يوما بعد يوم تحول هذا النظام الذي شقينا من اجله اكثر من ثلاثين عاما ضدنا. لم نتحول ضده . هو الذي تحول ضدنا. بدأنا بالاتفاق على هدف : اسقاط النظام الدكتاتوري واقامة النظام الديمقراطي. قد يكون هذا الهدف شعارا اكثر منه هدفا، لكنه كان خط الاتفاق الاخير الذي تنتهي عنده المعارضة العراقية السابقة. لم اكن اثق بالمعارضة تلك. لكن من اين تأتي بمعارضة اخرى ، خاصة وان الذين كانوا يخرجون من نظام صدام لشتى الاسباب المقبولة وغير المقبولة، كانوا يجدون منصة لهم ومسرحا لعروضهم في تلك المعارضة خاصة العسكريين منهم وكبار البعثيين. كنت وما ازال اعتبر ان السياسة العراقية بحاجة الى ثقافة. وان الازمة السياسية العراقية محددة بغياب ثقافة قانونية ودستورية وفكرية ناضجة وعقلانية ومحددة بغياب مشروع وطني لاعادة بناء المجتمع على اسس المواطنة والحقوق والواجبات . اي باختصار ، كنا ومانزال بحاجة الى كعبة وطنية نحج اليها ونطوف عليها سبع مرات ليكتمل مشروعنا الوطني. لم نبن تلك الكعبة حتى الان. ومازلنا نحج الى فساد وانهيار منظومة اخلاقية وثقافية كاملة. وصار مشاعرنا المقدسة الدسيسة والتدليس واتهام من يعيد قراءة التاريخ بالطائفية ومن يدعو الى مصالح المواطنين مشاغبا ، وبلغ الاتهام حد نعت من يتظاهر بالبعثيين من قبل من تواطأ مع البعث واعاد البعثيين الى الوزارات والسفارات والمراكز الثقافية والاكاديمية في العراق وخارج العراق حتى سلب العراق من عراقييه واصبح بيد من قمعه واذله وفرط بسيادته ومستقبله. وتحولت السياسة الى لعبة قذرة حقا ضحاياها موتى وقتلى وشهداء ،احياء نصف اموات، ووطن ممزق على هويات محلية وعشائرية ودينية وطائفية وكتل سياسية ، وكل هوية بنت قواعدها ومصالحها وفسادها على اساس من التناحر والخصومات والاقتتال المسلح وغير المسلح. منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام ١٩٢١ ترسخت قواعد للعمل السياسي لم نتخلص منها حتى الان على الرغم من اننا نعيش منذ سقوط صدام نظاما دي،قراطيا يستند على دستور وتعددية وتبادل للسلطة وتوزيع للسلطات. والسبب ان الدولة مرت بمراحل متعددة : ضعيفة او متحيزة او حزبية او مناطقية او طبقية، واحيانا غائبة كما هو الوضع الان. الدولة هي الاساس. حتى في التاريخ القديم حين كانت الدولة مدينة او امبراطورية شاسعة الاطراف. فالدولة نظام. وهذا النظام يخلق، عبر قوانينه وادارته، مجتمعا له اهداف ومصالح كما للدولة اهداف ومصالح. ولذلك تتعارض المجتمعات مع دولها في احيان كثيرة حين تكون مصالح الدولة ضد مصالح المجتمع . ليس بالضرورة ان تكون مصالح الدولة فوق المجتمع. ولكن الضرورة هي ان تكون مصالح الدولة هي مصالح المجتمع. والدولة العراقية نشأت متحيزة. نشأت على تراث عثماني عشائري وسلطاني. فمنذ ان تأسس الحكم الملكي تأسست معه التحيزات: الحكم مع مصالح بريطانيا وتوجهاتها والحكم يدفع ثمن تلك المصالح وتلك التوجهات. الشعب يريد والمحتل يريد شيئا آخر اراد ثاني رئيس وزراء للعراق في الدولة الملكية ان يعقد مساومة بين مصالح الانتداب البريطاني ومصالح العراق ودولته الناشئة حديثا. لكن الدولة كانت متحيزة، وستصب بعد تسع سنوات من تأسيسها الى تحيز اوضح لكي يكون هناك (جهاز دستوري ) يتحمل مسؤولية التوقيع على المعاهدة البريطانية -العراقية لعام ١٩٣٠ انتحر السعدون في ١٣ تشرين الثاني ١٩٢٩ وشكل نوري السعيد بطلب من المندوب السيامي البريطاني وزارته الاولى في ٢٣ آذار ١٩٣٠ و بعد سبعة ايام فقط من تشكيل الوزارة بدأ مفاوضاته مع البريطانيين لعقد معاهدة ١٩٣٠.