حوار ملؤه الصراحة مع الأديبة ناصرة السعدون
نشرت عبر مسيرتها الأبداعية خمس روايات و21 كتابا في شتى فروع الأدب والثقافة والمعرفة
روايتها دوامة الرحيل التي تلت - أحببتك طيفا - هي الأهم بنظرها سواء بأحداثها أو بشخوصها
حاورها :احمد الحاج
نجمة متلألئة في سماء الأبداع العراقي أبت ومنذ انطلاقتها الأولى ان تقف على سفح التألقمن دون قمته ، من مواليدالعراق عام 1946 ،تخرجت في جامعة بغداد سنة 1966، نشرت خلال مسيرتها الأبداعية الحافلة خمسة أعمال روائية من بين ستة وعشرين كتاباً أغلبها من الأعمال المترجمة في الرواية والادب والسياسة والاقتصاد، كما شاركت في كتابة العديد من الدراسات والبحوثوفي مختلف المجالات المعرفية ، فضلاً على عشرات المقالات في الصحف والمجلات المتخصصة والعامة . تلك هي المبدعة ناصرة السعدون
ولأهمية ماكتبت وترجمت من مؤلفات أثرت الثقافة ورفدتها بالكثير من روائع الأدب العالمي كان لابد لنامن وقفة نتحاورخلالها مع هذه الأديبة المعروفة في شتى المجالات التي تهم المثقف العراقي في الداخل والخارج ...
- لاشك ان المتتبع للحركة الثقافية في العراق يؤشر أفولا أحيانا وإرتقاء أحيانا أخرى ،من وجهة نظرك لماذا هذا التذبذب؟
*ربما يعود الأمر إلى المتغيرات العميقة والجذرية في المجتمع العراقي مما يؤثر سلباً وإيجاباً على الأعمال الإبداعية كافة، حيث يعاني المشهد الثقافي في العراق من إنكفاء واضح بعد إحتلاله في 2003، ومع ذلك نرى إتساعاً كبيراً لمساحة الإبداع العراقي في المهجر، إذ نشهد نشر العديد من الأعمال الأدبية والفنية والعلمية لعراقيين إضطروا لمغادرة العراق بعد إحتلاله.
- لو إستعرضنا ما قدمه العراق من كفاءات إبداعية نسوية في كافة مجالات الأدب والمعرفة لشعرنا بالزهو فلماذا لايكون هناك خيمة او لنقل محفلا او تجمعا يضم المبدعات العراقيات على اختلاف توجهاتهن يدعم نتاجهن ماديا ومعنويا؟
* لا يمكن فصل الأبداعات النسوية في العراق عن الإبداع عموماً، وهو ما يثير الزهو حتماً،أما الخيمة، كما تسميها، فلا أظن أن من مصلحة الإبداع عموماً التمييز بين الرجل والمرأة، بخاصة في هذا المجال، فضلاً على ذلك علينا أن لا ننسى الشتات الجغرافي للمبدعين العراقيين، فهم يتوزعون بين قارات الكرة الأرضية، ولولا الانترنت لما عرفنا ما أنجزوا.
- أين تضعين رواياتك في خانة الأدب الواقعي أم الرمزي أم الرومانسي أم التسجيلي ؟
* يجدر توجيه هذا السؤال إلى النقاد وليس للكاتب، حين أكتب عملاً روائياً لا أستطيع حصره في زاوية تصنيف معين، أياً كان، وأتمنى على نقاد الأدب ان يلتفتوا إلى نقد الأعمال الأدبية العراقية بدل نشر الدراسات عن مشاهير الكتاب في العالم والأنغمار في تنظيرات بعيدة عن واقع حياتهم.
دار السلام- لقد كان لك دور خلاق في مجال البحوث والدراسات كجزء من نشاطات وزارة الثقافة والأعلام سابقا فهل أنت مستمرة في هذا النهج ؟
* تحتاج البحوث والدراسات إلى إستقرار نفسي وبيئة مناسبة، وبعد 2003 لم تعد هذه البيئة متوفرة، هذا من بين الأسباب التي جعلتني أبتعد عن هذا المجال، فكرست جهدي الثقافي في أعمال الترجمة والرواية.
