يبدو تجاسر العبادي على الدستور و القوانين بلا حدود، بل أن العبادي يتصرف و كأنه مصّون و غير مسؤول.فقرارت العبادي تفتقر للسند القانوني و تتعارض مع الدستور العراقي بشكل مباشر. و كالأتي
أولا:يتعارض قرار العبادي بألغاء وزارة البيئة و تحويلها الى قسم تابع لوزارة الصحة –كما كانت في عهد النظام المقبور- يتعارض مع المادة 33 من الدستور و التي تنص في الفقرة اولاً على على أن " لكل فرد الحق العيش في ظروف بيئية سليمة. ثانياً تكفل الدولة حماية البيئة و التنوع الاحيائي و الحفاظ عليهما."
فالدولة العراقية تكفل حماية البيئة و تعتبر الحق في بيئة سليمة ضمن الحقوق الحقوق الاجتماعية التي ضمنها الدستورو تحميها الدولة و بالتالي لا يجوز تقليص الحماية أو تحجيمها لأن ذلك يخلل بحق المواطن في بيئة سليمة.
أما القول بأن البرلمان خوّل العبادي صلاحيات قانونية، فالتخويل باطل لأن يؤدي إلى الجمع بين السلطة التنفيذية و التشريعية. و الفصل بين السلطات هو أحد المبادئ التي قام عليها الدستور حيث ينص في المادة 47 أن " السلطات الاتحادية تتكون من السلطة التسريعية و التنفيذية و القضائية و تمارس اختصاصاتها و مهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات." فلا يجوز الجمع بين السلطات تحت إي مسمى.
من ناحية أخرى ، حتى لو كانت التخويل سليم فلا يجوز للعبادي اصدار قرارات تتعارض مع الدستور الذي يكفل للمواطن الحق في العيش في بيئة سليمة . فهذا الحق مكفول دستوريا. فالعراق عانى من ثلاث حروب مريرة نجم عنها تخريب للبيئة العراقية و كان لابد للدستور من ضمان حق المواطن في بيئة سليمة لجبر الضرر الذي تعرض له المواطنون العراقيون طوال الفترة الماضية. بل يجب على العبادي دعم وزارة البيئة و توفير التمويل و الاجهزة و الموظفين و الخبراء لضمان حق المواطن في بيئة سليمة.
كما لا يجوز للعبادي اصدار قرارات لها قوة القانون –تماما كما كان مجلس قيادة الثورة المقيت يفعل. فالمجلس هيئة تنقيذية كل اعضاءها يعملون في الجهاز التنفيذي لكن المجلس له صلاحيات اصدار قرارات تشريعية- مثلما العبادي هو رئيس مجلس الوزراء و الذي هو هيئة تنفيذية.
فالتشريع حق حصري للبرلمان لا يجوز له أن يخول هذه الصلاحيات طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور. و في حالة عجز البرلمان عن ممارسة صلاحياته التشريعية فيقوم البرلمان بحل نفسه و يتم اللجوء إلى الانتخابات . و لكن في ظل وجود مجلس تشريعي قادر على التشريع فلا حاجة للتخويل.
ثانيا: يتعارض قرار العبادي بالغاء وزارة البيئة و تحويلها إلى قسم مع قانون وزارة البيئة رقم 37 لسنة 2008 النافذ. حيث ينص القانون الذي أقره البرلمان و وافق عليه رئيس الجمهورية و تم نشره في الجريدة بانشاء وزارة لحماية البيئة العراقية و ينص القانون على تشكيلات الوزارة و مهامها. فهما كان حجم التخويل الصادر من البرلمان للعبادي -على فرض قانونيته- فهو لا يسمح للعبادي بانتهاك قانون نافذ المعفول و صادر بشكل اصولي و قانوني. فالبرلمان الحالي لم يلغي قانون وزارة البيئة لعام 2008 حتى يحق للعبادي الغاء الوزارة التي انشاءها هذا القانون. بل ان العبادي يتحمل المسؤولية القانونية كاملة عن مخالفة القانون و الدستور.
فصلاحيات العبادي محدودة بتنفيذ القوانين و ليس انتهاكها. فالعبادي لا يستطيع انتهاك القانون المدني أو الجنائي تماما كما لا يستطيع انتهاك قانون وزارة البيئة النافذ. كما إن صلاحيات العبادي ليست فوق الدستور بل هو يمارسها طبقا للدستور. و قراره بالغاء وزارة البيئة يتعارض مع الدستور والقانون.
ثالثا: يتعارض قرار العبادي بألغاء وزارة البيئة و تحويلها إلى قسم مع قانون حماية و تحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009.حيث يخول القانون الوزارة و ليس القسم، الحق في ممارسة صلاحيات قانونية لحماية البيئة و مراقبة مستويات التلوث، و اتخاذ ما يلزم من اجراءات لذلك. كما ينص على تشكيل مجلس حماية يراسه وزير البيئة ، و ممثل عن كل وزارة بدرجة مدير عام. و بالتالي لا يجوز لرئيس قسم أن يرأس مجلس يضم من هم أعلى منه درجة فالمدير العام العضو في المجلس هو أعلى درجة من الناحية الوظيفية من رئيس القسم. كما ينص القانون على تشكيل صندوق حماية البيئة تودع فيه المبالغ اللازمة و يقرر الوزير من يديره . و لا يمكن لرئيس قسم أن يتولى هذه المهام.