توفي السعدون منتحرا وترك رسالة غامضة لكن فيها موقفا . وسواء صحت الروايات عن مقتله ام لم تصح ونسجت من قبل ذاكرة سياسية ، فانه كان نتاج التناقض الذي نشأت فيه الدولة العراقية. التناقض بين الدولة الامة والدولة الوطنية. ففي نص الوصية التي تفصح عن انتحار السعدون وليس قتله يضع هذه التناقضات امام التاريخ فيقول :( الامة تنتظر الخدمه الانكليزلا يوافقون ، ليس لي ظهير .العراقيون الذين يطلبون الاستقلال ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيرآ عن الاستقلال .هم عاجزون عن تقدير نصائح أمثالي من اصحاب الشرف. يظنونني خائنا للوطن وعبدآ للانكليز.. مااعظم هذه المصيبة. أنا الفدائي لوطني الأكثر اخلاصا قد صبرت على انواع الاهانات وتحملت انواع المذلات. وماذلك الامن هذة البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي واجدادي مرفهين .) التحيز الاخر الذي وقعت في الدولة العراقية هي انها كانت تؤسس برلمانات على هواها وليس استنادا لمصالح الشعب والمجتمع. فلكي يضمن نوري السعيد اغلبية برلمانية تصادق على المعاهدة عمد الى تعطيل جلسات البرلمان ثم طلب من الملك حل البرلمان على الرغم من ان خمسة اشهر فقط كانت قد مرت على تشكيله. ونجح السعيد في تزوير الارادة الوطنية وجاء ببرلمان مزور بعد ان دعا جعفر ابو التمن الى مقاطعة الانتخابات التي جرت في الثاني والعشرين من تشرين الاول في جو متوتر يسوده ارهاب الدولة بعد ان استلم السعيد نفسه وزارة الداخلية بالوكالة ليشرف بنفسه على التزوير والارهاب واجرى سلسلة من التنقلات الادارية لكبار الموظفين لمنع الشخصيات السياسية المعارضة التي اعلنت عن ترشيح نفسها من الفوز في الانتخابات. حين اكرر اننا نعيش ازمة ثقافية فهذا التاريخ المعاصر ، جزء اساسي من هذه الازمة. فبدلا من ان ان تكرس الدولة الحديثة ثقافة ديمقراطية قانونية تؤمن بالمصالح المبتادلة بين العراق ودول العالم ومنها بريطانيا ، اسست لثقافة الاقصاء والتهميش واحتكار السلطة وثقافة الحزب الواحد ، حتى لو اشتركت احزاب شكلية اخرى لكنها تملك ثقافة حكم الحزب الواحد وعقليته وذهنيته وطريقة عمله واساليبه. ديمقراطية هشة وحكم فردي لتسعة عقود بعد هذا التحيز يأتي التحيز الاخر للدولة وهو ان الديمقراطية العراقية نشأت شكلية ، كما نشأت وهي لاتؤمن بالتعددية ولا بالمعارضة ، بحيث قاد ذلك الى ان يأتي دعاة الديمقراطية المعارضون الى الحكم على دبابات الفريق بكر صدقي عام ١٩٣٦ مثل كامل الجادرجي الذي يصنف بشكل غير صحيح بانه اب الديمقراطية العراقية بينما كان انقلابيا، ومثل جعفر ابو التمن وحسين جميل، وقد شهدت هذه الديمقراطية الشكلية ٣٦ وزارة في ٣٧ عاما هي عمر النظام الملكي في العراق مما اثر على الاستقرار السياسي وتوطيد مؤسسات الديمقراطية التي ظلت هشة من جهة ومعزولة عن الارادة العامة للشعب من جهة اخرى. عانت الدولة العراقية من تحيزها ضد القوى السياسية والاحزاب بحيث اجبرت