استمرارا للحلقة الاولى من مقالتي – ( عن بعض العراقيين , الذين مرٌوا بموسكو...), اتوقف هنا - في الحلقة الثانية - عند سياسيين شغلا اماكن حساسة ومهمة في تاريخ العراق المعاصر, وارتبطت طبيعة اعمالهما تلك بموسكو, واظن ان التوقف عندهما في الذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية شئ مفيدويستحق التأمل وربما يمكن ان يضيف شيئا – ما الى معرفتنا وذاكرتنا , والاسمان حسب تسلسل الحروف العربية هما – صالح مهدي عماش و عبد الوهاب محمود .
ض. ن.
++++++++++++++++
صالح مهدي عماش– واحد من الاسماء السلبية والسيئة في تاريخ العراق الحديث. ولد في بغداد عام 1924 وفي بعض المصادر 1925 وتوفي في هلسنكي بفنلندا عام 1985 عندما كان سفيرا هناك وفي ظروف غامضة. لا تهدف مقالتنا دراسة مسيرة هذا الشخص بشكل عام وما أداه من ادوار سلبية وما ارتكبه من اعمال رهيبة منذ 14 تموز 1958 و خصوصا عندما شغل منصب وزير الداخلية في انقلاب 8 شباط الاسود 1963 وصولا الى منصب وزير الدفاع بعد 17 تموز 1968 الى حين نقل خدماته ( تخلصا منه وابعادا له !!! )الى وزارة الخارجية سفيرا للعراق في موسكو من عام 1971 ولغاية 1974 , ونتوقف قليلا هنا بالطبع ارتباطا بموضوعنا . النقطة الاساسية التي نريد التحدث بشأنها , ان عماش اصدر خلال هذه الفترة الزمنية كتابا بعنوان – ( موسكو عاصمة الثلوج ) , وهو السفير العراقي الوحيد في موسكو الذي وضع كتابا عن هذه المدينة , وقد اصدرته وزارة الاعلام العراقية ضمن منشوراتها. يتضمن الكتاب معلومات كثيرة وغنية وايجابية عن موسكو والاتحاد السوفيتي بشكل عام . من المعروف ان عماش كان نظريا وتطبيقيا من اشد المعادين للافكار الماركسية , لهذا فقد أثار كتابه هذا الكثير من الاسئلة لدى القراء , اذ لا يمكن لشخص بهذه المسيرة والعقلية ان يتحول من معاداة الشيوعية وافكارها قلبا وقالبا كما يقولون الى نصير وداعية لها ومؤيد لما قامت به الدولة السوفيتية من انجازات , وقد التقيت عام 2006 بالدكتور خليل عبد العزيز في اربيل , والذي عمل فترة في سكرتارية الاكاديمي السوفيتي غفوروف – رئيس معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية والشخصية السياسية المعروفة بعلاقاتها القريبة مع احمد حسن البكر شخصيا والذي زار العراق عدة مرات , وقال لي د. خليل ان عماش تقدم بكتابه هذا الى غفوروف ليطلع عليه ويبين رأيه بشأنه , وقد اخبره غفوروف ان الكتا ب بحاجة الى تعديلات واضافات وان عماش وافق على ذلك , وهكذا تم تشكيل لجنة في المعهد اعادت كتابته من جديد وادخلت كل الافكار والارقام السوفيتية الرسمية بشان مسيرة الاتحاد السوفيتي ومنجزاته, وعندما سألته وكيف وافق عماش على كل تلك الاضافات, اجاب انه لا يعرف التفاصيل, ولكن الكتاب ظهر في بغداد فعلا كما تم اعداده في معهد الاستشراق السوفيتي, وروى لي د . خليل , انه سمع في اوساط معهد الاستشراق اقاويل تشير ,الى ان عماش اراد ان تطبع وزارة الاعلام العراقية هذا الكتاب طبعة ثانية نتيجة نفاذ الطبعة الاولى ولكن طارق