أيها الشعب الكردي الصديق، أيتها المناضلات، أيها المناضلون الأحرار
على امتداد عقود كثيرة خضتم النضال البطولي، الذي خضب بدماء أبناءكم وبناتكم وكان مليئاً بالعذابات والحرمان، بالتهميش والاقصاء، للخلاص من كل ذلك ومن اجل نيل الحرية والتحرر والديمقراطية وحقوق الانسان وبناء وطنكم العزيز كردستان. لقد تعرضتم للتهجير القسري والتغيير الديمغرافي والتعريب، بل وصل الأمر بقوى الظلام والفاشية والعدوان أن تسلط أسلحة الإبادة الجماعية وحرق القرى والغابات والمزروعات ضدكم، لأنكم رفضتم الذل والهوان. ولقد حققتم الكثير عبر هذا النضال المجيد ورفعتم عاليا راية نضال الشعوب في سبيل الأمن والسلام والاستقرار والتقدم والمساواة في حقوق المواطنة والكرامة.
كنت معكم، ومعكم كان عشرات الألوف من الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين والناس الطيبين العراقيين في هذا النضال الدامي والمرير. كنا معكم لنيل حقوقكم القومية العادلة والمشروعة وفي سبيل الحرية والديمقراطية. رفضنا تهميشكم والغاء هويتكم القومية والوطنية، رفضنا جميع أشكال التغييب والاقصاء ضدكم، وشجبنا التغيير الديمغرافي والتهجير القسري والتعريب باعتبارها أدوات تجسد الظلم والاستبداد والشوفينية والعنصرية وضد اللوائح والقوانين الدولية. ارتقينا معكم جبال كردستان وحملنا السلاح جنبا الى جنب واختلطت دماء العرب والكرد والكلدان والآشوريين والسريان والتركمان ومن أتباع جميع الديانات العراقية في معارك النضال المشرف. كنا ندرك ان حريتكم هي حريتنا أيضاً، فليس هناك من شعب حر يقبل باضطهاد شعب آخر. لم نكن ظهيركم فحسب، بل كنا معكم في شوارع النضال وفي المعتقلات والسجون والمنافي، في السهول والجبال. لم يكن كل العرب معكم، وإلا لما استطاع المستبدون ممارسة تلك السياسات، وهذا يرتبط بالفكر والجهل والأمية وعدم إدراك أهمية الحرية للشعوب الأخرى، إدراك الضرورة، لأنهم لم يكونوا أحراراً، لأنهم كانوا مستعبدين.
لم يكن نضالنا معكم وكتفاً إلى كتف فضلا منا عليكم ولا مِنةً، بل كان واجبنا الإنساني والوطني والمبادئ التي استوحينا منها نضالنا معكم، والذي لو لم نؤديه لفقدنا مصداقيتنا في كوننا أحراراً ومناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية.
ان نضالنا المشترك وما مرَّ بنا عبر العقود المنصرمة، علمنا درساً لا ينسى، علمنا بأن من يتعرض يوماً للإرهاب والاضطهاد والتهميش والتعذيب والتهجير وحرق البيوت أو تسويتها بالأرض، لا يمكن ان ينسى ذلك أولاً، ولا يمكن أن يقبل بممارستها ويرفض من يمارسها ضد أخرين، سواء أكان فرداً أم شعباً أم جماعة دينية أو مذهبية أو فكرية. إذ لا يمكن ولا يجوز للضحية ان يتحول الى جلاد، إلا إذا كان قد خان كل المبادئ التي ناضل من اجلها وتركها خلفه!
لقد ارتكب النظام البعثي في العراق جرائم الإبادة الجماعية بحق شعب كردستان وبحق الكرد الفيلية، وهم جزء من الأمة الكردية، ولا يمكن أن ينسى الشعب الكردي ذلك، ولا يمكن أن يقبل أن تشوه سمعته النضالية بأفعال تشكل خرقاً للقانون الدولي ولوائح حقوق الإنسان!