بعضها على العمل سريا خارج (القانون) وتحيزت الدولة لمحاور اقليمية ودولية تخدم سياسة بريطانيا اكثر مما تخدم سياسة العراق. فكان منع تشكيل احزاب سمة بارزة للدولة في العهد الملكي وبذلك تحيزت ضد ممثلي الشعب بغض النظر عن الايديولوجيا السياسية للاحزاب. تحيز آخر يعيد مشكلة الحكم في العراق. كان الامويون (اجانب) بالنسبة للعراقيين وكان العراقيون (رعاعا) بالنسبة للامويين، ولذلك كانت هناك نظرة استعمارية من قبل الامويين للعراق الذي يدر لهم الخراج وواردات الحكم والخلافة التي تنهب. لقد اوصى عبد الملك ابنه الوليد قائلا: اذا انا متّ فشمر ، والبس جلد نمر وضع سيفك على عاتقك، فمن ابدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه) وهذه السياسة هي سياسة التغلب بالسيف دون منهم آخر ودون شريعة ودون مبادئ دينية عانى منها العراقيون حتى اليوم لسوء الحظ. وقد بدأ تحيز الدولة العرقية الحديثة بان ملكها (اجنبي) ليس عراقيا ،لذلك قال الرصافي من اين يرجى للعراق تقدم وسبيل ممتلكيه غير سبيله لا خيرَ في وطنٍ يكون السيف عند جبانه، والمال عند بخيلهِ والرأي عند طريدِه، والعلمُ عند غريبه، والحكمُ عند دخيلهِ تحيز يشبه التقسيم نوع آخر من التحيز هو تحيز طبقي اجتماعي جهوي . فالجهة الجنوبية الشرقية من العراق استمرت على ما هي عليه من تمييز. وقد كرس قانون الجنسية العراقي رقم ٤٢ لسنة ١٩٢٤ هذا التمييز بشكل صارخ حين أعقب صدور القانون التشكيك بوطنية وعراقة سكان تلك المنطقة وأعيد تاريخ المنطقة لتحكمها معايير الحكمين الأموي والعثماني فقد صنفت المنطقة باعتبارها منطقة معادية للسلطة العراقية خلال جميع مراحل التاريخ على الرغم من الانتفاضات العشائرية والسياسية في بقية مناطق العراق ضد الانظمة التسلطية. كيف يعيش العراقي في ظل تحيزات الدولة؟ انه يعيش مقموعا. فقد ظهرت تحيزات جديدة اصابت الدولة العراقية بالعجز والضعف في احسن الاحوال. تحيزات سعت لقلب موازين القوى وليس تعديلها واعادتها الى مسارها الطبيعي الذي يحفظ وحدة وسيادة الدولة والمجتمع. اما الفساد فهو التحيز الاكبر الذي يلغي اية امكانية للتشبث يالدولة باعتبارها حلا. فقد تحولت من حل الى مشكلة والى سبب للتفكيك والانقسام لديما نماذج عديدة من رموز الدولة. عبد المحسن السعدون انتحر.. عبد الكريم قاسم واجه اعداءه بصلابة ويقين بالدولة والشعب وطلب ان يواجه موته بعينين مفتوحتين.. عبد الرحمن عارف مارس الزهد والتواضع والقبول بالامر الواقع.. صدام حسين خسر كل ما وعد به : ترك جيشه مقتولا ولايقاتل.. وهرب بطريقة جبانة وانانية، واختفى بطريقة مذلة والقي القبض عليه بلا مقاومة. يوم التاسع من نيسان ٢٠٠٣ قلت لصديق مصري قومي كان يتمنى ان يهزم صدام الجيش الامريكي.: لقد خسر صاحبك التاريخ والعراق ونفسه في وقت واحد. كان عليه ان يقوم بواحد من موقفين كلاهما مزعج بالنسبة لي لاني لا احب ان يربح ايا من الموقفين : اما ان يجمع آخر ماتبقى له من اسلحة واخر من تبقى له من جنود ويقودهم ليخوض معركته الاخيرة مع الدبابات الامريكية امام الكاميرات في ساحة الفردوس. اذا انتصر فذلك انتصار اكبر مما هو متوقع،، واذا هزم وانتحر فانه سيكون بطلا. ولكن لحسن حظنا انه لم يفعل ايا من الاثنين وذلك ماهو