- ماهو تقييمكم للرواية العراقية الحديثة وهل تبوأت موقعها الحقيقي أم إنها تعاني الأقصاء والتهميش او لنقل الانحدار ؟
- الرواية العراقية الحديثة تمتد بامتداد القرن العشرين وحتى اليوم، لكنها، ولظروف كثيرة ظل توزيعها ضمن جغرافيا العراق، ولم تنتشر إلى الوطن العربي، باستثناء ما نشر في بيروت أو القاهرة، وهذا من بين الأسباب التي يمكن ذكرها لعدم شهرة الكاتب العراقي في الوطن العربي، أما (الإقصاء والتهميش) فلا أظنه متعمداً، بل لأن هذا الوطن باتت تمزقه الحدود و..الرقابة مماحدىبالأبداع ان ينحصر في الحدود التي وضعت.
- نأسف لمحلية الأبداع العراقي سواء على صعيد القصة أوالرواية أ و الشعر الحر والعمودي هل هو قصور في الكاتب أم القاص أم الناشر أم الشاعر أم ماذا ؟ وهل ترجمت نتاجاتنا الى لغات العالم؟
• * محلية الإبداع العراقي في المجالات كافة لا يعود إلى الكاتب بالتأكيد، فالكاتب أصلاً يعاني من صعوبة النشر، ولا أقول الأنتشار، فهذا طموح كان من الصعب تحقيقه، وما يزال، لهذا أعتقد أنه يعود إلى قصور عملية توزيع الكتب بين أرجاء الوطن العربي وارتفاع تكاليفها وعدم استخدام الوسائل الحديثة في النشر، مثل النشر المشترك، أو النشر الالكتروني، فكم من النتاج العراقي الرائع ظل محصوراً في حدود القارئ المحلي ولم يصل إلى لبنان وتونس ومصر مثلاً، ولا أقول إلى العرب المنتشرين في المنافي؟ أما بالنسبة للترجمة، فقد صدرت ترجمات قليلة جداً لبعض كتابنا العراقيين، وبجهود ذاتية، لا غير.
- قيل قديما الكتاب او الرواية تؤلف في مصر وتطبع في لبنان وتقرا في العراق هل لايزال الوضع على ماهو عليه ؟ وهل اثرت الثورة التكنلوجية على ذائقة القارئ العربي عموما والعراقي على وجه الخصوص فضلا على ثقافته ؟
*هذا القول صحيح لغاية نهاية القرن العشرين، أما بعدها فيصعب قياس الأمور لأسباب شتى، من أهمها الثورة التكنولوجية، واضطراب الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي في الوطن العربي ككل بخاصة بعد احتلال العراق
أما بالنسبة للثورة التكنولوجية، فقد أثرت بالتأكيد على ذائقة القارئ العربي والعراقي، فقد فتحت أمامه أبواباً واسعة لينهل منها خصوصا بين شريحة قراء الكتب الالكترونية، التي جعلت المثقف يتخلص من عبء الكتاب الورقي ويقلص الحيز الذي تشغله المكتبة إلى حجم طابع البريد على شاشة الحاسوب،ولا ننسى في هذا المجال اغتراب الكثير من المثقفين عن بلدانهم، مما جعلهم يتخلون عن نقل كتبهم ومكتباتهم، لصعوبة نقلها، وبالتالي حل محلها الكتاب الألكتروني، هذا مجال جديد يستحق المتابعة والتوسع باستخدامه سواء في قراءة الكتب أو في نشرها وتوزيعها، إن وجدنا من يهتم بهذا الجانب ويكون الرائد فيه.
• - الشعر غذاء الروح ودواء القلوب العليلة فهل لك سهم في هذا الفن اسوة بالرواية ..هل هناك ديوان مطبوع أومخطوط في شتى فنون الشعر العمودي والحر والشعبي ؟
• * تمتعني قراءة الشعر كثيراً، لكني لم أجرب يوماً كتابته، كتبت المقالة والرواية، وترجمت العديد من الكتب، لكني لم أكتب الشعر، فهذا ليس مجال اهتمامي. أشعر أن الرواية هي ما يجعلني قادرة عن التعبير عن ذاتي، أكثر من الشعر، أو حتى القصة.
