أعتاد صديقي الكاتب الدكتور علي الفكيكي أن يستبق بتنبؤاته مفردات خطاب المرجع اليعقوبي (دام ظله) والذي يلقيه على مسمع ومرأى عشرات الالاف من المشاركين في تشييع الزهراء (ع) بمناسبة (يوم القيام الفاطمي) وهو اليوم الذي يصادف ذكرى شهادة سيدة النساء فاطمة الزهراء(عليه السلام) في (3) جمادى الاخر على الرواية الثالثة ، وفي هذا اليوم تشهد مدينة النجف تشييعاً مهيبا كل عام لنعش رمزي للصديقة الشهيدة فاطمة (عليها السلام) وينطلق موكب التشييع الذي يتشرف بحمله السادة من ذرية الزهراء (عليه السلام) من (ساحة ثورة العشرين) الى (مرقد أمير المؤمنين "عليه السلام").
وسأشارك صديقي الحبيب الفكيكي هذا العام شغفه في مسألة (التنبؤات) وطبعا لن اتطرق لما اتوقع ان تكون الخطوط العامة والرئيسية في خطاب المرجع الفاطمي لأنني ككاتب ابحث عن مفردات ذلك الخطاب لالتقط منه بعض ما يغنيني من غذاء على صعيد الفكر والروح ، الا انني سوف اذكر بعض ما ستشهده هذه الفعالية الفاطمية الكبرى من تهميش وأقصاء (سياسي وديني ) من قبل الاوساط المهيمنة الدينية والسياسية والاعلامية .
فمثلا للعام العاشر على التوالي سوف لن نشهد حضور قناة (دينية) شيعية لتغطية فعاليات هذه الزيارة الفاطمية لا ببث مباشر ولا بتسجيل لفعالياتها وبثها او بعض مفرداتها فيما بعد ، وربما في حالت قامت أحدى تلك القنوات الفضائية (الدينياسية) ببث مقطع عنها فأنها سوف تصبغها بصبغة حزبية سياسية بحتة فتقول ( اقام حزب الفضيلة مظاهرة في النجف الاشرف) وهذا التشويه لمقاصد وحقيقة الزيارة والزوار يدخل طبعا ضمن خانة التقليب الاعلامي للحقيقة وهو منهج اعلامي ذو جذور أموية بحتة .
والحق أقول أن بعض القنوات (اللادينية) سوف تكون اكثر انصافاً وأمانة من تلك القنوات (الدينياسية) وسوف تبث مقاطع من تلك الزيارة والخطاب الفاطمي للمرجعية الدينية وتؤكد ايضا في شريطها المرافق للخبر على مناسبة الفعالية الدينية ، وهذه المفارقة أصبحت من البديهيات على صعيد التعامل الاعلامي مع الزيارة الفاطمية .
وأيضا للعام العاشر على التوالي لن أتوقع ان تشارك شخصية دينية (كبرى) و(صغرى) من مراجع الدين العظام والعلماء الاعلام والخطباء الكرام من المحسوبين على التيارات المرجعية والسياسية (الاخرى) في النجف الاشرف وغيرها من المدن التي تكتظ بالعمائم السوداء والبيضاء لطلبة العلوم الدينية الذين ينهلون من خير فاطمة ومن بركات أبيها وبعلها وولديها والائمة من ذريتها وينعمون بفيض وخيرات موالي فاطمة الزهراء(عليه السلام).
واتوقع أيضا ان هناك في دهاليز البرانيات المظلمة وأزقة مكاتبها الموسعة سوف يتم بث بعض الاشاعات والدعايات المغرضة وربما تصاحبها بعض الممارسات التي تحاول ثني الزائرين عن المشاركة الفاعلة بحجج وبراهين ماكرة مستلة من أساليب بن العاص الباطلة وهناك العديد من السوابق التي تبرهن صحة تنبؤاتي هذه ومنها ما صدر من ابو موسى الاشعري في زماننا الحاضر وما اكثر نسخه من أن هذه الزيارة الفاطمية والتشييع الرمزي لنعش الزهراء (عليه السلام) هو (بدعة) ، اما على صعيد الممارسات التي تستخدم بها الوسائل المادية لضرب الزيارة الفاطمية فهي قيام بعض الجهات المشبوهة بنقل الزوراء لإحياء يوم الزيارة الفاطمية الى مدن اخرى غير النجف ككربلاء والكاظمية ويكون تكاليف تلك الزيارات مدفوعة مسبقا وبالكامل.
هذا غيض من فيض توقعاتي لأنني لو استمريت او توسعت قليلا فأن ذلك سوف يكون وفقاً للعقلية الجامدة او المخدرة خروجا على الخط الاحمر وربما سيكون كذلك خروجا على الملة ولا استبعد ان اتهم بالزندقة ؟!
وأعود الى يوم القيام الفاطمي فطوال (10) سنوات من عمر الزيارة الفاطمية التي أحيياها ناصر الزهراء ومشيعها نهاراً جهاراً المرجع اليعقوبي (دام ظله الوارف) كان الجميع يترقب الخطاب الفاطمي اليعقوبي لما تتضمنه مفردات ذلك الخطاب من تشخيص وتحليل وواقعية ، ومنذ تاريخ أول خطاب في فاطمي مرجعي في (29/6/2006) الى خطاب العام الماضي في (3/4/2014) كان سماحة المرجع اليعقوبي يستشرف سيرة ومسيرة تاريخ حركة السيدة الزهراء(عليه السلام) ليستل من مواقفها دروساً ومناهجاً وآليات للنهوض الديني والاجتماعي والسياسي والاخلاقي وحلول للأزمات والمشاكل المختلفة التي تعصف بالإنسانية عموما والعراقيين على وجه الخصوص ، وكانت البرامج التي يبثها المرجع اليعقوبي من خلال المنبر الفاطمي مشاريع جاهزة للعمل بها والخروج من خلالها من التيه الذي عصف ولا يزال يعصف بالبلاد من (10) سنوات عاش ولا زال خلالها العراقيون فصولا من المحن والابتلاءات الكبيرة بفعل التقصير المتعمد من قبل المتصدين والقيادات العاجزة سوى عن الاستئثار بالسلطة والمقدرات .
