أنّ لعبة التسقيط وليدة الخصومة السياسية بين المرشحين لقيادة القرار السياسي ، وهي محاولة في تضليل الناخب بما يخدم أغراض لاعبيها في أمل الوصول ألى مآربهم الدنيئة ولأرباك الوضع السياسي ، وأستغلوا ثغرات الحكومات في الفساد الأداري والمالي ونقص الخدمات ، فللخصومة السياسية شرف وقيمة أنسانية نبيلة يكون فيهِ السياسي فارساً نبيلاً ولا ينزلق لمستوى الخصوم الرعاع وعند البحث في جذورها التأريخية نجد أنّها تخضع لثوابت أخلاقية مطعمة بتقاليد وتراث أمم عالمنا من الشرف والرجولة والفروسية والفخر عندما تكون المنازلة أوالمناظرة نظيفة خالية من الغدر والخيانة ، ومنذ قرون قال فولتير ( أنّي مستعد أنْ أموت من أجل أنْ أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول ) وأعتقد جازما أنّ هذه المعاييرالمقدسة للخصومة الشريفة أمتدتْ جذورها من فروسية تلك الحروب التأريخية سواء كانت في العهود الرومانية والجاهلية قبل الأسلام حين يقف الفارس عن القتال عند وقوع سلاح خصمهِ والعار عند طعن المدبر ومن أدبياتها كذلك عدم التعرض للمسن والطفل والمرأة والزرع والضرع ، وبعض الأمثلة من التأريخ القريب عندما أكتشف هتلر خيانة أبرز قادتهِ "رومل " والذي كان يلقب بثعلب الصحراء بعد تنفيذ القصاص به أجرى له تشيعاً رسمياً عسكرياً مهيباً تثميناً لمواقفه الوطنية ، ومن التأريخ العربي قال معاوية بحق "علي" -عندما وصفهُ ضرار ابن ضمرة – والله كان أبو الحسن أشجع فرسان العرب .
وقد تلاشت تلك الموروثات النبيلة والقيم ومباديء الفروسية الحقة في عهد قائد الضرورة رئيس الغفلة صدام عندما أستعمل التسقيط السياسي لخصومه ومعارضيه وحتى لرفاق حزبه بميكافيلية وعدوانية شنيعة ، وتفنن في أستعماله بحيث جعل من سلاح التسقيط أستراتيجية أدامة تسلطه ، وجعل لمحور هذا السلاح القذر أتهامات جاهزة تتمثّلْ ب( الجنس والسرقة والتجسس والخيانة ) وجعل من عينيه أشعة أكس وبهذهِ الأشعة صفى عام 1979 قادة حزبهِ ورفاقهِ وذبح فؤاد الركابي- من مؤسسي الحزب – في معتقلهِ بتهمة أنحرافهِ الجنسي وبذلك قد قتلهُ مرتين بالسكين مرّة والمعنوي المجتمعي مرة ثانية ، وجعل من طبيبه الخاص الحكيم " عباس راجي التكريتي " طعاماً لذئابٍ مفترسة بتهمة التجسس ، فهي كذلك عقوبة مزدوجة تصفية جسدية ومعنوية وهي كثيرة لامجال لذكرها ، فصدام أذا خاصم فجرْ وتجاوزجميع المعايير الأخلاقية السماوية والوضعية مجردة من النحوة والشجاعة والمروءة .
أما بعد حقبة 2003 سقوط بغداد الجميلة بيد المحتل الأمريكي البغيض وبأدارة المحتال " بريمر" ودخول ( بعض )غربان المعارضة بفيزة أمريكية وهذه المرة لم يركبوا قطاراً أمريكياً بل على دبابات أمريكية من نوع أبراهام وهم يحملون أخطر فايروس ( أيبولا السياسي) التي هي المحاصصة البغيضة ، وقد أدوا اليمين القانوني على تقسيم وتمزيق العراق وبيع شعبه في مزاد العهر السياسي وحينها أستعملوا سلاح {التسقيط } بأبشع صورهِ أللاّ أنسانية وبشكل قنابل صوتيّة ودخانية لمحو الخصم السياسي بتصفية جسدية ومعنوية للكسب المادي والسلطة وبميكافيلية بأمتياز وبطرقٍ أكثر دقة وتطوراً في أنهاء الخصم بأتهامات متنوعة غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم وغريبة حين يكون رقم المال العام المنهوب ( ملياري) والتشكيك في العقود والصفقات لشل الأستثمار في بناء أكمال البنى التحتية والخدمية ، وقد يكون صحيحا ولكنهُ يدخل تحت عنوان " صدق أو لا تصدق " وقد تفننوا بأستعمال التسقيط السياسي بأوجه متنوّعة وصور مخيفة في أنهاء الخصم المرشح بطرق ديماغوجية وكسبوا قصب السبق في التفوّقْ في أستعمال أسلحة ( التسقيط) بالتصفية الجسدية ولي الأذرع والضرب تحت الحزام والأتهامات الطائفية والأثنية والمناطقية – بأتهام الآخر بالتهميش والأقصاء – وبحداثوية عندما وظفوا التطوّر التكنلوجي في التسقيط السياسي : أولاً/ أستثمروا التواصل أالأجتماعي والتقدم التكنلوجي بجيلهِ الحديث الفيسبوك والتويتر والأعلام المرئي والمسموع والمقروء – وهي الأخرى ( بعضها ) فقدت المهنية والمصداقية ووظّفتْ نفسها للذي يدفع أكثر - بأستعمال