عزيز وزير الاعلام آنذاك قال لعماش انه لم يطلع على الكتاب في حينه ووافق على طباعته رأسا احتراما لعماش و ان صدام حسين اطلع على الكتاب ولام , بل وانٌب طارق عزيز على نشره لكتاب يحمل دعاية هائلة للافكار السوفيتية , ولهذا لم يوافق طارق عزيز على اعادة طبع الكتاب. ولا ادري ( وكذلك الدكتور خليل لا يدري ) صحة كل هذه الاقاويل ولا دقٌتها , ولكني اؤيد ان مضمون الكتاب جاء فعلا مقاربا لما كانت تكتب المصادر السوفيتية حول الاتحاد السوفيتي, وان هذا المضمون لا يتناسب مطلقا لا من قريب ولا من بعيد مع افكار عماش وعقليته ومسيرته السياسية ولا حتى مع مستوى معرفته ومعلوماته وثقافته, ولم يكتب عماش اي كتاب آخر عن باريس التي كان فيها سفيرا بعد موسكو لمدة سنتين ( 1974 و 1975) ولا عن هلسنكي التي كان فيها سفيرا للفترة من 1975 ولغاية وفاته عام 1985
++++++++++++
عبد الوهاب محمود–اول سفير عراقي في موسكو , اذ تم تعينه بعد 14 تموز 1958 , بعد ان كانت العلاقات العراقية – السوفيتية تكاد ان تكون شكلية تقريبا , اذ انها من المؤكد قد قامت نتيجة تنسيق عراقي – بريطاني عام 1944 نتيجة لمسيرة الحرب العالمية الثانية , ثم خضعت لسياسة الحرب الباردة , ووصلت الى حد قطع العلاقات بعد قيام حلف بغداد , ولم يكن هناك سفير عراقي في موسكو طوال تلك الفترة بل قائم باعمال , اي من 1944 لغاية 1958 , وهكذا اصبح عبد الوهاب محمود اول سفير للجمهورية العراقية في الاتحاد السوفيتي للفترة من 1959 الى 1962 . لقد اختار عبد الكريم قاسم كما يقال شخصيا عبد الوهاب محمود ليكون سفيرا في موسكو نظرا لاهمية هذا الموقع الدبلوماسي الحساس للعراق الجمهوري في تلك الفترة , وكان عبد الوهاب محمود متفرغا طوال حياته للمحاماة ( اصبح وزيرا في حكومة توفيق السويدي عام 1946 ) , وقد انتخبوه نقيبا للمحامين عدة مرات , اذ كان النقيب العاشر ( 1950 – 1953 ) ثم الثالث عشر ( 1958 ) وهكذا تم تعيينه سفيرا في موسكو بموجب عقد عمل لمدة ثلاث سنوات , وهو اول سفير يتم تعيينه بهذه الطريقة حسب علمي المتواضع , وقد رفض عبد الوهاب محمود تمديد ذلك العقد بعد انتهاء فترته رغم محاولة اقناعه بالتمديد , ورجع الى بغداد حيث انتخبوه نقيبا للمحامين ( النقيب السادس عشر ) من عام 1968 لغاية 1971 . لقد نجح عبد الوهاب محمود في عمله سفيرا وكانت العلاقات العراقية – السوفيتية مزدهرة جدا , وقد ساهم بشكل فعال بكافة المفاوضات وتوقيع الاتفاقيات بين الدولتين , وتعلم اللغة الروسية , ولا زال اسمه موجودا في الكثير من الوثائق العراقية – الروسية وغالبا ما يذكره الباحثون والمؤرخون للعلاقات بين الدولتين وبكل احترام , ويمكن القول انه كان واحدا من أبرز السفراء العراقيين في موسكو عبر تاريخ العلاقات العراقية – الروسية بشكل عام , بل ان نجاحه هذا قد ادٌى الى التفكير بتعينه وزيراللخارجية من قبل عبد الكريم قاسم الا ان اعتراض امريكا وبريطانيا حال دون ذلك ( انظر مقالتي المنشورة في عدة مواقع بعنوان – حوار مع هاشم جواد ).
مقالات اخرى للكاتب