أيها الأصدقاء الكرام
لا اكتب هذا لكي أذكركم به، لأني أثق بذاكرة الشعوب التي لا تنسى المبادئ والقيم التي ناضلت من اجلها، ولا تنسى العذابات التي عانت منها ولا تعمد إلى الثأر والانتقام، بل تعتمد الشرعية والقوانين والحلو السلمية والديمقراطية، اذ يمكن للأفراد أو بعض المسؤولين ان ينسوا ذلك لمصالح آنية ورؤية شوفينية، ولكن الشعوب الحرة لا يمكن ان تتخلى عن مبادئها وقيمها ومعاييرها الانسانية، وإلا فقدت قيمة الحرية التي ناضلت من أجلها. ولكني اكتب هذا لأن عدداً من المنظمات الانسانية الحقوقية، التي وقفت الى جانبكم عقودا عديدة من الزمن ودافعت عنكم بإخلاص ومسؤولية، هي التي بدأت تنشر عما يخالف المبادئ التي آمَنتُم به وضحيتم من اجلها وقاسيتم الامرين لتجاوز تلك المحن. هذه المنظمات التي بدأت تنشر عن تجاوزات تمارسها مجموعات من الپيشمرگة الكردستانية في إقليم كردستان العراق ضد العراقيين العرب في كركوك وديالى وفي تلك المناطق الاخرى التي يطلق عليها "المناطق المتنازع عليها" بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، تجاوزات تشير الى تهديم البيوت وتهجير السكان العرب بالقوة والعنف من مناطق سكناهم دون وجه حق. هذه المنظمات ذاتها التي كنا نزودها بالمعلومات المدققة عن تجاوزات النظام الدكتاتوري الفاشي في العراق ضد الشعب الكردي وضد المسيحيين والمندائيين والإيزيديين وغيرهم، وكنا وكانوا صادقين في كل ما نشروه عن تلك الجرائم التي أدانها ويدينها القانون الدولي وتدينها لائحة حقوق الانسان، فهل يمكن ان تحصل من قوى مناضلة مثل ا الپيشمرگة تجاوزات من هذا القبيل ضد السكان العرب؟ هل من المعقول ان تقبلوا بذلك؟
كم أتمنى ان تكون الأخبار كاذبة، ولكن هذه المنظمات لا تكذب ولا تشوه المعلومات وليس لديها أغراض غير إنسانية ضد الشعب الكردي لتشوه ما يجري في العراق، وفي مناطق القتال أو التي تحررت من عصابات داعش المجرمة، وبالتالي فانا ملزم أن امنحها ثقتي، لأني كنت أحد مزوديها بالمعلومات حول انتهاكات تعرض لها الشعب الكردي بالعراق، وكانت معلوماتي دقيقة وصادقة.
ليس من حق أحد ان يمارس التهجير القسري وتهديم الدور وتسويتها بالأرض، ومن يمارس ذلك يرتكب جريمة بحق الإنسانية، وليس من شهامة وكرامة الشعب الكردي ممارسة مثل هذه الأفعال التي تعتبر جرائم في عرف القانون الدولي وعلى وفق لائحة حقوق الانسان وحضارة القرن الحادي والعشرين.
إن لم ارفع صوت الاحتجاج والإدانة لما يحصل، على وفق ما تنشره منظمات حقوق الإنسان، ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، التي أنا عضو فيها، ستسقط مصداقيتي أمام شعبكم والشعب العربي وأمام المكونات الدينية والمذهبية في النضال من اجل حقوقكم وحقوق بقية الشعوب، من اجل الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني العلماني وحقوق الإنسان، سأفقد مصداقيتي أمامكم وامام الشعب الذي انتمي اليه، الشعب العربي في العراق، وسأفقد اللقب الذي منحتموني إياه والذي أتشرف به واعتز به كثيرا، لقب ووسام "صديق الشعب الكردي".
أتمنى عليكم ان ترفعوا معي صوت الإدانة والاحتجاج ضد مثل هذه الأفعال التي ادانتها منظمة هيومن رايتس ووش ومنظمة العفو الدولية، والتي لا يمارسها غير المستبدين والشوفينيين والعنصريين، ولا يمكن ان يكون الشعب الكردي ولا كل الشعوب من هؤلاء. أتمنى على المسؤولين في الإقليم ان يعلنوا استنكارهم لما حصل وعلى وفق ما نشر حتى الآن من تجاوزات مرفوضة ومدانة، إذ أن الناس والصحافة تؤكد بأن مثل هذه التجاوزات لا يمكن أن تحصل ما لم توافق الأحزاب الكردية الحاكمة في الإقليم على قيام قوى من الپيشمرگة التابعة لها بذلك، وان يعملوا على إيقاف ذلك، لأنه خطأ فادح وجريمة، كما إن لها انعكاسات سلبية على قضيتكم العادلة والمشروعة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. أنتم شعب حر لا يمكن أن يقبل بما يتجاوز على حرية وحقوق الآخرين!
مقالات اخرى للكاتب