متوقع. لقد خذلكم صدام ياصديقي. قال نعم لقد اتضح انه جبان وليست له قضية وطنية او قومية سوى قضيته الخاصة. تحيز الفساد ضد الفضيلة اليوم يوجد في العراق الالاف في الحكم والسياسة ممن لهم قضيتهم الخاصة. لم ينتحر منهم احد لاي سبب. حتى الاتهام الموثق بالفساد والسرقة والقتل والاغتيالات والارهاب والفضائح الاخلاقية لم يعد سببا للانتحار. لك يعد هناك عار. كل الفضائح والرذائل اصبحت فضائل او انها لم تترك اي اثر للشعور بالعار. لم يعد احد يشعر بالعار. على العكس اصبحت السرقة مدعاة للفخر. لماذا؟ لان الاخلاق انهارت وتسلط من كان ينتهك الاخلاق والقانون وحقوق الاخرين. واختتم بشيئ من التراث الانتهازي للعرب والمسلمين الذي كرس الاستبداد وارسى التملق للمسؤولين . قال ابو حيان التوحيدي في الذخائر والبصائر الجزء الرابع :( كان الحجاج يستثقل زياد بن عمرو العتَكي، فلما اتيى الوفد الذين قدموا على عبد الملك بن مروان من عند الحجاج وزياد حاضر ، قال زياد: يا امير المؤمنين لن الحجاج سيفك الذي لاينبو، وسهمك الذي لايطيش، وخادمك الذي لاتأخذه فيك لومة لائم، فلم يكن بعد ذلك احد اخف على قلب الحجاج من زياد.) سيف وسهم ،، وليس عدلا وحقا.. ويولون ان شخصية الفرد العراقي تتسم بالعنف وانها شخصية ازدواجية .هذا هو تاريخ الدولة الاسلامية. وفي نفس المصدر ،( قال( الصحابي) خالد بن الوليد عن (الصحابي) عمر بن الخطاب : ان ابا بكر ولدنا فرق علينا رقة الوالد.. وان عمر ولدناه فعق عقوق الولد). اصل القصة ان عمر بن الخطاب غضب على خالد حين قتل مالك بن نويرة ومارس الجنس مع زوجته بعد دقائق من قتل مالك بحجة الزواج ولكن بدون عدة . كانت جميلة وتروي روايات ان خالدا قتل مالكا اثناء ماكان يصلي بحجة الردة لكي يسرق منه زوجته الجميلة . وكان عمر يحث ابا بكر ليقتص من خالد . ولكن ماهي صلة القرابة بين خالد وعمر؟ (وانقل من مواقع موالية لخالد) (ما هي صلة القرابة بين سيدنا عمر ابن الخطاب و سيدنا خالد بن الوليد :ان ام عمر هي ابنة عم خالد وتكون الصلة مباشرة ان خالد ابن خال عمر. لأن أم الفاروق عمر ( حنتمة بنت هشام بن المغيرة ) ابنة عم سيدنا خالد بن الوليد .. اي ان ام عمر بن الخطاب هي ابنة عم خالد ابن الوليد،) لكن عمرا كان شديدا ضد مافعله خالد، ابن خال عمر، فسرعان ما عزله عن غزو العراق ونفاه الى حمص حتى مات.وكان النبي محمد قد رفع يديه الى السماء (حتى بان بياض ابطيه، فبي اغلب الروايات كناية عن سخطه وغضبه على خالد ) وقال: اللهم اني ابرأ اليك مما فعل خالد. وكان خالد قد قتل بين جذيمة بعد ان اسلموا وقالوا انا مسلمون وصدقنا محمدا رسول الله. لكن الفكاهة جزء من التاريخ وانقل لكم من التوحيدي نفسه، هذا الاديب الغريب في بلده ومجتمعه ، هذه القصة التي تنطبق على واقع الفساد في العراق اليوم :( ساوم مديني دجاجة بعشرة دراهم، فقال : والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظمة مثل كبش ابراهيم، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ماساوت اكثر من درهمين) بعض سياسيينا الجدد والقدامى لايساوون اكثر من فلسين. وتاريخنا لايساوي اكثر من (فايلين).. من فايلات بلدية قضاء او ناحية.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز