لايختلف اثنان اليوم على ان الانتخابات هي جزء من الديمقراطية و من المجتمع الديمقراطي، الاّ انها لايمكنها لذاتها وحدها ان تختزل الديمقراطية، فالديمقراطية مفهوم اجتماعي قِيَمي سياسي . . يحتاج الى عمليات تنمية و تحديث و تمدّن في المجالات المتنوعة للمجتمع و تشترط اشتراطات تبدأ بتحقيق الامن و السلامة الاجتماعية، بعيداً عن العنف و الارهاب و الترهيب بالتلويح بهما .
و تعتبر انتخابات المجالس المحلية التي صارت تطرق الباب الآن، هي الاولى بعد انتخابات مطلع عام 2010 لقياس مدى شعبية رئيس مجلس الوزراء الحالي الذي جاء باتفاقات رغم انتخابات تشريعية جرت و نالت من طعون كبيرة صادقت عليها المحكمة العليا، وفق الاصول الدستورية . . و تعتبر الاولى لقياس حقيقة الاستقرار في البلاد بعد رحيل القوات الاميركية عام 2011 .
و لكل ذلك يتوقع اكثر المراقبين بانها ستكون باجراءاتها و المشاركة فيها . . مخاضاً هاماً يكشف الكثير من بواطن حقائق نظام الحكم القائم الآن، سواء بأعين العراقيين بالوان طيفهم و اديانهم و مذاهبهم، او بأعين العالم و بالتالي سيحدد مواقف دول العالم بشكل اكثر وضوحاً مما يجري في العملية السياسية في البلاد .
و يلاحظ كثيرون ان رئيس الوزراء المالكي المالك بيده الفرد اجهزة الدولة المالية و الاعلامية و العنفية بانواعها، قد استهل الانتخابات بعدة اجراءات و قرارات لا يراد منها الاّ الاستقواء بما موجود من قوى مؤثّرة (1) في لوحة الاحداث الجارية الآن، و ليس الاستقواء بشعبه المضيّع و المهمّش الذي يواجه انواع المحن، و ليس بالانشغال بما يداوي جروحه و يطلق طاقاته الخلاّقة . .
الاستقواء بقوى مهما كانت، بشرط ان تدعم كرسيه، مستنداً في ذلك الى راية رفعتها دكتاتوريات هَوَت، راية (عفا الله عمّا سلف) بعيداً عن حكمتها الحقيقية . . وصولاً الى عدم ممانعته من الاستقواء بمجرمي البعث (2) ـ علماً بان ليس كل البعثيين السابقين مجرمين ـ عاكساً في ذلك فهم المالكي للديمقراطية بكونها اداة لحكم فرد يرى بنفسه الآهلية و اداة لديمومته على كرسيه، بتقدير اوساط محايدة من تتبع سلوكه السياسي في سنين حكمه كـ (قائد عام).
و في خضم عودة مجرمي البعث التدريجية المتواصلة بكل الاردية و العلامات المنافقة الجديدة منذ انهيار الصنم، الى دوائر الدولة و الى مسارح الاحداث و دوائر السلطة و الجيش و قوى الامن، بمفاتيح الاجرام و المال التي لم يدقق بها . . التي ازدادت بشكل مفاجئ عشية الانتخابات، بقرارات حكومة المالكي بتعويضات فدائيي صدام و كوادر البعث ـ عدا الانسانية ـ و بتعديلات قانون المساءلة و العدالة التي افقدته جوهره، التي ادّت الى استنكارات شعبية متصاعدة حتى ادّت الى مخاطبة جماهير الناصرية للمالكي بـ " بعثي نوري المالكي "، و هو يلقي كلمته في الملعب الرياضي هناك . . كما تناقلتها وكالات الانباء و الفيسبوك و اليوتيوب و غيرها.
في اجراءات تثير انواع الاتهامات و التساؤلات التي منها، هل ان تلك القرارات تأتي ضمن صفقة للتفاعل و دعم نظام الاسد البعثي الحاكم . . و تثير حذر و انتباه الاطراف الكردستانية العراقية، لخبرتها الطويلة و المؤلمة مع عسكريي دوائر صدام و جيشه و عملائه الذين لايتورعون عن القيام بانواع الجرائم الجماعية ضد الكرد و كردستان التي وصلت حد الابادة كما في الانفال و حلبجة و عشائر بارزان، من جهة . و يثير غضب كل القوى الديمقراطية العراقية و كل القوى التي عارضت الدكتاتورية و قدّمت مئات آلاف الشهداء على طريق النضال لاسقاطها، من جهة اخرى .
و فيما يصف السيد المالكي الجماهير المحتجة و المطالبة بالمساواة في المحافظات الغربية ـ ذات الغالبية السنيّة وفق توصيفات اليوم ـ ، يصفهم بالمتمردين و الغرباء . . يأتيه الرد من جماهير الغالبية الشيعية في كربلاء و العمارة ـ و الناصرية كما مرّ ـ باعلانها التذمر من كلماته في التحشيدات الانتخابية التي دعى لها و تحدث فيها داعياً لانتخاب قائمته التي صار اعلام الحكومة الرسمي و فضائياته المتعددة تروّج لها . .
في وقت يعلن فيه انه لايلبي دعوة البرلمان للمساءلة الدستورية، لانّه سيفتح ملفات تدين عدداً كبيراً من البرلمانيين بالارهاب؟!! و سيؤدي الامر الى التراشق بالبوكسات، على حد تعبيره . . ناسياً او غير مبالي بما يمليه عليه واجبه اليومي كرئيس وزراء عند حصوله على اي دليل في حماية ارواح المدنيين العزّل الذين يتعرّضون يومياً للموت على ايدي الارهابيين . . وسط صراخ الجماهير و غالبية الاطراف بضرورة الوقوف امام اختراقات الاجهزة الامنية .
و فيما تدعو القوى التقدمية المدنية و المرجعيات بكل اطرافها الى ضرورة الاشتراك بالانتخابات لمحاولة قطع الطريق امام عودة الفاسدين و السرّاق، و انتخاب الشخصيات النزيهة . . ترى جهات خبيرة ان المشاركة الفعالة في الانتخابات هي الطريق الافضل لزيادة دور الجماهير الشعبية في التصدي للظلم و الفساد و التزييف، و هي الطريق الافضل لتعرية اساليب الحكومات غير الكفوئة و المدانة بالفساد و السرقات الفلكية . . و التي يمكن ان تكون اقوى الاوراق لإجبار حكومة المالكي القائمة الآن، على الاستقالة و الاتيان بحكومة تكنوقراط انتقالية، كضمان لنتائج نزيهة و لتحقيق مؤتمر عام لكل القوى العراقية الفاعلة للاتفاق، و للتهيؤ للانتخابات التشريعة القادمة .
مقالات اخرى للكاتب