لم يفهم أبو ياسين الإسلام فهما تقليديا كما فهمه الآخرون ، ولم يرتديه جلبابا ليستأثر بسمعة أو جاه أو مكانة إجتماعية وهو ذو النسب الشريف سليل إمراء العراق من قبيلة عباده العربية العريقة ، ولم يحمله فكرا جامدا مكتوبا بطلاسم معقدة يصعب فك رموزها. فهم الأسلام حياة وحركة دائمة نتاجها الحرية والكرامة والعز والأستسلام والعبودية لله تعالى ، فهم الأسلام حبا وإخلاصا وثورة ورفضا للظلم ومقاومة وصرخة تدوي عبر الأجيال تصك آذان الجبابرة وترعب الطغاة ولذا كان حبه وولاءه فقط لله ولأوليائه الذين ذابو حبا في الله فخلص في حبه لهم فكان عبـــدا للزهراء عليها السلام لأنها رمز الحب لله ورمز الفداء ورمز المقاومة والصرخة المدوية عبر القرون يتوارثها الأحرار.
إبن الجنوب كان ينظر في أفق رحب ينهل من ينابيع التقوى وينظر بعين بصيرة فعاش مشروعا إنسانيا يسعى لتطبيقه ولو على قطعة صغيرة من أرض الجنوب لتكون نواة لدولة الإنسان المنشودة تحت راية الأسلام الخالد ... فلم يخلد الى الراحة والسبات بل استعد وتصدى لأداء هذه المهمة بكل قواه فتارة يشحذ يراعه ليسطر أفكاره لتكون نورا في طريق الباحثين عن الحقيقة وسط ظلام حالك ، وتارة أخرى نجده خطيبا مفوها ينطق بالحق دون خشية من الطاغوت وتارة معلما ومربيا وأخرى مجاهدا بسيفه. هاجر بمشروعه الأنساني يطوف الليالي منفيا فصار مجلسه ومنزله في المنفى مأوى لإخوانه المشردين من أجل العقيدة والإنتماء فحملهم بقلبه وقدم لهم ما استطاع.
عاد أبو ياسين بعد طول غياب لكنه لم يقعد متقاعسا عن إداء المهمة أو يلقي بالمسؤولية على الآخرين ، بل أخذ موقعه كرائد في ميدان التغير رافعا شعاره دولة الأنسان فقدم كل جهده وكل مايملك من أجله فجاد بنفسه. نعم قُتل عز الدين سليم لأنه يحمل مشروعا لأبناء قومه وعقيدته ، قُتل عز الدين سليم لأنه يحمل فكرا قتل لأنه يمثل تطلعات أمة وقتل لأنه عراقيا أصيلا إسلاميا آمن أن لاحياة كريمة ولا عيش رغيد إلا بالوقوف بوجه الطغاة واتخاذ الإسلام العظيم نهجا في الحياة ، فلم يتنازل عن فكره ومبادئه وشعاره فعاش عزيزا ومات سليم القلب لأنه آثر أن يأتي الله بقلب سليم....
مقالات اخرى للكاتب