رغم ازدهار الاستثمارات السياحية الدينية والفندقية في كربلاء، لأنها مدينة جاذبة للزوار والسياح من كل مكان، الا انه حتى الآن لا يوجد قانون عمل فعال أو ضوابط اقتصادية واجتماعية تضمن حقوق عمال الخدمة في الفنادق والمطاعم السياحية والشعبية، وتحديدا في أيام العطل الدراسية حيث يرغب الشباب في إيجاد دخل يساعد عائلاتهم في مصاريف العام الدراسي القادم.
ساعات عمل مضنية
الشاب محمود مرتضى، 17 سنة، يباشر عمله منذ التاسعة صباحا في مطعم "ثلاث نجوم"، ويعود إلى بيته في حوالي الثانية عشر ليلا، يمنح خلالها ساعتي استراحة ظهرا.. يقول محمود: "إن أجره 15 ألف دينار فقط، وهو يتحمل أجور النقل ذهابا وإيابا، لمرتين في اليوم، وساعات العمل مضنية في المطعم على اختلاف أنواعها، سواء خدمة الزبائن أو التنظيف أو الطبخ أو الخدمات الأخرى، لأن المطعم الذي يعمل فيه يقع وسط مدينة كربلاء، ولا يتوقف أو يقصر العمل فيه مطلقا، وفي أيام المناسبات والأعياد لا نرى بيوتنا وعوائلنا الا لدقائق، يمنحوننا هامشا قليلا من الأجر، كإكراميات أو مكافآت، واذا اضطررت إلى ترك العمل ليوم واحد أو ليومين لظرف خاص، يقوم المحاسب بقطع أجرتي لذلك اليوم، ولا توجد لدينا عطلة أسبوعية، "يعني، بين قوسين موت احمر"!، لكنني مضطر إلى العمل، وهدفي هو أن أجمع مبلغا من المال لمساعدة عائلتي في تغطية نفقاتي الدراسية".
فلافل
الشاب منتظر ثامر، 22 سنة قال: أنا طالب جامعي ومضطر إلى إيجاد عمل "بشفت واحد" في مطعم للأكلات السريعة، "فلافل و همبركر"، أعمل من الساعة الواحدة ظهرا حتى الحادية عشر ليلا، ساعات عسيرة أقضيها في الشارع، وتحت حرارة الجو اللاهبة صيفا، وفي أجواء البرد والمطر شتاء، أقوم بقلي الفلافل أو الهمبركر، وأقدم خدمة للزبائن، مقابل أجر مقبول.
وأوضح منتظر: ان العمل في المطاعم الشعبية والأكلات السريعة ليس كظروف العمل في المطاعم السياحية، حيث يتوفر التبريد وظروف عمل مريحة داخل المطعم، مع احتمال حصول العمال على "بقشيش واكراميات جيدة"، وبهذه الطريقة يستطيع عامل الخدمة أن يرفع أجره قليلا عندما يستمر بالعمل لـ "شفتين".
وعن أيام الدراسة يقول منتظر:" أنا مضطر إلى البحث عن عمل ليلي أحيانا، أو عمل اضافي من الرابعة عصرا حتى الثانية ليلا، حتى لا يتعارض مع دراستي، ذلك لأن ظروفي الدراسية تحكم اختياري لوقت العمل، حيث اني لا أستطيع الالتزام بعمل "خلفة مستمر للكص أو المقبلات"، لأن هذه الأعمال بحاجة إلى التزام مستمر في العمل.
حلم من داخل نفق مظلم
يقول الشاب علي ماضي، 19 سنة، "أعمل "خلفة كص"، واضاف وهو يبتسم بحسرة:" تركت المدرسة في الرابع الإعدادي، أجري يختلف عن عمال الخدمة و"الكابتنية" ويصل إلى 25 ألف دينارا يوميا، واحصل على الإكراميات أيام الأعياد والمناسبات الدينية والزيارات، أما عن ساعات العمل فهي طويلة ومضنية فعلا، لهذا السبب تركت الدراسة، لأن التوفيق بين الدراسة والعمل في هذه الظروف القاسية صعب جدا، أفكر في جمع مبلغ من المال ومشاركة أخي في إيجاد مكان مستقل لنا في مركز المدينة.
معاناة ولكن!
حسين علي، 23 سنة، خريج معهد معلمين ويعمل في فندق الليالي قال: استلم راتب شهري 400 ألف دينار، والدوام شفتين مع فترة استراحة بسيطة لا تفيدني بشيء، لأن سكني في قضاء طويريج، وأضطر إلى المبيت في الفندق، أزور أهلي أسبوعيا، وأنا مضطر إلى ذلك، حتى حين حصولي على تعيين في احدى دوائر وزارة التربية، وأوضح حسين أن توافد النازحين إلى كربلاء وتوفر الأيادي العاملة جعل أجورنا تنخفض قليلا أو على الأقل زاد صعوبة الحصول على فرصة عمل أفضل.
يفضلون العمال النازحين!
