يتغير تبعا للمتغيرات فانه يتمحور حول ذاته، ويتحجر، ثم لا يلبث ان ينضغط فينهار.. واذ ذاك لا فائدة من البطش، واجهزة المخابرات مهما تعددت ومهما توفرت لها من حرية انتهاك حياة المواطن، وامكانات مادية فكل نظام يريد البقاء يجب ان يتصف بالداينميكية، ويستجيب للحاجات الاجتماعية في تصاعدها، وللظروف المحيطة بالبلاد في تصيرها الدائم...
واذا ما انهار النظام بقوة داخلية فهذا امر طبيعي ولكن حتى لو كان الانهيار بفعل قوة خارجية فان السبب هو كونه منخورا من الداخل ولو لم يكن كذلك لاستطاع الصمود.. معظم الاحزاب عندما تكون في المعارضة... تتغنى بالشعب في شعاراتها وبياناتها وما يصدر عن قياداتها من اقوال.... ومعظم الاحزاب في المعارضة تشكو من ارهاب السلطة ومنهج القمع الذي تتبعه السلطة القائمة... ومعظم الاحزاب في المعارضة تشكو من الظلم والبؤس الذي يعاني منه الفقراء.. ومعظم الاحزاب في المعارضة تعد بالجنة... وتعد بالمساواة... وتدعو للديمقراطية والانتخابات النزيهة.. وتدعو لحرية العمل الحزبي... وتشكو من الرقابة وتدعو الى حرية الاعلام. وتشخص الفساد ورموزه وتطالب بتشريع قانون (من اين لك هذا)... وبالطبع فان معظم الاحزاب في المعارضة تطالب بالقضاء على الاقطاع وترفع شعار الارض لمن يزرعها.. والمعارضون يعدون انهم عندما يستلمون الحكم فسوف يصبح العمال المضطهدون في ظل الوضع القائم هم اسياد المصانع مستقبلاً. وستبنى المساكن، وتعبد الطرق، وتشيد الجسور، وتنهض ابنية المستشفيات، وترتفع الاجور... ولكن ما ان تستلم المعارضة الحكم سواء كانت حزبا او مجموعة احزاب... وتأتي الى المناصب الشخصيات (المناضلة) او (ألمجاهدة) في مصطلحات هذه الايام... فان اول ما تعلنه ان التركة ثقيلة، ويحتاج الاصلاح الى وقت، وعلى المواطن ان يتحمل... واول ما يحدث هو الصراع بين اطراف السلطة الجديدة، فالمشاركة مستحيلة اما الانفراد فهو الضروري.. وسيكون اول الضحايا هم اركان النظام الجديد انفسهم وبتهم شتى كالخيانة، والتآمر، والانحراف، وعدم النزاهة، الى غير ذلك من التسميات.
وما ان تنتهي (الثورة) وكل حكم جديد يسمي نفسه (ثورة) نقول ما ان تنتهي (ألثورة) من تصفية ابنائها حتى تتوجه الى حلفائها الذين ييدأون ينبشون بحثا عن الاخطاء.. ويحل (قانون الثورة) محل قوانين العقوبات المعروفة. وتلصق كلمة خائن او متآمر بكل معارض... وتتسع السجون القائمة لتحوي قدراً اكبر من المعتقلين... اما الجنة وما فيها من ثمار فهي في نظر (ألثوريين) ليست سوى نزعة استهلاكية، برجوازية. وعلى ذكر كلمة (برجوازية) فان الحكام الجدد يتخلون عن اصحابهم القدامى ويعاشرون الطبقة الارقى، والطبقة الارقى لا تقبل الصحبة الا مقابل ثمن... ويصبح الثوري مطيعا لغرائزه، مدفوعاً بنوازع الكبت والحرمان امام جميلات يرتدين الميني جيب ويقدمن له كؤوس الشراب ...وحتى زوجات الايام الخوالي يتحولن الى مربيات وطباخات ليس الا ولا يليق بالحاكم الا زوجة يشترط ان تكون شقراء فالشقرة والوجاهة صنوان. واما توزيع الارض فيتم على الحكام واذا كان الاقطاعي يمتلك 200 دونم مثلاً فان الحاكم الجديد يمتلك 600 اما من يفلح الارض فهم عمال في الدولة... وتحول مجاري الترع نحو ارض السيد الجديد... وأما العمال فهم مشاكسون ولا بد من نقابات لا تدافع عنهم بل تراقب المشاغبين منهم... واما الديمقراطية.. فهي حق الزعيم في ان يعدم، ويسجن، ويصادر، وينتهك الاعراض، ويعلي من يشاء ويخفض من يشاء... والدستور دستوره هو... والبرلمان ليس سلطة تشريع بل جوقة تصفيق. وينسى من يحكمون انهم كانوا مضطهدين وبدلاً من ان يرفعوا عن الناس غائلة الظلم فانهم يثأرون لانفسهم، ولكنهم يثأرون من الشعب المغلوب على امره في كل عهد.. بقيت نقطة جديرة بالانتباه: وهي جوق المستشارين ومدراء المكاتب: هؤلاء يقدمون للحاكم ما يرضيهم اولاً ثم ما يرضيه ويزيده طربا... اما الحقائق المرة او التي تمس مصالحهم فتحجب عنه... وهكذا يطوف الحاكم على قشرة بصل ويظن انه المحبوب والمحترم جداً من قبل 40 مليون كوري مثل كيم ال يونج ، وان الناس تصلي له.. وان الشعب مرتاح لحكمه غاية الراحة في ظل حكمه اوليس هذا ما تقوله الصحف...؟ يروى عن خروشوف الزعيم السوفيتي الراحل انه زار احدى القرى الروسية النائية.. فسأل الناس الذين تجمهروا حوله: - هل انتم مرتاحون؟ واجابوا: - نعم في غاية الراحة ايها الرفيق وسالهم - وهل تصلكم الصحف؟ فاجابو: - بالطبع ايها الرفيق والا كيف عرفنا اننا مرتاحون؟ اوليس من الصحف؟ --------------- في هذا العرض يظهر كم كنا مصيبين: - عندما اعلنت الجماهير ان تكون الانتخابات هي الحكم... - وعندما أقرت على مبدأ التبادل السلمي للسلطة... - وعندما اصرت ان يكون القضاء مستقلا... - وعندما ارادت ان يسري القانون على الجميع حاكما ومحكوما... اما النسج على نفس المنج فانظروا ما حدث لبلادنا، لقد خسر شعبنا الكثير، ولم ينفع استبدال حاكم بآخر سوى انه زاد الامر سوءا على سوء.. وكل نظام يأتي اليوم او غدا سينهار غير مأسوف عليه اذا ما سار على نفس المنوال. ....
مقالات اخرى للكاتب