كما يخول القانون الوزير الحق في اتخاذ اجراءات عقابية ضد المنشأت المخالفة، منها انذار المؤسسة المخالفة و غلقها أو ايقافها عن العمل فضلا عن تحمليها الغرامة المالية اللازمة لا تقل عن مليون دينار و لا تزيد عن عشرة مليون دينار. و كل هذه الصلاحيات لا يستطيع رئيس قسم ممارسته. كما انها ليست من صلاحيات وزير الصحة فلا يوجد قانون ينص على تخويل وزير الصحة هذه الصلاحيات. فاختصاصات و صلاحيات وزير الصحةُ ينظمها قانون خاص بها و ليس منها المسؤولية عن حماية البيئة.
هذا فضلا عن، تكليف وزير الصحة بما هو فوق قدراته فالملف الصحي شائك بحد ذاته، و اضافة ملف معقد كملف البيئة يعني ببساطة الاهتمام بملف واحد و اهمال الاخر. خاصة و إن الاختصاص الاصيل لوزارة الصحة هو الاهتمام بالملف الطبي، و المستشفيات، و منع تفشي الامراض و الاوبئة، و ليس حماية الماء و الهواء و التربة، و التنوع الحيوي، و احياء الاهوار، و محاربة التصحر، و احياء غابات النخيل، تنظيف شط العرب، وحماية دجلة و الفرات من النفايات الصلبة و السائلة و الكيمياوية، معالجة التلوث الاشعاعي الكيمياوي الذي ضب البلاد، احياء القشرة الارضية، التخلص من مصانع التنصيع العسكري بشكل سليم.
ليثور التساؤل حول حقيقة إلغاء وزارة البيئة و دوافع العبادي لأتخاذ مثل هذا الاجراء. فإذا كانت حجة العبادي هي المظاهرات التي طالبت بالاصلاح و تحسين الاوضاع المعاشية و مستوى الخدمات، فالغاء وزارة البيئة لا علاقة له مطلقاً بهذه المطالب، بل إن المظاهرات اشتعلت مطالبة بالابقاء على وزارة البيئة، وعدم إلغاءها أو دمجها مع وزارة الصحة. لكن العبادي لم يلتفت لهذه التظاهرات. فالعبادي يسمع ما يريد فقط.
دوافع العبادي شخصية بحتة . فوزارة البيئة -على حداثتة نشأتها- تصدت لفساد عقود عراقنا التي وقعها العبادي في ايلول من عام 2003 . فالعقود شابها الكثير من أوجه الفساد منها ارساء العقد على شركة أوراسكوم بدون منافسة.
حيث أحتجت وزارة البيئة باختصاصها في مراقبة مستويات الاشعاع محذرة من مخاطر نسبة الاشعاع العالية التي تبثها ابراج الاتصال الخاصة بالهاتف بالمحمول والتي تسبب السرطان للعراقيين . فقامت الوزارة بمخاطبة مجلس الوزراء و رئيس الوزراء العبادي للقيام بنقل الابراج أو غلقها. ليجيب العبادي على طلب الوزارة في 15 أيار من عام 2015 مطالبا اياها بالتريث قليلا ليقوم بعدها في حزيزان من نفس العام بالغاء الوزارة. فالعبادي مستعد لالغاء كل الوزارات و قتل كل العراقيين بالسرطان في سبيل استمرار تدفق سيل الرشاوي و العمولات التي يتلقها من عقود عراقنا. لما لا؟ فالرشوة الاولى كانت بمقدار خمسة ملايين دولار إي ما يعادل ميزانية وزارة كاملة لمدة سنة بما فيها رواتب المواظفين اللذين يرغب العبادي باسارهم في اجازة اجبارية ليستولي على رواتبهم.
أن قيام العبادي بالغاء الوزارة لانها كشفت فساد عقود عراقنا و مارست صلاحياتها القانونية بمراقبة مستوى الاشعاع يمثل أبشع صور جريمة استغلال الوظيفية و سوء الادارة لتحقيق منفعة خاصة فقانون العقوبات لعام 1969 النافذ يعاقب في المادة 318 الموظف أو المكلف بخدمة عامة بالحبس أذا عُهدت اليه المحافظة على مصلحة للجهة التي يعمل فيها في صفقة او قضية فأضر بسوء نية او تسبب بالاضرار لهذهالمصلحة ليحصل على منفعة لنفسه او لغيره.
و لما كان العبادي قد استلم رشوة مقدارها خمسة ملايين دولار فهو يقع تحت طائلة المادة 319 من قانون العقوبات و التي تنص"يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة انتفع مباشرة او بالواسطة من الاشغال او المقاولات او التعهدات التي له شأن في اعدادها او احالتها او تنفيذها او الاشراف عليها ويعاقب بالعقوبة ذاتها اذا حصل على عمولة لنفسه او لغيره بشأن من الشؤون المتقدمة."
إن العبادي يتجاسر على الدستور و القانون منذ عام 2003 و لحد هذه اللحظة دون رقيب أو حسيب دون أدنى سؤال من البرلمان الجبان –الذي خول صلاحياته و تنازل عنها و كأنها لا تعني شيئاً- أو حتى استفسار بسيط من هيئة النزاهة الحقيرة التي تترك عتاة المجرمين و المرتشين مما وصلت ثروتهم من المال الحرام الملايين المؤلفة و تلهث وراء الابرياء و البسطاء. و لكن لنا وقفة.
مقالات اخرى للكاتب