اثار نشري على الفيسبوك لنتائج مؤسسة كيو اس (QS)، لتسلسل الجامعات العراقية بضمن تصنيف احسن 100 جامعة عربية لعام 2016 زوبعة من ردود الفعل والآراء المتناقضة بين رأي الذين رأوا في النتائج تخلفا للجامعات العراقية وبين من رآها نتائج ايجابية تدل على التطور الحاصل في الجامعات، بالرغم من تأكيدي من خلال المناقشات المستفيضة على ان النتائج لا تمثل هذا ولا ذاك، ويجب ان تأخذ ايجابيات او سلبيات النتائج على ضوء معايير التصنيف، والتي هي ليست كمعايير الجودة وثيقة الصلة بقياس نوعية المدخلات والمخرجات، او الكفاءة التعليمية والمهنية ومستوى الشهادات، وليست كمثل التصنيفات الاخرى كتصنيف (ARWU) وتصنيف (GWUR) التي تعتبر من اهم التصنيفات واكثرها صحة في تقييم جودة الانتاج العلمي والتعليم. ومن المؤسف ان يكون جل اهتمام الاكاديميين العراقيين منصبا على النتائج، وليس على المعايير والأساليب التي تم بها وضع هذا التصنيف.
لذلك دعنا اولا التعرف على معايير تصنيف كيو اس لهذه السنة، علما انه لم يكن ضروريا توفر معلومات عن كل هذه المعايير التسعة وانما لاربعة او حتى ثلاثة معايير فقط لكي تتبوأ الجامعة مركزا بضمن التصنيف كما كان حال جامعة البصرة والانبار وعدة جامعات عربية اخرى، وبرأي ان هذا سبب كافي لكي تلقى ظلال الشك على نجاعة هذا التصنيف، والمعايير هي كالاتي:
30% للسمعة الاكاديمية عند عدد كبير من الاكاديميين الذين شاركوا في ابداء الرأي،
20% لسمعة الجامعة لدى ارباب العمل وجهات توظيف الخريجين،
20% لنسبة التدريسيين الى عدد الطلبة في الجامعة،
10% للموقع الالكتروني للجامعة استنادا على تسلسل الموقع في تصنيف الويبيمتركس،
5% نسبة حملة شهادة الدكتوراه من التدريسيين،
5% معدل عدد البحوث لكل تدريسي،
5% معدل الاشارات لكل بحث بالاعتماد على مؤشر سكوبس (لم تشمل البحوث باللغة العربية)
2.5% نسبة التدريسيين الاجانب،
2.5% نسبة الطلبة الاجانب.
ضم تصنيف هذا العام 270 جامعة من 21 دولة عربية. تم تصنيف 192 جامعة بصورة اولية (لربما لعدم توفر المعلومات الكافية عن بعض الجامعات)، ليتم بعدها انتقاء افضل 100 جامعة. وضعت المؤسسة اوزان لبعض المعايير خصوصا بما يتعلق بموضوع البحث على اعتبار ان مواضيع كالطب والهندسة وعلوم الحياة، تنشر فيها بحوثا اكثر ولها اشارات اكثر من تلك البحوث التي تنشر في مواضيع كاللغة الانكليزية واللغات الحديثة والانسانيات. وأدى هذا الى ان تمنح الجامعات التي تعتمد على البحوث في الانسانيات والعلوم الاجتماعية نقاطا اكثر نسبيا من الجامعات التي تعتمد على النشر العلمي في المواضيع العلمية.
الجدول ادناه يضم معدلات الجامعات العراقية حسب كل معيار بالإضافة الى معدلات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي تصدرت التصنيف ومعدلات جامعة الامير محمد بن فهد والتي تبوأت المرتبة الاخيرة ضمن احسن 100 جامعة عربية.
نتائج الجامعات العراقية
حصلت جامعة بغداد على المركز الاول عراقيا وبمرتبة 15عربيا حيث تقدمت 3 مقاعد مقارنة بمركزها الذي حصلت عليه في عام 2015. ويلاحظ التطور الملموس في ترتيب الجامعة منذ عام 2014 حيث كانت قد احرزت المرتبة 26 في التسلسل العربي.
تلي جامعة بغداد جامعة بابل في المركز 33 (احتلت المرتبة 42 في عام 2015) وجامعة النهرين في المركز 42 (احتلت المرتبة 41 في عام 2015) ثم جامعة المستنصرية في المرتبة 47 (احتلت المرتبة 51-60 في عام 2015) والبصرة في المرتبة 51-60 بعد ان كانت تحتل المرتبة 61-70 في عام 2015 وتليها السليمانية بقيت في المرتبة 51-60 ، ووقعت جامعتي كربلاء والانبار في المرتبة 61-70 (سابقا 81-90)، ودخلت الجامعة التكنولوجية المرة الاولى في التصنيف حيث احتلت المرتبة 71-80. وبقت جامعة دهوك في مرتبتها 71-80. هذا ولم تدخل الجامعات العراقية الاخرى التصنيف وكانت المفاجأة الكبرى هي خروج جامعة الكوفة من التصنيف.
ملاحظات على تصنيف كيو اس ونتائجه
1- يلاحظ ضعف الجامعات العراقية في الانتاج العلمي والمتمثلة في ضعف معدل الاشارات لكل بحث (الاشارة للبحث كمصدر في بحث او مقالة علمية اخرى) والاشارات لكل استاذ (معدل الاشارات التي تحصل عليها مجمل بحوث الاستاذ وانتاجة العلمي في فترة معينة). وفيما حصلت جامعة فهد للبترول والمعادن على معدل 5 من 5 نقطة في معدل الاشارة للبحوث حصلت اعلى جامعة عراقية وهي السليمانية على 1.8 من 5 نقطة.
2- تميزت الجامعات العراقية بنسب عالية في عدد التدريسيين الى عدد الطلبة. وبما ان وزن هذا المعيار عالي نسبيا ادت نتائجه الى رفع المعدل العام الى نسبة وضعت هذه الجامعات في مرتبات متقدمة. علما ان سبب هذا الارتفاع في الجامعات العراقية يعود الى وجود نسبة عالية من حملة شهادات الماجستير المحلية وليس الى عدد حملة شهادات الدكتوراه.
3- لم تحصل الجامعات العراقية الا على معدلات متواضعة في نسب التدريسيين من حملة شهادات الدكتوراه.
4- يبدو من النتائج انه كلما توفرت قاعدة معلومات اكثر للمعايير التسعة كلما ارتفع مركز الجامعة في التسلسل. لم تتوفر معلومات كاملة لكل المعايير من بين الجامعات العراقية الا لجامعتي بغداد وبابل.
5- لم تتوفر معلومات عن السمعة الاكاديمية والسمعة عند ارباب العمل لجامعات البصرة والسليمانية وكربلاء والانبار والتكنولوجيا ودهوك مما يطرح السؤال عن اهمية ونجاعة التصنيف باعتماده في التقييم على 60% فقط من اصل 100% من قيمة المعايير.
6- لم تتوفر معلومات عن عدد من المعايير تتراوح بين 2 و6 معايير لعدد كبير من الجامعات ومع ذلك تم تصنيف بعض هذه الجامعات في المراتب العليا مما يثير الاستغراب مجددا عن صحة هذا التصنيف. على سبيل المثال كيف يمكن تصنيف جامعة البصرة في المرتبة 51-60 بالاعتماد على درجات ثلاثة معاييرفقط مجموع وزنها 20% ووضع جامعة الانبار في المرتبة 61-70 بالاعتماد على اربعة معايير فقط وزنها 40%.
7- تفوقت جامعة الامير محمد بن فهد التي احرزت آخر مركز في التصنيف وعدد اخر من الجامعات العربية بمعدلاتها في عدد البحوث والاشارات البحثية على كثير من الجامعات العراقية التي احرزت مراكز متقدمة في التصنيف.