آفة الأشاعة المضللة وفقدتْ شرف المهنة ، وأذكّرْ بأحدث أشاعة يوم أمس 15-10-2014 حين روّجتْ تلك الوسائل المدفوعة من كتل غايتها أسقاط الحكومة والعملية الديمقراطية في العراق بأنّ { داعش على أبواب بغداد ، وأنّ المعارك في محيط مطار بغداد ، وأنّ مسؤولي المطار أغلقوا هبوط الطائرات } والحقيقة أنها دعاية رخيصة وأشاعة كاذبة وغير دقيقة وعارية من أية مصداقية ، ولكنها خلقتْ ذعراً وخوفاً وتحسباً عند الرأي العام العراقي ، وثانياً / أستعملتْ أكثر الكتل المتناحرة على السلطة والمال سلاح ( الوثائق من الأرشيف السابق ) وقد تكون صحيحة أو مزوّرة وللعجب أنّ لها سوقاً رائجاً في الداخل وفي عواصم الدول المجاورة ، وتدار مكاتب هذهِ الوثائق بواسطة مافيات للعرض قد تصل ثمن الوثيقة ملايين الدولارات لأنها كفيلة أنْ تستعمل كقنبلة حقيقية غير صوتية أو دخانية و يكون لها الأثر الفعال في نسف الخصم سواء كان في السلطة أو مرشحاً كل ذلك من أجل التسقيط وتصفية الحسابات وبشعار ( أسكت عني وأسكت عنك ) والمحصلة النهائية هو الشعب العراقي المبتلى !!! ، والثالث /أستعمال قانون أجتثاث البعث الذي تحول الى المساءلة والعدالة ، أنّ الشعب العراقي الذي أكتوى بعدالة وبالتساوي من النظام الشمولي التعسفي أيدنا القانون ولانزال معهُ جملة وتفصيلاً حين يطبق على الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب {لا كما أستغلها البعض من الطائفين الراديكالين الظلامين وعكسوها بمنهج سلبي مليء بالحقد والكراهية والثأر وهذا ما ترفضهُ ثقافة التمدن والنخب اللبرالية السائرة الى دولة مؤسسات مفعمة بالديمقراطية والعلمانية} ، وللأسف أستعمل( البعض) القانون في التسقيط السياسي أحياناً كثيرة بشكلٍ سلبي للصعود على أكتاف الغير للوصول للسلطة ومراكز نهب المال العام.
أما بعد سقوط الموصل بيد دولة الخرافة في 10-6-2014 وأحتلتْ ثلث العراق وهي مستمرة بالتمدد بمساعدة ومباركة حلفائها من البعثيين وحواضن العشائر، ويقابله ترهل الجيش العراقي والصراعات السياسية بين الكتل وتناحرها الطائفي والأثني والمناطقي الذي هوهروبٌ ألى الأمام من قادة النخب وأصحاب القرار ويضاف ألى هذا المنظر المأساوي تأثير الأجندة الأقليمية والدولية في صب الزيت على الحرائق العراقية ، وتداعيات هذا الوضع المأساوي جاء لصالح المحتل الداعشي الذى حوّلَ ( التسقيط السياسي) ألى التسقيط الحياتي وتهديد الوجود ب( التصفية الجسدية ) فقط وألى دولة النحر الظلامية بشعارها { التكفير والقتل والسبي تحت ظل الأسلمة المتشددة بالأكراه} فأستعملتْ سلاح " التكفير" بدل التسقيط و بشكلٍ دموي ضد المسلمين ، والمسيحيين والطوائف والأقليات الدينية تحت شعار التصفية الجسدية ودفع الديّة والسبي وأعتبار الممتلكات غنائم بما فيها النساء – وبيعهنّ في أسواق الموصل على دكة النخاسة ، وتغيير المعتقد الديني والمذهبي بالأكراه ، وبهذهِ الأعمال المشينة والجبانة والمليئة بالغدر والخيانة قد قلبوا طاولة الحضارة والتمدن وداسوا راية السلام ومسخوا وداسوا بعقولهم الغارقة بالأوهام والهوس الجنسي الموعود ونكروا بأنّ " الأنسان " أثمن رأسمال .
الخاتمة/ ويا ساده ويا كرام لستُ واعظاَ بل مذكراً : بأنّ من التداعيات السلبية والخطرة ل( آفة التسقيط ) فقدنا الكثير من المصداقية لدى الأتحاد الأوربي وحقوق الأنسان والأمم المتحدة وشككت بالأنتخابات العراقية ، والعراق اليوم يمرُ بأحلك أيام الخطر ولحظات المصير - فهو في كف عفريت أبله وطائش - يبدو أفول نجمه ( التسعين ونيّف ) يلوح في الأفق القريب ، و نحن جميعاً في أمتحان ( المواطنة) في أظهار الأرادات الوطنية الحقيقية للتمسك بترابهِ والوقوف صفاً واحداً وهدم الخنادق الطائفية ، وحبذا لو يردد الجميع { كفايه} فالمعارك في تخوم بغداد في عامرية الفلوجة والتى تبعد 25 كيلومتراً عن بغداد الحبيبة يعني ياعقلاء القوم أنّ ناقوس الخطر يدق وينتخي قادتنا السياسيين بهدنة شرف وتأجيل الخلافات الى بعد تحرير الوطن ، وهذا ما سارتْ عليه جميع الدول ألتي مرّتْ بنفس محنتنا ، وثُمّ لكل حادثٍ حديث.
مقالات اخرى للكاتب