- يقول هنريك ابسن عندما استحضر شخصياتي واعيش معهم اغلق باب غرفتي ..فهل البيئة التي تصنعينها وتكتبين عنها فضلا على شخوص رواياتك مستلهمة من الواقع المعاش ومستوحات من الذاكرة الحبلى بالهموم ..واعني بها هموم الوطن .. وهل لك طقوس خاصة في الكتابة ؟
* قد يغلق هنريك أبسن باب غرفته، لكن أجد هذا مستحيلاً بالنسبة لي، كما لا أشعر بضرورته. ما أكتبه أغلق عليه باب عقلي، وبالتالي أظل أفكر بالرواية وأحداثها وأتماهى مع شخصياتها. وحين أفتح ملف (الفصل الأول) من روايتي على الحاسوب، أبدأ بكتابة ما قمت بصياغته في الليالي السابقة، وأتواصل مع شخوص الرواية، لا بل أتماهى معهم. أضحك وأبكي، وأبتسم لأفكارهم وأحداثهم. الذاكرة حبلى بالأحداث والاشخاص، فاستحضر ما أحتاجه من خزين الذاكرة لأوثث روايتي. هموم الوطن حاضرة دوماً في أعمالي الروائية، ليس من باب الوعظ أو التوثيق، بل لأن حياتي هي جزء من هموم هذا الوطن التي عاصرتها وشاركت في الكثير منها، لهذا فما يمكن أن توصف به أعمالي الروائية، هي كونها تمزج من العام والخاص. من البيئة وتفاعل الشخوص معها. أما فيما يتعلق بالشطر الأخير من السؤال، حول الطقوس الخاصة بالكتابة، فلا أسميها طقوساً، فأنا أواجه الحاسوب ليلاً ونهاراً، أضخ في ذاكرته ما يجول في ذهني، وحين يبدأ مشروع الرواية بالتكامل في ذهني، أبدأ بالكتابة،الطقس الوحيد الذي لا يفارقني قط، هو سماع الموسيقى في جميع الأوقات، خصوصاً أثناء كتابة الرواية، وأظن هذا واضحاً في أعمالي التي لا يخلو أي منها من ذكر للموسيقى أو بعض الأغنيات.
- من تعتقدين جازمة الصنف الذي يقرأ رواياتك ويتأثر بها وماهي الرواية الأحب الى قلبك ؟
* لا أستطيع الجزم بكينونة من يقرأ أعمالي الروائية، لكني أعرف أن الكثير من الشباب يقرأ لي، والكثير من الشيوخ، من أمثالي، أيضاً تروق لهم قراءتها. وعرفت مؤخراً أن أطفالاً بعمر العاشرة قرأ بعضهم أعمالي الروائية. لا أدري.. ما أحب أعمالي؟ هذا سؤال تقليدي وصعب في آن واحد، لكني أظن أن روايتي الأخيرة (دوامة الرحيل) هي أهم ما كتبت، سواء بأحداثها أو شخوصها.
- معلوم ان شكل النتاج الأدبي مهم جدا في إنجذاب القارئ كيف تختارين مصممي أغلفة الروايات ولماذا اخترت وداد الاورفلي لتصميم غلاف روايتك الأخيرة ؟
*لكل رواية حكايتها.. وغلافها يهمني لأنه بطاقة الدعوة للقارئ لكي يفتح الغلاف الذي يروقه، وفي الوقت نفسه يعبر عن ماهية الرواية، عادة ما أختار لوحة الغلاف، ليقوم المصمم بإضافة العنوان وإسم الكاتب عليه، أما سبب اختيار لوحة الصديقة وداد الأورفلي غلافاً لرواية (دوامة الرحيل) فأترك لك أن تقرأ الرواية لتجد الجواب على سؤالك، فإن وداد الأورفلي حاضرة فيها، ولهذا طلبت الإذن منها لوضع واحدة من أحب لوحاتها إلى قلبي، لتزين روايتي.
