بدأ معظم الناشطين والسياسيين الأكراد نضالهم السياسي في بغداد أواخر الخمسينات من القرن الماضي وكانوا في حُراك مستمر في تلك المرحلة حتى أنهم كانوا يتكلمون العربية بطلاقة مثلما يتكلمها العرب.
أما اليوم فتتجنب غالبية الاحزاب الكردية في كردستان العراق استخدام اللغة العربية في أسمائها وعلى شعاراتها رغم مشاركتها في الحكومة الاتحادية في بغداد.
حين بدأت الاحزاب السياسية في العراق بالظهور بعد انقلاب عبدالكريم قاسم ضد الحكم الملكي في تموز (يوليو) 1958 لم يقف الأكراد مكتوفي الأيدي بل خرجوا بنضالهم السري خلال الحكم الملكي الى العلن أثناء النظام الجمهوري.
حينذاك كانت بغداد أفضل مكان لانطلاق ذلك النضال، وكانت غالبية الصحف والمنشورات الحزبية تصدر باللغة العربية، ومع أن الأحزاب الكردية وشعاراتها كانت تعبِّر عن النضال من أجل حقوق الأكراد إلا أن اللغة والأدبيات العربية كانت تطغى عليها، أما اليوم فالأحزاب الكردية لا تهتم كثيراً باللغة العربية.
يقول الدكتور درباز محمد الاستاذ في كلية العلوم الانسانية في جامعة السليمانية ان هذا الموضوع مرتبط بظهور التكنولوجيا التي اخرجت الاحزاب الكردية من فترة لم يكن يوجد فيها سوى الاذاعة لايصال صوتها وسبب عدم استخدام اللغة الكردية في شعاراتها هو للفت انتباه العرب.
ويضيف الدكتور درباز:" في فترة النضال الثوري في الجبال لم تكن هناك قناة تلفزيونية ولم تكن لدى الثورة صحيفة تنشر في العالم العربي، كانت الاذاعة هي الوسيلة الوحيدة المتاحة، وكانت الاحزاب تستخدم الكلمات والمقالات العربية في شعاراتها ورسائلها للتعريف عن نفسيها، اما اليوم فالمرحلة تغيّرت بعد دخول شيوع الفضائيات والانترنت والصحف فبات الانتشار اسهل بكثير من سنوات بداية الثورة".
المراقبون السياسيون يرون أن سبب عدم الاهتمام باللغة العربية كما كان في الماضي يعود إلى الازدهار الذي يشهده إقليم كردستان مقارنة بالمدن العراقية الأخرى وكذلك الانقطاع الكبير لسكان كردستان عن المدن العراقية الاخرى، فضلا عن ذلك فان الاحزاب الكردية لم تعد معرّضة لخطر التصفية والتهديد من جانب بغداد فبدأت بالتوجه نحو دول الجوار والغرب وهي بذلك لا تحتاج اللغة العربية.
ثلاثة أحزاب كردية كبيرة هي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الاسلامي الكردستاني عقدت مؤتمراتها في عامي 2010 - 2011 ، والأحزاب الثلاثة كتبت شعاراتها باللغتين الكردية والانكليزية وهمشّت العربية.
وإذا كانت الأحزاب القومية والعلمانية تخلّت عن كتابة أسمائها على شعاراتها باللغة العربية، فان حزبين إسلاميين يملكان العديد من الأنصار وهما (الجماعة الاسلامية والاتحاد الاسلامي) حافظا على استخدامهما للغة العربية وهما متهمان من قبل الأحزاب القومية الكردية الأخرى بطغيان اللغة والأدبيات العربية على عملهما السياسي.
ويؤكد الدكتور درباز "لم تعد الاحزاب الكردية تحتاج التعريف عن نفسها كما في الماضي فاقليم كردستان أصبح أمراً واقعاً ولدى الصين وكوريا واليابان والدول الاوروبية معلومات عنه، فضلا عن أن الأحزاب الكردية ليس ليس لها مؤيدين في المنطقة العربية.
تهميش اللغة العربية في كردستان العراق ليس حكراً على الأحزاب فقط بل أصبح حقيقة واقعة في مراكز التعليم والاماكن العامة وتشهد معاهد تعلم اللغة في مدن كردستان إقبالا ضعيفاً من قبل طالبي تعلُّم العربية على عكس اللغات الانكليزية والفرنسية والتركية.
قادة الأحزاب الكردية من جهتهم يتجنبون الحديث صراحة عن السبب وراء عدم استخدام اللغة العربية على شعاراتهم وكل واحد منهم ياتي بمبررات تشوبها الشكوك.
بليسة جبار فرمان العضوة القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني قالت لـ(نقاش) إنهم كانوا ينوون في مؤتمر حزبهم الأخير الذي عقد في شهر تشرين الاول (اكتوبر) عام 2010 وضع اللغة العربية على شعار الحزب.
وتضيف "في النهاية استقرينا على كتابة اسم الحزب على الشعار باللغتين الكردية والانكليزية فقط ".
إلا أن محمد حكيم عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية الكردستانية له رأي آخر حول الموضوع حيث قال إن "تهميش اللغة العربية في كردستان العراق مرتبط بالانقطاع الكبير الذي حصل بين الإقليم وبغداد في السنوات التي سبقت سقوط نظام صدام حسين، فضلا عن وجود حملة قومية في كردستان لابعاد اللغة العربية وكان هذا دافعا لعدم الاهتمام بها في مراكز التعليم وتهميشها".
اللغة العربية اليوم مهمّشة على مستوى الشارع الكردي في كردستان العراق والاهتمام بها ينحصر في مجال العمل والتعامل السياحي مع الوافدين، بل إن غالبية الأكراد يتعلمون اللغة العربية من الفضائيات بلهجات مصرية ولبنانية ومن النادر ان يتعلموا اللغة باللهجة العراقية.
مقالات اخرى للكاتب