جميع الثورات في العالم العربي اغلب قادتها ومحركيها هم من فئة الشباب، وينطبق الامر نفسه على تظاهرات جمعة ساحة التحرير التي خرجت تنادي بالاصلاح والقضاء على الفساد، لكن يبدو ان المشرع العراقي عند اعداده قانون الاحزاب السياسية مؤخرا مسك العصا من الوسط، ففي المادة التاسعة/ ثانيا نقرأ: «يشترط في من يؤسس حزب او التنظيم السياسي أن يكون قد أكمل الخامسة والعشرين من العمر، ومتمتعاً بالأهلية القانونية». في حين اعطى الدستور والقوانين العراقية الحق للتصويت في الانتخابات لكل من اكمل الثامنة عشر سنة رغم ان بعض البلدان العربية لا تعطي هذا الحق الا لمن اكمل الـ22 سنة وفي بعض دول آسيا الـ25 سنة، اما حق الترشح لمجلس النواب العراقي فاشترط ان يكون المرشح قد بلغ الثلاثين من العمر.
سنسوق هنا مثالين عما يحصل في العالم المتقدم وبالتحديد اوروبا، ففي النمسا التي استقبلت اكبر عدد من المهاجرين بعد المانيا تم اختيار سباستيان كورتس 27 عاما وزيرا للخارجية والذي زار العراق مطلع العام الحالي وتميز باللباقة والحضور الكبيرين وكان مثار اعجاب جميع من التقى بهم، اما في السويد فقد استطاع وزير الصحة والرياضة السويدى غابرييل يكستروم 29 عاما، ان يثبت كفاءته في عمله، كما ان هناك توجها عالميا على ان يتبوأ الشباب والنساء مراكز القيادة والقرار اعتمادا على معيار الكفاءة والمهنية.
في العراق تعرضت الحياة السياسية الى نكبات، وذلك نتيجة للممارسات التعسفية في العقود السابقة بحق التنظيمات السياسية، وممارسة سياسة التنكيل والاعتقال والتعذيب والتصفية، ما جعل اغلب الشباب يعزفون عن الدخول في احزاب وتنظيمات سياسية، واصبحوا بعيدين عن الحياة السياسية، اللهم الا النزر اليسير الذين انتظموا الى احزاب وتيارات تابعة الى عوائل سياسية محددة ليتخذوا العمل السياسي وراثة ويتزعموا هذه الاحزاب ليخلفوا آباءهم واجدادهم فيها.
ولم يستفد الشباب العراقي من التعددية السياسية والمجال الواسع والمفتوح بعد 2003 لاسباب عديدة اهمها لهاثهم وراء الهجرة لتحقيق آمالهم وطموحاتهم التي تحتاج الى صبر ووقت في ظل الازمات المتلاحقة التي يمر بها بلدنا، وحتى الذين لديهم اهتمامات سياسية قد لا توجد في برامج الاحزاب الحالية ما يلبي طموحاتهم او ميولهم الفكرية والايديولوجية، كذلك من الصعوبة بمكان تأسيس احزاب جديدة والتي تحتاج الى تمويل مالي كبير ومقرات ووقت وجهد في الاجتماع لاعداد النظام الداخلي والبرامج السياسية، خاصة اذا ما علمنا ان اغلب شبابنا هم عاطلون عن العمل ولديهم العديد من الاحتياجات والاولويات غير المتحققة قد يكون آخرها هو التفكير في العمل السياسي.
وهنا يأتي دور الدولة ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية الحالية في تحفيزهم على الدخول بقوة في الحياة السياسية
من خلال سن تشريعات
وقوانين ملائمة وتطوير الانظمة الداخلية للاحزاب والتيارات والكتل السياسية لاستقطابهم والاستفادة من طاقاتهم وضخ دماء جديدة
في العملية السياسية.. ونحن بالانتظار.
مقالات اخرى للكاتب