الاحداث المتوالية والمتسارعة في الشرق الاوسط ابتداء من الربيع العربي الذي اطاح باغلب الحكومات الديكتاتورية في المنطقة انتهاءا بثورة مصر الثانية يميزه التدخل الخليجي في هذه الثورات ، فدول الخليج العربي خاصة قطر والسعودية اخذت تتحين الفرص لاستغلال عدم الاستقرار في الدول المتحولة الى الديمقراطية واخذت بضخ الاموال في هذه الدول لكسب ودها واستغلالها والتبعية لها ..
فصراع ترأس العرب بين قطر والسعودية على اشده في الاونة الاخيرة، فالمسؤولين في قطر يريدون استغلال هذه الفترة الحرجة في الامة لكي يسيطروا على البلدان العربية ، ساحبة بهذا نفوذ السعودية في بعض الدول التي تشهد تحولا ديمقراطيا.
ان الصراع الدائر في مصر بين الاخوان المسلمين والحكومة المصرية الجديدة حاليا ليس ببعيد عن تجاذب هاتين الدولتين، ففي الثورة الاولى للشعب المصري كان لقطر دورا بارزا في اسقاط نظام مبارك، حيث قامت بضخ الاموال ودعم الاحزاب ذات الايديولوجيات القريبة منها والتابعة لها ،ومن هؤلاء الذين حظوا بدعمها الاخوان المسلمين، فقطر تعد الاب الروحي لهذه الجماعة و تؤمن احتياجتهم من الدعم المالي والاعلامي والغطاء الديني المتمثل (بالشيخ القرضاوي) وعملت دورا كبيرا من خلال وسائل اعلامها في اسقاط نظام مبارك تحت مرآى ومسمع السعودية التي لم تحرك ساكنا وهي ترى افول نفوذها في مصر بعد خلع مبارك القريب منها.
وعمل المسؤولين في قطر على دعم الاخوان بما اوتوا من قوة واستخدموا المال السياسي والغش الاعلامي حتى اوصلوا مرسي الى رئاسة الجمهورية.
ومنذ ذاك الحين والسعودية تراقب عن كثب التطورات السياسية في مصر وهي تتحين الفرصة لاسترجاع هيمنتها ونفوذها فيها، ولم يهدأ لها بال حتى قيام الثورة الثانية التي قادتها (حركة تمرد) وانتهت باسقاط مرسي ، حيث لعبت السعودية دورا مهما في عملية تغيير الحكم بقيامها تمويل (حركة تمرد) وحركت ماكنتها الاعلامية ضد حكم الاخوان واستخدمت نفوذها لدى امريكا واوربا واعطت الضوء الاخضر للعسكر للاطاحة بمرسي.
فاآل سعود لم ينته نفوذهم في مصر بأنتهاء عهد مبارك بل احتفظت بعلاقات متينة مع قيادات الجيش واستخدمتها للاطاحة بحكم الاخوان وهذا ما يفسر تهليلها ومباركتها للثورة الثانية وتبرعها بمليارات الدولارت لمصر، وهذا يوجه اصابع الاتهام للسعودية بانها كانت تقف خلف تلك الثورة، ولم يتوقف نفوذها على تغيير شكل الحكم فقط بل وصل الى تدخلها في تشكيل الحكومة الحالية.
فرئيس جمهورية مصر الحالي عدلي منصور ورئيس وزرائه حازم الببلاوي تربطهما علاقات وثيقة مع السعودية والكويت، بحكم انهم عملوا سابقا كمستشارين في المؤسسات الحكومية لهاتين الدولتين في السنين الماضية، وهذا ما يفسر تحركات هذين الرجلين المشبوهة، لا بل اذهب ابعد من ذلك واقل بانهم يأتمرون باوامر من السعودية ،بسبب بيان رئاسة الجمهورية الذي كشف عورة الحكومة المصرية الحالية حيث اتى مباشرة بعد خطاب لملك السعودية حيث جاء في البيان الصحفي للحكومة المصرية بان مصر حاليا تواجه الارهاب ، وما يدور في مصر الان من احداث ليس بسبب الخلاف السياسي على شرعية الحكم ،وهذا نفس مضمون خطاب ملك السعودية عبد الله الذي قال فيه ان السعودية تقف مع مصر في مواجهة الارهاب حيث صنف الاخوان المسلمين ضمن قائمة الارهاب !! وهذا يبين تبعية الحكومة المصرية الحالية للسعودية وهي تطبق خططها للقضاء على الاخوان المسلمين بجعلها ضمن المجموعات الارهابية التي ستحظر عما قريب.
لقد كشفت احداث رابعة العدوية وميدان النهضة والاحداث التي اعقبتها عن وجود صراع خليجي خليجي على مصر متمثل بقطر والسعودية وهذا يعود الى الاختلاف بين هاتين الدولتين في دعم التيارات الاسلامية.
فالسعودية تدعم الفكر الوهابي والسلفي وبعض العلمانيين القريبين منها وترى وصول الاخوان المسلمين الى سدة الحكم في مصر انتهاء لنفوذها اما قطر فتريد ان تتسيد العالم العربي متخذة من حركة الاخوان جسرا لهذا .
ان المال الخليجي اخذ يغذي حركات سياسية متصارعة في مصر وهذا خلق شرخ في النسيج الاجتماعي المصري وجعل منها ساحة للفوضى والخراب وسيجرها الى الاقتتال الداخلي،فالسعودية وقطر لم تلعب على وتر الطائفية في مصر كما لعبتها في دول اخرى باعتبار شعب مصر ذو صبغة واحدة وانما استغلت ورقة الصراعات بين الكتل السياسية والاحزاب المصرية لضرب جيش مصر الذي اجمع الشعب المصري على ولائه وحبه سابقا.
لقد كان الجيش المصري هو ثقل مصر واعتماد شعبه عليه في التصدي للمؤامرات الخارجية، وبرهن ذلك حين لزم الحياد في الثورة الاولى ،اما في الثورة الثانية لم يكن اهل للمهمة وعمل ضد شريحة معينة من الشعب، بغض النظر عن انتمائهم او ميولهم الديني، وهذا احدث انقساما كبيرا بين اوساط المصريين في تأييد الجيش المصري.
ان الصراع الخليجي الخليجي على مصر سيحرقها ،وهي الان تدخل مرحلة خطيرة بحدوث انقسام كبير بين اطياف شعبها وهي الان تمر باخطر مرحلة في تاريخها الحديث حيث دخلت في الفوضى وشعبها يتقاتل في الشوارع دفاعا كلاً عن شرعية حكومته ،والشرطة المصرية الضعيفة وضعت في موقف لا يحسد عليه، اما الجيش فوجد من يعاديه بعد ان التف الشعب حوله من قبل، وتحركاته الاخيرة وضعت علامات استفهام حول انتماءات وارتباطات قياداته بالخارج ومدى ولائها لكافة اطياف الشعب المصري .
لقد نجحت السعودية وقطر وباقي الدول الخليجية المتخفية تحت عباءة هاتين الدولتين بخلق الفتنة بين اطياف الشعب المصري، وصراعمهما هذا
يفسر ان دول الخليج تريد للعالم العربي ان يحترق ويبقى في فوضى وتبقى هي في امان تتحكم بالشعوب من خلال اجندتها وبعض من مؤتمريها ، كي تكون هي المسيطرة على قراراتها السياسية فدول الخليج لم تكن يوما حل للمشكلة وانما اصبحت حجر عثرة او هي من تصنع الازمات في الدول العربية كي تخلق حكومات تابعة لها .
مقالات اخرى للكاتب