ليث سالم، مدير مطعم نجمة كربلاء، اعترف ان ساعات العمل طويلة، والأجر غير مجز مقابل هذه الساعات، ولكن العرض والطلب وحركة الزائرين والزبائن تحكم هذه الأجرة، والمطاعم في الأحياء ليست كالمطاعم التي تعمل في مركز المدينة أو مدخلها، وبالتالي أجور العمال قد ترفع فيها، وأضاف ليث: ان أجور العمال مختلفة حسب الاختصاص وندرة المهنة، مثلا الطباخ "الشيف" راتبه بين "1000000 - 1500000" دينار شهريا، ومساعد الشيف يتراوح راتبه بين ( 750000- 1000000) ثم تنخفض الأجور إلى خلفة الكص أو شيف المقبلات والكابتن، تصل في أدناها 500000 دينار شهريا لعمال الخدمة والتنظيف، وبين ليث انه يفضل العمال من النازحين لأنهم ملتزمون بأوقات العمل ومطيعون ونظيفون ولا ينقطعون عن العمل إلا لعارض طارئ كالمرض مثلا، وأشار: انه يساعد العمال ويصرف لهم أجورهم عندما يكون مريضا أو لديه عذر طارئ آخر، وهو يقدر الجهد الإضافي للعمال والشيفية والكابتنية في أيام الازدحام ويقوم بمنحهم إكراميات.
يقول واثق خضير، موظف في شركة الغد للتشغيل والتدريب في كربلاء: إن آلاف العروض للحصول على عمل تصلهم شهريا، واغلبها للخريجين الشباب، الذين يضطرون إلى العمل في مهن لا تناسب مؤهلهم الدراسي وبرواتب زهيدة قد لا تتجاوز الـ 300 ألف دينار شهريا، وكثير من أصحاب الفنادق والمطاعم وحتى شركات القطاع الخاص يبحثون عن عاملين برواتب لا تتجاوز الـ 350 ألف دينار، ذلك لأن العرض هو الذي يحدد الأجر ويفترض ان تكون هناك ضوابط من وزارة العمل او الشباب أو السياحة لتحديد الأجور حسب الجهد والشهادة إلا إن أصحاب الشركات يستخفون بأصحاب الشهادات ولا يعيرون لهم أهمية، مع إن أغلبهم يطالبون بخريجين جامعات "للكشخة فقط"! وأوضح واثق أن الشاب ممكن ان يحصل على فرصة عمل اذا كانت لديه حرفة او مهنة، أما عن عمال الخدمة في المطاعم والفنادق فان أجورهم متدنية جدا لوجود منافسين لهم من بقية المحافظات ومن النازحين وطلبة المدارس في أيام العطل الصيفية.
نقابة العمال في كربلاء
يقول قاسم عباس، رئيس نقابة عمال الخدمات في اتحاد نقابات العمال في كربلاء: في قانون العمل رقم 57 لعام 87 حدد ساعات العمل بالنسبة للعمال "7 ساعات فقط" ولكن للأسف نحن لا نعمل بقانون العمل القديم، ولا يوجد قانون عمل الآن، يوجد مشروع قانون عمل مطروح على البرلمان منذ عشرة أعوام لم تتم المصادقة عليه، وعليه الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال وعملنا النقابي تقريبا يتم بشكل شخصي، وبعلاقات بين الاتحاد والمسؤولين لنكون حلقة وصل بين الحكومة وأرباب العمل أو الحكومة والعمال أو العمال ورب العمل وعن طريق هذه الوساطات والمفاوضات نصل إلى حلول مرضية بين الطرفين وتسويات وبالنسبة لعمال الخدمات، وأضاف: عمال المطاعم وضعهم مختلف عن أصحاب المهن والحرف مثل الطباخين وغيرهم لأن عملهم لا يحتاج إلى مهارة، كما أن عروض العمل من هذا النوع تكون كثيرة جدا وخصوصا هذه الأيام، لهذا فان عامل المطعم أجره لا يتجاوز 150 ألف دينار، وفي كل الأحوال يرتفع بارتفاع مهارته، أما عن العطل والإجازات وباتفاق مع الجهات السياحية ورابطة الفنادق والمطاعم فان من حق العامل يومين إجازة شهريا باجر كامل.
وأضاف قاسم: ان بعض العمال يقعون ضحية عمليات نصب، مثلا لا يتقاضون أجورهم في نهاية الشهر، أو يتم استبدالهم بعمال بأجر اقل عندها يلجؤون الى الاتحاد للتفاوض مع رب العمل.. فندق او مطعم، ونخيره بين دفع أجور العمال وتعويضهم او نرفع عليه دعوى في محكمة العمل، وعليه تتم التسوية واستحصال أجورهم.
وشدد قاسم على ضرورة انتساب العمال الخدميين وغيرهم إلى النقابة لتتمكن من متابعة مشاكلهم ومساعدتهم في الحصول على حقوقهم عن طريق الاتصال والتفاوض مع أصحاب العمل والمسؤولين في المحافظة، وأضاف: فعلنا ذلك مع عمال البلدية "المنظفين"، وعمال المقالع وغيرهم، لكنني أعرب عن أسفي لأن العمال لا يلجؤون الى الاتحاد الا عندما يتورطون في مشكلة مادية أو شخصية مع صاحب العمل وغيرها
مقالات اخرى للكاتب