كشفت وثيقة سرية، نشرتها قبل فترة ليست بالبعيدة أحدى وسائل الاعلام العراقية، ان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام المعروف بـــ(داعش) قد أعرب عن ندمه عن خطوة قام بها في الموصل وهي ظهوره المسلح العلني للشارع في هذه المحافظة وسيطرته على بعض المناطق فيها في تلك الفترة التي تحدث عنها التقرير الصحفي .
التبرير الذي ساقه التنظيم على ندمه الظهور بشكل علني في الموصل كان خاضعا، في مستوى معين من مستوياته ، لمنطق هذا التنظيم ونمط تفكيره الذي يتحرك منذ تاسيسه ولحد الان وفقا لمنهج مرسوم خاص به شذّ به حتى على نظرائه من التنظيمات المسلحة، اذ اوضح التنظيم بانهم كمجموعة مسلحة مسيطرة اصلا على الموصل "بالخفاء" ويديرون كل خيوط اللعبة فيها ! فلماذا يظهر للعلن ؟ ويجعل من القوات الامنية تتنبه له وبالتالي تستعد لقتاله والتحشيد له...ومن الممكن بعدها ان يخسر معركته وعناصره التي يجندها من اوربا وبقية الدولة ؟
ماساقه التنظيم في التقرير السري المنشور حول ظهوره العلني أكدته صحيفة التايمز وبقلم الكاتبة كاثرين فيليب التي اشارت الى ان تنظيم داعش يستحصل من الموصل، قبل ان تسقط بين يديه بالطبع، حوالي مليون دولار شهريا، ومن هذه الاموال يموّل الكثير من العمليات الارهابية التي يقوم بها في العراق وسوريا.
وعلى الرغم من اعتراف التنظيم بخطأ الظهور علنياً في الموصل الا انه عاد مرة اخرى ليقوم في العاشر من حزيران الحالي، وتنفيذا لأوامر دول اقليمية وبتعاون اطراف سياسية معروفة في العراق ، باحتلال محافظة الموصل، وبذلك خرج التنظيم من ستراتيجية الهجوم والاختباء التي كان يقوم بها سابقا الى الهجوم والمواجهة واحتلال المناطق والمدن بطريقة " طلسمية" و " غرائبية" تخفي بين ثناياها الكثير من الاسرار والمؤامرات التي سيتم كشفها يوما ما.
الغرور "الداعشي" الذي اصابه بعد سقوط الموصل بهذه السرعة والعجرفة " الايمانية" التي انتابته بعد الاجتياج المفاجئ أدى به الى اصدار بيان قراءه المتحدث باسمهه المدعو ابو محمد العدناني دعى فيه انصاره الى الزحف الى بغداد واسقاط المالكي وحكومته، وشدد على ان الهدف من تحركاتهم ليس الوصول الى بغداد بل الى " كربلاء المنجسة والنجف الاشرك " على حد تعبيراته التي تكشف عن اهداف طائفية مقيتة وغايات ارهابية ومساعي استئصالية تخفيها حقيبة عملهم الاجرامية.
الغلطة" الداعشية " الحالية، ادت مبدئيا الى جملة من النتائج الواضحة التي ستنعكس، بل انعكست، مضموناتها ومايترتب عنها ضد داعش وسياسته الاجرامية وكل برامجه التي يخطط لها، بالاتفاق مع الاحزاب والكتل السياسية التي مارست المهادنة حينا والحياد حينا اخر معه، فيما يلي بعض منها :
اولا : دفع المرجعيات الدينية الشيعية الى اصدار فتوى جهاد " كفائي" لكل مواطن قادر على حمل السلاح من اجل مواجهة هذا التنظيم الارهابي، وهو ما ادى الى تطوع آلاف الاشخاص من وسط وجنوب العراق، استجابة لفتوى المرجعية الدينية لحماية مناطق العراق من زحف داعش، وهو الامر الذي عزز من معنويات الجيش وصلّب عوده وارادته العسكرية.
ثانيا :توحيد الموقف السياسي الشيعي الذي شهد في السنوات الاخيرة تشرذما كبيرا وخلافات خطيرة وانقسامات حادة وعدم اتفاق على العديد من الاراء والمواقف السياسية ما دفع الكتل الاخرى، وحتى الكثير من الدول الشقيقة !، للمراهنة على هذه الخلافات من اجل شق وحدة الصف الشيعي وتحقيق اجنداتها على حساب المكون الشيعي.
ثالثا:اعادة الاهتمام الدولي والاقليمي والعربي بالعراق، وعلى نحو ادق، بما يجري على الساحة العراقية من مؤامرات وخطط ارهابية تقودها التنظيمات المسلحة في العراق، وبالتعاون مع دول عربية تحاول تخريب العملية السياسية فيه منذ 2003 ، وهو ما أعاد ، وعلى نحو سريع، تشكيل رؤية دولية واقليمية موحدة ضد داعش وتمدده الجغرافي في العراق، اذ شعرت تلك الدول بخطر هذا التنظيم وبخططه الاجرامية وماينوي القيام به بعد ان يسيطر على الاوضاع في بعض مناطق العراق التي استباحها، وماحدث من رسائل ايجابية وغزل واضح بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة حول امكانيات التعاون لمواجهة الخطر المحدق بالعراق يوضح هذه النتيجة التي دفعت الصحفي البريطاني باتريك كوكبيرن الى كتابة عنوان كبير المغزى في صحيفة الاندبندنت البريطانية يوم الاثنين الماضي يقول فيه " الولايات المتحدة تصطف مع ايران لمحاربة داعش!" .
رابعا: عززّت جبهة العراق الوطنية وامست الكتل السياسية المختلفة بعضها مع بعض في موقف سياسي متقارب من حيث رؤيتها للخطر الذي يهدد العراق ووحدته متمثلا بداعش ، مع استبعاد بعض الاراء السياسية الشاذة لكتل سياسية تدعم الارهاب وقواه الظلامية من اجل تحقيق مكاسب واغراض سياسية غير اخلاقية سوف يتم محاسبتهم عليه عاجلا ام اجلا.
لهذه التنظيم اخطاء بل خطايا اجرامية كبرى بحق الانسانية تعدّت حدود الوصف وتقف اللغة احيانا عاجزة عن الحديث عنها، لكن هذا الخطأ الجديد المتمثل باحتلال الموصل سيكون له ، من الناحية الاستراتيجية ، تداعيات ونتائج اخطر وامضى من غيرها من الاخطاء التي يرتكبها على مستقبل التنظيم الحالم بولايات ودولة اسلامية وهمية !!!
مقالات اخرى للكاتب