- حدثينا قليلا عن هذه الرواية ؟
* لا أجيد التحدث عن أعمالي الروائية، وأفضل أن أترك للقارئ الأستمتاع بقراءتها والسير مع أحداثها، بكل ما فيها من أحزان وأفراح. من حيرة وقلق. لكن يكفي القول أن (دوامة الرحيل) هي حكاية الرحيل عن العراق بعد احتلاله، والدوامة التي يجابهها العراقي، من حيوات جديدة في بلدان الاغتراب، والقرارات الصعبة التي يجب عليه اتخاذها في كل موقف. فيها بعض الاستشراف لما يمكن أن يكون عليه العراقي في حياته الجديدة بعيداً عن بيئته التي تم اقتلاعه منها، وزرعه في بيئة جديدة غريبة عليه، وكيف يمكن أن يكون الحب لدى هؤلاء الشباب الذين اقتلعوا من أرضهم في عمر الحب،أظن أن البقية يمكن معرفتها بعد قراءة الرواية.
- لماذا برأيك لم يفز أحد من روائيينا بجائزة البوكر العربية ولماذا لم تتحول رواية واحدة من رواياتنا الى فيلم سينمائي او مسلسل تلفزيوني عربي أسوة بروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة وغيرهم ؟
* نيل الجوائز يحتاج إلى انتشار وترويج، وهذا ما نفتقده لما نشر من رواياتنا، والبوكر العربية لم يمض على قيامها سوى بضعة أعوام، آمل حصول أحد روائيينا عليها،أما بالنسبة لتحويل أعمالنا الروائية إلى أفلام أو مسلسلات، فعلينا أن لا ننسى أن مصر هي أم السينما العربية، لذلك من الطبيعي تحويل أعمال كتابها إلى أفلام ومسلسلات، ومما يجدر ذكره في هذا المجال أن القناة الفضائية العراقية تعاقدت معي في عام 2002 على إنتاج (أحلام مهشمة) لعمل تلفزيوني، لكن الاحتلال وما تلاه وأد الفكرة قبل ولادتها، وما يزال سيناريو (أحلام مهشمة) بصيغة كتاب ورقي، آمل يوماً إصدار طبعة ثانية منه كما فعلت مع روايتي (أحببتك طيفاً). أما تحويله إلى مسلسل، فهذا قرار يرجع للمنتجين، والقنوات الفضائية العربية العديدة، فهو سيناريو مسلسل متكامل يتحدث عن الحب في زمن الحصار، وليس هذا تشبيه لرائعة ماركيز (الحب في زمن الكوليرا)، بل لأن هذا السيناريو يطرح بالفعل حكاية حب شابين طموحين، يقف الحصار في وجه تحقيق طموحاتهما،هو سيناريو أتمنى إنتاجه ليعرف العالم معاناة شعب العراق وشبابه في تلك الفترة التي إمتدت على مدى ثلاثة عشر عاما.
- كيف تنظرين الى واقع الرواية العربية والعراقية في الوقت الحاضر وماهو إنطباعك عما تكتبه احلام مستغماني؟
* الرواية العربية، هي إنعكاس للواقع العربي، حاضراً وماضياً ومستقبلاً، الرواية العربية بخير ما دام الروائيون ينتجون أعمالاً جديدة، ولاشك أحلام مستغانمي، وغادة السمان ولطفية الدليمي وغيرهن قامات بارزة في المشهد الثقافي العربي، وثمة أسماء أخرى تستحق الذكر في هذا المجال.
- كلمة أخيرة تودين إضافتها ؟
• *أتمنى على دور النشر العربية أن تخطو الخطوة العملاقة الأولى في مجال النشر الألكتروني ولا تتخلف عن ركب التقدم الذي شهده العالم منذ سنوات، فهذا المجال الحيوي يضمن نشر الثقافة العربية في جميع أرجاء الأرض، ويوسع نطاق الاطلاع عليه وربما ترجمة ما يستحق الترجمة منه إلى اللغات الأخرى، الاقتصار على النشر الورقي قد انحسر في العالم، وما نزال نصر على الاكتفاء به، برغم ما يشوبه من صعوبات وتكاليف باهضة.