في معركة صفين، أتى رجل للإمام علي يسأله عن الحق، هل هو معه أم مع معاوية؟ فأشار عليه الإمام أن يذهب الى ثلة جالسة غير بعيد عنه، وأن يسأل عن شيخ في التسعين اسمه عمار بن ياسر، وسيجد عنده ضالته.
ذهب الرجل الى حلقة الرجال تلك، واستدل على عمار فبادره بسؤاله: يا شيخ، هل الحق مع علي أم مع معاوية؟ فأجابه عمار: يا أخا العرب، أنا أصدقك القول، أترى هذه الراية المرفرفة التي تظللنا، أنا حاربت تحتها في بدر وأحد ويوم الاحزاب وحنين، ثم لو في غد دارت رحى المعركة وانتصرت علينا أعاجم العرب الملتفين حول رداء ابن هند، فوالله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر (يقصد نخل نجد) لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل.
واليوم، نرى البيانات التي تصدر عن المنضوين تحت راية العملية السياسية، وهم الحزب الشيوعي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى والتيار الصدري والديمقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني والمؤتمر الوطني العراقي والوفاق الوطني والوفاق الاسلامي والحركة الاشتراكية والحركة الاشورية، وهذه الرايات حاربنا تحت معظمها أعتى نظام فاشي عرفه التاريخ، ذلك الذي أعمل فينا التعذيب والتشريد والقتل إعداما بالرصاص وشنقا وحتى بالكيمياوي، وأودع في كل بيت بالعراق تابوتا أو أكثر، ومع ذلك لم نهن ولم نستكن، ولم تهتز أمام عيوننا صورة الحق الجلية، وكنا موقنين بأننا منتصرون.
وعما قريب، وبفضل قوى شعبنا الحية وجيشنا المزدان بالاوسمة والطعنات، ستنقشع غيمة الاوغاد السوداء، وسيعود للحدباء ربيعها، وستهدهد الملوية حقولا تسرّ من رأى، وستخط البيارغ اسم المغدور الحاج سعدون التكريتي، وستشرق على أوروك - ثانية - شمس الليالي الألف، وستظل المياه المدنية تترشرش من جرّة كهرمانة.
ولكن على خطابنا واعلامنا الحكوميين أن يرتقيا الى رمزية هذه المعركة الشريفة، فليس من الصحيح أن نستخدم قاموس القادسية السوداء ورجزها ودبكاتها! هل استعصت العربية على مسؤولينا الكبار، حتى لم يبق سوى مفردات (الحرائر) و (صفحة الغدر والخيانة) التي استهلكتها الماكنة المبادة؟ وهل جف نبع الابداع حتى بتنا نقلد بل نستخدم أغنيات الحشد الثمانيني سيئة الصيت؟ دون أن نغيّر فيها سوى أنا ابدلنا (سعدية الزيدي) بـ (آسيا كمال)؟ وكأننا لم نغنّ مثلا (ماهو منك يا شعبنا)!
مقالات اخرى للكاتب