ومنذ خطابه الفاطمي الاول في (2006) والمعنون (فاطمة ميزان الحق) والى خطاب للعام الماضي (2014) والذي عنونه سماحة المرجع اليعقوبي بـ (السيدة الزهراء (ع) وإقامة حكم الله تعالى) كانت الدورس والعبر التي تعلمناها من فيض تلك الخطابات عامر وحافل بالفكر والاخلاق والعقيدة ، ولولا تلك الخطابات التي أعادت وصححت أهداف الحركة الفاطمية بوجه الانحراف والمنحرفين المنقلبين على أعقابهم لبقينا لا نفهم من ملامح الثورة الفاطمية سوى الاثارات والمشاهد التاريخية التي مهما كانت مهمة الا انها سوف تحجب عنا عطاء 18 عام من حياة الصديقة فاطمة أم أبيها (عليهما الصلاة والسلام).
من الخطاب المرجعي الفاطمي (فاطمة ميزان الحق) تلمسنا ان احياء ذكرى السيدة الزهراء (عليها السلام) يعني الاهتداء الى الحق الذي كان عنوانه (علي) ويكفي ان من ( يرضا الله لرضاها) رسمت طريق النجاة والفوز العظيم لكل من يبحث عن الحقيقة ، لأن الزهراء (عليه السلام) هي ميزان الحق الالهي ومعياره الذي خسر وباء بغضب وسخط من الله تعالى من خالفه وكذبه ونبذه .
ومن (فاطمة ميزان الحق) عرفنا أن الحرية الحقيقية هي بالتحرر من الاهواء المريضة والعبودية للذات ومن الانقياد خلف جموح النفس التواقة للتمرد والتغطرس ، وتعلمنا ايضاً ان التوحيد الخالص لله تعالى لا يتحقق الا بالابتعاد عن الطمع والهوى والانانية والمصالح ولا يصل الى مرفأ التوحيد من غرق في بحر طاعة الطواغيت والظالمين والمنحرفين وانساق لتقديس وعبادة الاصنام البشرية والمادية جرياً على عادة أهل الجاهلية وسلوكهم الاستحماري الاستصحابي { قالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }.
ومن (فاطمة ميزان الحق) تعلمنا أن الاسلام يقود الحياة وأن الفرج سوف يتحقق عندما تنقاد الامة الى قادتها العاملين المخلصين وتنبذ ادعياء القيادة والمتقمصين لثوبها زورا وبهتانا وترفض تسلط الظالمين والفاسدين على رقابها بغير الحق .
ومن خطاب (السيدة الزهراء (ع) وإقامة حكم الله تعالى) آمنا ان السيدة الزهراء (عليها السلام) عندما خرجت لتتصدى للمنقلبين على الاعقاب ومحرفين الكتاب لم تخرج للمطالبة بحقها وحق بعلها بالخلافة وفدك فقط ، وانما لتثبيت حكم الله تعالى واقامة واحياء شريعته ، وكان منطلقها ومنبع خطابها لمحاججة الظالمين هو كتاب الله تعالى وآياته الكريمة ليكون الحكم بينها وبين القوم الظالمين ولتبعث على طول التاريخ رسالة مفادها أن تطبيق الاحكام الشرعية وتنظيم شؤون الحياة للفرد والامة على أساس الشريعة هو الهدف الذي يجب ان يسعى اليه الفاطميون في كل زمان ومكان وان التسويف والتعطيل والتأجيل الذي ينطلق البعض من خلاله لتعطيل حكم الله تعالى هو حكم الجاهلية الذي كان دائما ديدن المنحرفين والمتبرقعين بثوب القداسة المزيف وصناعها الانتهازيين.
من خلال الخطاب الفاطمي للمرجع اليعقوبي تعلمنا واستوعبنا العديد من الدروس والعبر ومنها : أن السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) هي ميزان الحق الذي ينشده المتحيرون دائما للوصول الى الحق والحقيقة المنشودة ، وأن يوم الزهراء (عليه السلام) هو يوم الفرقان الذي تميز ويتميز فيه على مسار التأريخ الحد الفاصل بين القيادة الحقة المتمثلة بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) والائمة المعصومين ومن ينوب عنهم في زمن غيبة الامام المهدي (عليه السلام) وبين أدعياء القيادة والمتقمصين لها بغير حق منذ تقمص المنقلبين والى ان يملأ الله تعالى الارض قسطا وعدلا ، وان من يريد نصرة فاطمة ويبحث عن رضا الله تعالى ورسوله والذي هو من رضاها أن يسعى لإقامة احكام الله تعالى واحياء شريعته المعطلة واستنقاذ عباده من الضلالة والجهالة ، وأخيرا وليس اخرا تعلمنا من يوم القيام الفاطمي أن السيدة الزهراء (عليه السلام)هي بحق مدرسة لكل الناس، وسفر خالد تنهل منه الأجيال.
مقالات اخرى للكاتب