8- يضع التباين في معدلات الوبيمتريكس (Webometrics) (تسلسل يعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الالكترونية يمكن اعتباره تصنيف لموقع الجامعة الالكتروني) بين الجامعات العراقية علامات استفهام على طريقة تصنيفها (كما وضحته سابقا في مقالتي المنشورة في صحيفة المدى عدد 3385 بتاريخ 14 حزيران 2015 وبعنوان ضعف مواقع الجامعات العراقية بين الجامعات العربية) حيث اني لا اجد لغاية اليوم فروقا جوهرية في نوعية المواقع الالكترونية للنهرين والمستنصرية والبصرة ودهوك والتي تراوحت نسبها بين 1.2 الى 1.9 من اصل 10 نقاط وبين بغداد وبابل والتي تراوحت نسبتهما 6.6 و 8.5 من اصل 10 نقاط الا لربما في درجة "الوضوح Visibility" والتي تعني عدد الاشارات والروابط التي يحصل عليها الموقع من المواقع الاخرى كدلالة على اهمية المنشورات. يخصص تصنيف الوبيمتريكس للوضوح 50% من مجموع المعايير مما يشجع اللعب بنتائج هذا التصنيف وبعدة طرق منها ارسال رسائل سبام (Spam)لزيادة عدد الروابط للموقع الالكتروني. اني استغرب ان يمنح لمعيار الموقع الالكتروني وزناً اعلى من البحث العلمي فهو معيار سطحي لا يتعلق بجودة مخرجات التعليم والتعلم، وليس له اي وزن حقيقي بين الجامعات العالمية ولقد اهملته حتى تصنيفات كيو اس المتعلقة بترتيب الجامعات العالمية وترتيب الجامعات الاسيوية.
9- بعض الجامعات العراقية أسوة بالجامعات العربية، تدفع اموالا ضخمة الى مؤسسة الكيو أس لكي تحصل على تقييمات تافهة بصورة نجوم لغرض التميّز والتباهي بجودة برامجها التعليمية. لا افهم لماذا تصرف هذه الاموال التي في مقابلها لا تحصل الجامعة على اي تفوق او تقدير دولي مهم ولا يؤدي الى تحسين الجودة، بينما في ظل التقشف يمكن ان تصرف لتطوير وتحسين التعليم والبحث العلمي والبيئة الجامعية. ولو سمحت الجامعات لي وزملائي في شبكة العلماء العراقيين في الخارج من تقييم الدراسات العلمية والانسانية وبالمجان لاستفادت الجامعات من هذه الخدمة.
الخلاصة
ليس لتصنيف كيو اس للجامعات العربية اهمية كبرى للجامعات العراقية فيما عدا اعتبار المقارنة بالجامعات العربية موضوعا يحمل شرعيته نتيجة اهتمام الجامعات والاكاديمين العرب بالتصنيفات العالمية بصورة عامة، بالاضافة الى ان إحدى ايجابيات التصنيف هي امكانية استخدام نتائجه لمراقبة التطور الحاصل في الجامعة عبر السنين. مع ذلك يجب ان لا نهمل ضعف هذا التصنيف من ناحية المعايير المعتمدة والطرق الملتبسة وغير الصحيحة وانعدام الشفافية في تحديد مراكز الجامعات ضمن التسلسل.
ومع استحقاق الجامعات العشرة، خصوصا جامعة بغداد، التهنئة على النتائج الايجابية إلا انها لا تعني بالضرورة حصول تحسن ملحوظ في جودة التدريس والبحث العلمي فهي لازالت كما هو عليه في كل البلدان العربية تعاني من ضعف مزمن وتخلف في المناهج وطرائق التدريس ونوعية البحث العلمي وفي تحديد الاولويات الضرورية للتطوير.
اخيرا، اسمحوا لي ان اعيد ما ذكرته سابقا في ان احد اهم التحديات التي لا زالت تواجه القيادات الجامعية لكي تتبوأ الجامعات العراقية مراتب عالية في السلالم العالمية هو ترسيخ ثقافة التغيير داخل الجامعة، وهي ثقافة تعتمد على الجودة واداراتها والاهتمام بالأستاذ والطالب وبالبيئة الاكاديمية، وبتطبيق شعار "اعطني استاذا وباحثا جيدا اعطيك جامعة ناجحة".
مقالات اخرى للكاتب